من العاصمة .. شباب تحت عتبة التخييم  

محمد الطالبي

يحلّ فصل الصيف كل عام، فيأتي بحرّه اللاهب، وتقلّباته المناخية العنيفة، كاشفًا عمق التفاوتات الطبقية في المجتمع المغربي. ملايين المغاربة، خصوصًا في المناطق الداخلية، يعيشون تحت وطأة درجات حرارة مفرطة، دون تكييف، دون مسابح، دون وُجهات للهروب من الجحيم اليومي. وإذا كان الصيف عند البعض فرصة للراحة والاستجمام على شواطئ ممتدة، فإنه عند الأغلبية الساحقة فصل للغُصة والحِرمان.
الصيف في المغرب ليس للجميع، بل صار امتيازًا طبقيًا. من يستطيع أن يتحمل أسعار النقل بين الجهات، وسط غلاء غير معقول؟ من بمقدوره أداء ثمن شقة موسمية أو إقامة في فندق، أو حتى دخول شاطئ صار خاصًا ومحاطًا بسياج؟ أما عن الخضر والفواكه، التي كان يُفترض أن تتوفر بسخاء في هذا الفصل، فقد صارت أسعارها تضاهي أسعار الكماليات، لتُغلق في وجه المواطن البسيط حتى أبواب التذوّق.
كل ذلك في مقابل صمت رسمي مُريب، وتجاهل تام لمعاناة شعب بأكمله. فعلى الرغم من شعارات “الدولة الاجتماعية” و”أولوية الشباب”، لا وجود لأي سياسة عمومية تضع في اعتبارها أن حق الاصطياف والتخييم والترفيه ليس ترفًا، بل حقا إنسانيا وثقافيا وتربويا أصيلا. فأين هي برامج الدولة؟ أين هي المبادرات الترابية؟ أين هو النقل الصيفي الشعبي؟ أين هو المخيم العمومي الذي يفتح ذراعيه لأبناء الوطن كما كان في زمن مضى؟
في غياب كل ذلك، يتكدّس الشباب في الزوايا، ينكمشون داخل غرف ضيقة مع هواتف ذكية تسجنهم داخل عالم افتراضي قاتم. تغيب عنهم ضحكة الشاطئ، لعب الكرة في الرمل، حيوية الجماعة، طعم المغامرة، وسحر الاكتشاف. شبابنا بات يعيش حياة مُزيفة، مجازية، لا جسد فيها ولا تفاعل. وهو ما يُنذر بخطر حقيقي على المدى القريب والبعيد: اغتراب جماعي، فتور وطني، وشعور داخلي بالتهميش والدونية.
إنها مأساة حين ترى شباب المغرب، وهم عماد المستقبل، يعيشون في قطيعة مع الطبيعة، مع الفضاء العام، مع البحر، مع الريف، مع التنوع الجغرافي الذي حبى الله به وطنهم. مأساة أن نُقصيهم من متعة الصيف التي كانت، عبر التاريخ، مناسبة للانفتاح، لبناء الروابط، لصقل الشخصية، وتعزيز الانتماء.
كيف نبني مواطنًا متوازنًا، واثقًا من نفسه، مندمجًا في محيطه، إن كنا نحرمه من أبسط أشكال البهجة؟
كيف ننتظر من شباب مهمّش، صيفًا وشتاءً، أن يؤمن بوطن لا يمنحه إلا الفواتير والوعود المؤجلة؟
أليست الراحة النفسية، والاستجمام، والترويح عن النفس، جزءًا من الأمن المجتمعي؟ أليس في ذلك وقاية من الانحراف، والتطرف، والانطواء المرضي؟
إن كل درهم يُستثمر في حق الشباب في الحياة، هو استثمار في الأمن، في التماسك الاجتماعي، في المستقبل. وإن أكبر خطأ ترتكبه السياسات الحالية هو اعتبار التخييم والاصطياف والحق في البحر كماليات لا تستحق الدعم، بينما الحقيقة أن الحق في المتعة الصيفية هو حق دستوري، يجب أن نُكافح لأجله.
ليس المطلوب معجزات، بل فقط عدالة في توزيع الفرص، وإرادة سياسية تجعل من الصيف موسمًا للحياة لا موسمًا للحسرة. المطلوب برامج للتخييم الحضري والقروي، مبادرات مجتمعية للشواطئ المفتوحة، خطوط نقل تضامنية، ودعم مباشر للأنشطة الصيفية في الأحياء والقرى.
ارفعوا أيديكم عن شباب الأمة، دعوه يُصيف، يُسافر، يفرح، يكتشف وطنه.
دعوه يشعر، ولو مرة في العام، أن لهذا البلد قلبًا ينبض من أجله.
دعوه يرى البحر، لا على شاشات هاتفه، بل على حقيقته، بأمواجه، بشمسه، برائحته، لأن البحر ليس ملكًا لأحد… إنه جزء من مواطنته !

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 05/07/2025