المغرب، بين ذكاء الآلة وإبداع الألعاب الإلكترونية: هل نرسم المستقبل أم نستهلكه؟

 

في ظل الثورة الرقمية العالمية التي تعيد تشكيل الاقتصاد والمعرفة، باتت قطاعات «الذكاء الاصطناعي» و»الألعاب الإلكترونية» من أبرز المحركات الاقتصادية والتكنولوجية في العالم.
يهدف المغرب (حاله حال دول العالم) – الذي يتطلع إلى الانخراط بقوة في الاقتصاد الرقمي – إلى توظيف هذه القطاعات الحيوية كرافعة للنمو الاقتصادي ولتعزيز مكانته القارية. لكن بين الطموح والتحديات، تطرح أسئلة من قبيل: «ما هو واقع هذين القطاعين في المغرب؟»،»وكيف يمكن الاستفادة من الإمكانات، مع تفادي العراقيل التي قد تعيق التطور؟»..
سوق الألعاب الإلكترونية بالمغرب: نمو متسارع وأفق واعد

يُظهر سوق الألعاب الإلكترونية بالمغرب مؤشرات نمو إيجابية تستحق الانتباه. وفقًا لتقارير حديثة من «Statista» و»» Newzoo، يُتوقع أن تصل قيمة سوق الألعاب الإلكترونية في المغرب إلى ما يقارب 300 مليون دولار بحلول عام 2027، مع معدل نمو سنوي متوسط يقارب 9.3%.
هذا الرقم يعكس تزايد الطلب المحلي والإقليمي على الألعاب الرقمية، خاصة مع انتشار الهواتف الذكية وزيادة إقبال الشباب على هذا النوع من الترفيه والتنافس. وقد أكدت دراسة نشرتها «Morocco World News» وجود أكثر من 3 ملايين لاعب نشط في البلاد، بالإضافة إلى نحو 15 مليون مستخدم (عرضي) للألعاب الإلكترونية، مما يشير إلى جمهور واسع ومتفاعل يدفع السوق نحو المزيد من الفرص.
على المستوى الحكومي، أُطلق مشروع «Rabat Gaming City» كمنصة استراتيجية لتطوير هذا القطاع، بميزانية تقدر بحوالي 30 مليون دولار، وتهدف إلى خلق «بيئة متكاملة» تجمع بين الابتكار والإنتاج والتكوين، مع توفير فرص عمل مباشرة تقدر بأكثر من 4000 وظيفة في المرحلة الأولى.
إلا أن القطاع لا يزال يواجه تحديات هيكلية، أبرزها نقص التشريعات المنظمة والمحفزة، وغياب صناديق تمويل مخصصة تدعم الشركات الناشئة في هذا المجال، الأمر الذي يجعل أغلب المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي.
النماذج الذكية المغربية: وضعية حاضرة وتطلعات استراتيجية

في المقابل، يشهد قطاع «الذكاء الاصطناعي» في المغرب تحركات متسارعة، تجسدت في انعقاد «المناظرة الوطنية الأولى للذكاء الاصطناعي» (ما بين 1-2 يوليوز 2025)، والتي أوصت بـ»إنشاء اطار قانوني وأخلاقي متكامل للذكاء الاصطناعي» مؤكدة كذلك على «الارادة الوطنية في جعل الذكاء الاصطناعي رافعة للتنمية المستدامة» وعلى أنه «ينبغي وضع خطة طريق شاملة لتحديد أهداف المغرب وأولوياته ومكوناته الأخلاقية، بما يتماشى مع المعايير العالمية مع تعزيز الاستخدام المسؤول للتقنية».
تشير تقارير «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي» إلى أن «المغرب يمتلك بنية تحتية تقنية متطورة تسمح بتبني الذكاء الاصطناعي، لكنه ما يزال يعاني من: «نقص في التنسيق المؤسسي» و»ضعف التمويل المحلي للبحوث والتطوير»، مما يحد من إمكانية تطويع التقنية بشكل شامل وفعال».
وفي السياق الأكاديمي، برزت نماذج محلية مثل «Atlas-Chat» التي تم تطويرها في الجامعات المغربية، والتي تميزت بفهمها للغة الدارجة المغربية، وهو «تقدم نوعي» يضع المغرب في مسار تنافسي عالمي. أكد تقرير تحليلي من منصة «University-365» تفوق هذه النماذج في بعض الجوانب على بدائل أجنبية مماثلة، مما يعكس قوة البحث العلمي المغربي في المجال. ومع ذلك، فإن «ضعف التنسيق بين الوزارات المختصة» و»غياب رؤية واضحة موحدة» يشكلان عائقًا أمام النهوض بهذا القطاع الحيوي بشكل فعلي، كما يؤكد التقرير ذاته».
أثر السياسة
على تطور القطاعين

