السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 3

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

‬‬وتبيّن أن السياسي‮ ‬في‮ ‬المغرب،‮ ‬وقد‮ ‬يكون معارضاً ‮(‬في‮ ‬حالتنا هاته‮)، ‬كما قد‮ ‬يكون في‮ ‬الأغلبية الحاكمة ‮( ‬وزراء‮ ‬يستعينون بالمؤثّرين مثلا‮ً)، ‬عندما‮ ‬يجد صعوبةً في‮ ‬تصريف خطابه‮ ‬يحلم‮ ‬بأن‮ ‬يصبح هو نفسه منتج مضامين أو عنصر تأثير‮ (‬يوتوبيرز‮)‬،‮ ‬ويتوسّل الدخول إلى المنصّة الشبابية باعتماد الآخرين أو أسلوبهم وباعتماد ‬المؤثّرين أو أسلوبهم، أو استعمال لغتهم، ‬أو الدخول إلى المنصّات من خارج القنوات المعروفة، ‬ولسبب من الأسباب‮ ‬يشعر أن الوسائل التقليدية لا تنفعه‬،‮ ‬بل ‬قد‮ ‬يهاجمها ليتميّز خطابه عنها،‮ ‬وهو‮ ‬يدرك أن شاشة الهاتف النقّال تصل إلى الجمهور أكثر من شاشة القنوات السمعية البصرية في‮ ‬بلاده المحكومة بقوانين مستمدّة من‮ ‬الدستور، الذي‮ ‬يحرص علي‮ ‬تحديد مروره‮ ‬فيها حسب التوزيع الذي‮ ‬تفرضه‮ ‬السلطة العليا في‮ ‬السمعي‮ ‬البصري‮. ‬ولهذا،‮ ‬يفضّل دخول حقل مفتوح،‮ ‬وبلغة لا تخضع لأي‮ ‬شرطية‮‬،‮ ‬مفتوحة بدورها،‮ ‬لا تقف عند حسن استعمال القاموس الرزين والعقلاني‮ ‬الذي‮ ‬قد‮ ‬يتعرّض للرقابة في‮ ‬القنوات المشتركة‮، ‬وقد تمتح من القواميس الحيوانية عناصرَ‮ ‬تأثيرها،‮ ‬بدءاً‮ ‬من نعت الخصوم بالميكروبات إلى وصفهم بالحمير (مرورا‮ ‬بالكلاب‮ ‬والحشرات)، بصدى الإنترنت وعلى رؤوس الأشهاد‮.‬
‮وعندما‮ ‬ينقل السياسي‮ ‬النقاش،‮ ‬سيّما في‮ ‬بلاد معروفة بتقاليدها في‮ ‬النقاش السياسي،‮ ‬وقدرة العبارات الدالّة والدقيقة فيها على صنع الأفق السياسي،‮ ‬من الفضاء العمومي‮ ‬المؤسّساتي‮ ‬إلى فضاء من دون تقاليد عريقة،‮ ‬ومن دون استعمال جيّد لـ»يوتيوب»،‮ ‬لا يعني‮ ‬ذلك ضمان النجاح السياسي‮ ‬أو الانتخابي‮، سيّما في‮ ‬غياب محتويات ناضجة ولها صلة بالواقع أو تستعين بالتحفيز على الانخراط السياسي،‮ ‬بل‮ ‬يكون المحقّق أن السياسة تفقد مادّتها الأساسية،‮ ‬وعقلها الراجح‮. ‬والاستنتاج الأول أن‮ «‬الشعبوية الافتراضية» ‬قد تقتل الالتزام الواعي‮ ‬والمنتج والفاعل، ‬وإن‮ ‬شكّلت تنفيساً مؤقتاً عن‮ ‬غيض من السياسة‮.‬
‬ختاماً‮، ‬يبدو أن أول ضحايا‮ هذا النقاش الموزّع بين سياسة علي‮ ‬خامنئي‮ ‬وأولوياته الاستراتيجية محتوىً، وبين الساحة المفتوحة لهذا النقاش،‮ ‬لا سيّما «يوتيوب» ومشتقّاته‬، فضاءً افتراضياً‮ ‬لاحتضانه، هو ‬الواقع السياسي‮ ‬المغربي‮ ‬نفسه، ‬بحيث إن السياسة كلّها تدور بين ‬الخارجي‮ ‬والافتراضي،‮ ‬وذلك على حساب الواقع الذي‮ ‬يغلي‮ ‬ويمور بقضايا كبيرة تهم الإصلاح الداخلي،‮ ‬وهو أمر من حسن حظّ المغرب أن العقل المركزي‮ ‬في‮ ‬الدولة لا‮ ‬يستهين به، ويتّخذ فيه المبادرات التي‮ ‬لا بدّ منها،‮ ‬سواء في‮ ‬تفعيل الدولة الاجتماعية أو في‮ ‬تحصين التنوع الثقافي‮ ‬والمساواة ‬أو في‮ ‬تجويد الموقع الجيوسياسي‮ ‬والريادة الأمنية أو في‮ ‬واجهة الوحدة الترابية (أمّ القضايا‮)، ‬نظّارة المغاربة في‮ ‬تقدير المواقف‬،‮ ‬داخلياً وخارجيا‮ً.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/07/2025