لطالما كنت أومن بأنه كي نتعرف على كاتب ما، يتوجب علينا التعامل معه كاللوحة التشكيلية، أي أن نبتعد عنها بمسافة ممكنة لنكتشف جمالياتها، ونقرأ تفاصيلها، الى أن قابلت السارد البهجاوي الكبير أبو يوسف طه، ونحن نحتفي بتجربته السردية في الدورة السادسة للمهرجان العربي بجمعية التواصل بمدينة الصويرة، ولم أكن قد التقيته من قبل، ساعتها اكتشفت فيه الانسان الأصيل، والكاتب المتفرد، الشغوف بتتبع الواقع الاجتماعي والسياسي المحيط به في صمت. عزلته كانت ولا تزال فرصة لدراسة واقعه المحيط ليس الجانب الأدبي فحسب، بل الجانب الإنساني والاجتماعي والسياسي ، فهو المسرحي الملتقط للإشارات والحركات، والمثقف العضوي الذي عايش نماذج مختلفة من الكائنات الاجتماعية البسيطة والبائسة التي تعيش على هامش المجتمع المراكشي، وعاصر أجيالا وحساسيات أدبية متنوعة من النخب المثقفة على مر سنين دراسته واشتغاله كمرب، وتنقلاته في المراكز التربوية المختلفة.
آمن القاص والمبدع أبو يوسف طه بجدوى اللغة في العمل الابداعي إيمانه بصائغ العطور، إذ لا وجود لحقيقة خارج اللغة، لذا كان يتوخى الاقتصاد في القول، ملتقطا الأجود محولا إياه الى نصوص سلسة في أسلوبها، عميقة في معانيها، وغنية في مضمونها. فالكتابة بالنسبة لأبو يوسف ليست غواية أو نزوة، واستجابة لدواع نفسية بقدر ما هي التزام بهموم الطبقة المسحوقة، فهي حسب تعبيره قرينة برؤية حياتية مؤمنة بتجاوز عوائق الواقع وقساوته وإحباطاته، متجاوبة مع ما يروج في الحقل السياسي وما يسترفده من الحقل الثقافي.
هكذا كان رد أبو يوسف طه على سؤال وجهه له الأديب عبدالرحيم الخصار عن قراره الاعتزال.
لن أتكلم عن بداية الكتابة عند أبو يوسف طه التي كانت حسب تعبيره كقصف برق، وإنما عن الصمت والعزلة اللذين اختارهما عنوة. فما صمته إلا ضجيج وصخب الأحداث التاريخية والاجتماعية التي عاشها ، المشاهد التي ارتبطت به منذ الصغر.
أبو يوسف طه الذي تشبع منذ صغره بحكايا الجدة وما تجود به حلقات جامع الفناء ثم الانتماء لفرقة كوميديا المراكشية، هذا الانتماء الذي لم يدعمه إبداعيا فقط، بل كان سببا في انتسابه لليسار المغربي عن طريق بعض أعضاء الفرقة. ومن هنا اختبر أبو يوسف، وهو في ريعان شبابه، العمل السياسي الذي قاده للمخافر، والحراك الثقافي بالتعبير عن آرائه من خلال مجموعة من المقالات كان ينشرها في جريدة الكفاح الوطني، في نفس الوقت الذي كان مساره التعليمي يقوده أيضا لشعبة الفلسفة في الرباط وإن وُجه مكرها إلى الشعبة الأدبية بكلية ظهر المهراز بفاس.
هذا المرور الذي جعله يتعرف على محمد زفزاف ثم بعد ذلك على محمد الطوبي وأحمد بنميمون وإدريس الخوري وغيرهم ممن يؤمنون بنفس التوجهات السياسية والثقافية، جيل في معظمه يساري النزعة، مزاوجا بين النضال السياسي، والنشاط الثقافي الملتزم بقضايا الشعب، دون تعصب ولا تطرف.
أبو يوسف طه أو «كاتب الحمراء» كما يلقبونه، كتب المسرح والقصة القصيرة والرواية والمقالة، وقد صدر له «الشتاء الضوئي» سنة 1993، «سلة العنب» 1999، «عشاء البحر» 2001، ورواية «عش الطائر المتوحد» سنة 2019، وّأجنحة الفسيفساء» ومجاميع أخرى تنتظر فرصتها للطبع، وطبعا مجموعة من النصوص الأدبية والمقالات بالعديد من المنابر الإعلامية.
لكن ملتمسي الذي أتقدم به لكاتب الحمراء ايو يوسف طه اليوم مع العلم أنني التقيت بضيف المهرجان مرتين أولاها لما تم الاحتفاء به في مدينة الصويرة، حيث كانت فرصة لحوار جانبي حول أحداث باب دكالة حيث كان شاهد عيان، والثانية بعد أن شارك في الاحتفاء بادريس الخوري بشهادته في حقه والتي صدرت في كتاب «رسائل الى بادريس» حيث كان المجال لحوار حول الساحة الثقافية المغربية وتطورها ومجال القوة والضعف هذه المعلومات لو أضفنا لها مقتطفات سماها كاتبنا (من أرشيف الطفولة) وهي سيرة تؤرخ ليس فقط لفترات متفاوتة من حياة كاتب الحمراء وإنما توثق لتجربة إبداعية، وتؤرخ لواقع اجتماعي وثقافي وسياسي لجيل نحن في حاجة للتعرف عليه أكثر، لذا أملنا صدقا أن يفكر كاتبنا أبو يوسف طه في كتابة سيرته الذاتية، والتي ولا شك سيرة جيل بأكمله، وفترة نضالية من فترات المغرب العميق أيضا.
كاتب الحمراء

الكاتب : ليلى امهيدرة
بتاريخ : 11/07/2025