تمثل «السياسة» أداةً مؤثرة (بشكل مباشر وغير مباشر) على مسار تطور «الذكاء الاصطناعي» و»الألعاب الإلكترونية» في المغرب، وهو ما يثير تساؤلات مهمة حول «مدى جدوى دعمها لهذه القطاعات دون أن تتحول إلى عقبة؟».
في إطار دعم الدولة، أعطى «ميثاق الاستثمار الجديد» حوافز ضريبية وتمويلية للمشاريع الرقمية والتقنيات الناشئة، وهو ما ساعد في تحفيز بعض المبادرات الخاصة والعامة. ومع ذلك، تحذر تقارير منظمات إعلامية مستقلة مثل «The Morocco Post» من «مخاطر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات الرقابة الأمنية دون وجود أطر تشريعية واضحة تحمي الخصوصية والحريات الرقمية، وهو ما قد يثبط الابتكار ويحد من الانفتاح على التقنية».
من جهة أخرى، لم تشهد «صناعة الألعاب الإلكترونية» إدراجًا كافيا في المخططات الثقافية والتنموية الرسمية، حيث يشير تقرير»AfricanEsportsReview» إلى أن «المغرب لم يحتل مراكز متقدمة في تصنيفات الرياضات الإلكترونية القارية حتى عام 2024، رغم الإمكانات والموارد البشرية المتوفرة»، إذ يعزى ذلك إلى «شح التمويل» كأحد أبرز العقبات، إذ تعتمد معظم شركات الألعاب الناشئة في المغرب على مصادر تمويل خارجية، في ظل غياب «صناديق استثمار وطنية متخصصة»، مما يزيد من صعوبة الاستمرارية والتوسع.
رؤى الخبراء في فرص النجاح والتحديات الهيكلية

يتمتع المغرب بقاعدة شبابية ضخمة وموهبة تقنية متنامية، إضافة إلى برامج تدريبية متقدمة مثل: «Video Game Maker» التي تستهدف تأهيل الكوادر الوطنية في «تطوير الألعاب الرقمية و»الذكاء الاصطناعي». تقول «فدوى بزازي»، أستاذة جامعية في «الذكاء الاصطناعي»: «نحن لا نُدرّس التقنية فقط، بل نُكوّن رواد أعمال قادرين على تحويل الأفكار إلى مشاريع تجارية ناجحة تسهم في الاقتصاد الرقمي الوطني».
غير أن هذا الطموح يواجه عدة تحديات، بينها «هشاشة النسيج المقاولاتي»، إذ تشير بيانات من جهات مختصة إلى أن «عدد الشركات المغربية الفاعلة في الذكاء الاصطناعي والألعاب الإلكترونية لا يتجاوز بضعة عشرات، مما يعكس محدودية الدعم المالي والإداري، كما يعاني القطاع من ضعف في «الحماية القانونية للملكية الفكرية الرقمية»، و»غياب إجراءات تسهيلية للتسجيل والترخيص»، ما يعيق القدرة على تصدير المنتجات الرقمية المغربية إلى الأسواق الدولية».
مستقبل رقمي يتطلب إرادة سياسية واضحة

يمثل «التحول الرقمي» في المغرب خيارا استراتيجيًا لا مفر منه، وقطاعى «الذكاء الاصطناعي» و»الألعاب الإلكترونية» من بين ركائزه الأساسية. لكن، يتطلب تحقيق النجاح في هذه المجالات: «إرادة سياسية قوية»، و»تنظيمًا مؤسساتيًا منسجمًا»، بالإضافة إلى «تشريعات متقدمة تحمي حقوق الابتكار وتضمن حرية الاستخدام».
يؤكد تقرير «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي» أن: «التحول الرقمي ليس مجرد خطة تقنية، بل قرار سيادي يمس جوهر الاقتصاد الوطني ومستقبل التنمية». ويبقى السؤال المحوري: «هل ستتضافر جهود الجهات المعنية لوضع خارطة طريق شاملة تتيح للمغرب أن يكون «منافسًا إقليميًا وعالميًا» في مجال «الذكاء الاصطناعي» و»صناعة الألعاب الالكترونية»، أم أن التحديات الهيكلية والبيروقراطية ستظل تحد من هذا الطموح الكبير؟».
في خضم هذه الأسئلة (وغيرها)، تبرز الحاجة إلى إشراك كل الأطراف: «الدولة»، «القطاع الخاص»، «الجامعات»، «المجتمع المدني»، لـ»ضمان بناء اقتصاد رقمي شامل ومستدام يعزز مكانة المغرب في العالم الرقمي الجديد».


الكاتب : المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 09/07/2025