بالصدى .. «العزوف» عن الطب العام

وحيد مبارك

تبلغ نسبة أطباء الطب العام من مجموع الأطباء في بلادنا حوالي 40 في المئة، وفقا لما يؤكده مهنيون للصحة وخبراء في هذا المجال الحيوي، في حين أن نسبة الأطباء الأخصائيين في مختلف التخصصات تصل إلى 60 في المئة، وهي نسبة تبقى من «الناحية الصحية» غير منطقية وغير مقبولة بحسب المهتمين بالشأن الصحي وتختلف بشكل كلّي مع ما هو معمول به في دول متقدمة، حيث تكون نسبة أطباء الطب العام هي الأكثر انتشارا.
هذه الوضعية يجب أن تكون موضوع دراسة جادة خاصة وأن بلادنا تتجه نحو تجويد المنظومة الصحية بعد أن فتحت هذا الورش الهام بناء على التوجيهات الملكية، تبعا لإطلاق مشروع الحماية الاجتماعية وما يرتبط به من محاور على رأسها تعميم التغطية الصحية، لأن المدخل الأساسي للصحة هو الطبيب العام، لاسيما وأن نقاشا كبيرا رافق ما تمت تسميته بطب الأسرة، الذي لا تزال تعتريه العديد من التعثرات إلى غاية اللحظة، بما أن الكثير من المواطنين المغاربة لا يتجهون عند حدوث عارض صحي عند الطبيب العام، بل ينتقل عدد كبير منهم مباشرة وفي قفز على المراحل إلى الطبيب الاختصاصي بحثا عن علاج أسرع وأنجع في تقدير المعنيين.
توجّه يجعل طلبة الطب اليوم وأطباء الغد يضعون نصب أعينهم منذ بداية مسار تكوينهم العمل على إيجاد موضع قدم لهم في تخصص من التخصصات، بما أن الطب العام غير مجدٍ بالنسبة للكثيرين، بسبب تسعيرة الفحص التي تتأسس على التعريفة المرجعية المتقادمة والتي لا صلة لها لا من قريب ولا من بعيد بمغرب اليوم، وبالمعيشة التي يعرف الجميع كيف أنها تقفز قفزا، وتلهب الأسعار الجيوب لهيبا تكتوي به شرائح واسعة من المواطنين. طب عام يفتقر للعديد من المقومات التي يمكن أن تجعل منه رافعة في خدمة الوقاية من جهة والصحة العامة من جهة ثانية بشكل عام، علما بأن الطبيب العام يمكنه أن يشخص الوضعية الصحية للمريض التي قد تكون «هيّنة» وتحتاج إلى علاج بسيط مع التقيد بنصائح تهم التغذية السليمة ونمط العيش الصحي، كما انه يمكن له أن يحدد طبيعة المرض التي تحتاج إلى تخصص بعينه، بعيدا عن التنقل بين التخصصات المتعددة التي قد تدخل المريض في دوامة من التخبط والتيه.
إن تأهيل ودعم الطب العام هو دعم للوقاية الصحية وللمريض، هذا الأخير الذي لا يجب أن يواصل تسديد نفقات علاجية عن كل ملف مرضي قد تصل إلى نسبة 50 في المئة من جيبه الخاص، لأن وضعا من هذا القبيل يؤدي إلى تهاونه صحيا وقد يترتب عن ذلك مضاعفات جد وخيمة، كما أن عدم ضبط هذا المسار بما يعود بالنفع على المريض ويعطي للطبيب العام قيمته ويحفظ كرامته مهنيا هو الآخر، يؤدي من جهة أخرى إلى ارتفاع النفقات الصحية التي تبقى على عاتق الصناديق الاجتماعية، التي في نهاية المطاف قد تسدد ما كان من الممكن أن تتفادى نسبته وقيمته إذا ما تم وضع تصور شامل لإصلاح منظومة الطب العام.
إن أي حديث عن إصلاح للقطاع الصحي يجب أن يكون شاملا، وأن يستحضر كل العلل التي تحول دون تقديم خدمة صحية متكاملة بكافة وسائل التشخيص الضرورية وبكلفة مقبولة لا تحول دون ولوج المواطنين إلى الخدمات الصحية، وأن يتم إلى جانب إبداع حلول للحدّ من هجرة الأطباء ووضع خارطة صحية فعلية تجيب عن الاحتياجات الصحية المجالية المختلفة، الاهتمام بالموارد البشرية بالشكل الصحيح الذي يجعل من كل الإمكانيات المسخرة للقطاع تساعد على تحقيق الأمن الصحي في بلادنا.

 

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 08/07/2025