اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الثاني عشر (اللجنة الثقافية)

«نحو مشروع ثقافي اتحادي يواكب التحولات ويصون الكينونة المغربية»

 

في أفق التحضير للمؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المزمع تنظيمه أيام 17، 18، و19 أكتوبر 2025، وفي ظل دينامية تنظيمية وفكرية تستحضر عمق اللحظة التاريخية وتستشرف رهانات المستقبل، فإن اللجنة المكلفة بإعداد الورقة الثقافية، تُسائل المنجز الاتحادي في شقه الثقافي والفكري، بما راكمه من رؤى ومواقف وإسهامات شكلت رافعة مركزية في معركة التحديث والتنوير، وتطرح من جهة أخرى، التحديات الراهنة والمستقبلية التي يواجهها الحقل الثقافي في ظل تحولات بنيوية محلية ودولية، وما يقتضيه ذلك من تجديد في التصور والمنهج والممارسة.
لقد شكل المشروع الثقافي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، منذ التأسيس، أحد أركان الفعل النضالي والسياسي، حيث انخرط الحزب في الدفاع عن الثقافة بوصفها فعلاً تحررياً ومجالاً لتثبيت الكرامة الإنسانية وصيانة الهوية وتوسيع أفق الوعي، في تلازم جدلي مع المشروع السياسي الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي للحزب. فمنذ بداياته، لم يفصل الاتحاد الاشتراكي بين النضال من أجل الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة، وبين معركة تحرير العقل وإعادة الاعتبار للإنسان في كليته، باعتباره ذاتاً حرة، قادرة على إنتاج المعنى وممارسة النقد ومقاومة كل أشكال التجهيل والتنميط.
إن ما نعيشه اليوم من تحولات عميقة في بنية الدولة والمجتمع، ومن تحديات متنامية تطال القيم والمنظومات الرمزية والمعرفية، يحتم علينا كاتحاديات واتحاديين إعادة التفكير في السؤال الثقافي باعتباره سؤالاً مركزياً في معركة التغيير الشامل، ونقطة ارتكاز لأي فعل سياسي مدني يستهدف تحصين الإنسان المغربي في زمن الانفجار الرقمي، وانحسار المرجعيات، وتنامي النزعات الشعبوية واللامعنى.
ويأتي إعداد هذه الأرضية الثقافية كجواب أولي يروم تأطير النقاش الفكري والتناظري حول مختلف الإشكاليات التي يطرحها المشروع الثقافي الاتحادي، في أفق صياغة ورقة متكاملة تُعرض على أنظار المؤتمر الوطني الثاني عشر، وتُستمد من روح المرجعية الاتحادية، ومن الرصيد الكفاحي والسياسي والنضالي للحزب، ومن تفاعله الحيوي مع قضايا الوطن والإنسان، من خلال منظور اشتراكي ديمقراطي حداثي.
1. في تأصيل الرؤية الاتحادية للثقافة:

لقد ظلت الثقافة في فكر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مكوناً بنيوياً في تصوره للمجتمع والدولة، وعاملاً محدداً في صياغة هويته النضالية، حيث اعتُبر النضال الثقافي ضرورة استراتيجية، في مواجهة الاستبداد، ومحاربة الفكر الظلامي، ومقاومة الرداءة والتفاهة. فالمنظور الاتحادي للثقافة ينبني على مقاربة شمولية، تُدرج الثقافة في بعدها الرمزي والمعرفي والتربوي ضمن رهانات التحديث المجتمعي، باعتبارها الرافعة الأساسية للتحرر والإبداع والمواطنة الفاعلة.
ومنذ السبعينيات، ساهم الحزب في بلورة خطاب ثقافي عقلاني، منفتح، تنويري، يتوسل النقد كأداة للتفكيك والتركيب، ويجعل من الثقافة مجالاً للصراع الرمزي ضد الاستلاب والتبعية والتفاهة. وفي هذا السياق، راكمت التجربة الاتحادية تراثاً غنياً في الحقل الثقافي، سواء من خلال منابر الحزب الإعلامية (التحرير، المحرر، الاتحاد الاشتراكي، Libération،…)، أو عبر مناضلاته ومناضليه المثقفين والمفكرين، أو من خلال إسهامه في صوغ سياسات ثقافية عمومية تراعي التعدد والانفتاح والحداثة.
2. الثقافة كرافعة للتحول الديمقراطي وبناء الإنسان:

يعيش المغرب اليوم على وقع تحولات عميقة تطال القيم وأنماط العيش والتواصل والمعرفة، بفعل تداعيات العولمة، وتسارع الثورة الرقمية، وصعود قوى اليمين المتطرف، وانكماش أفق الديمقراطية، وتنامي اللامساواة. وهو ما يستدعي التفكير الجدي في الثقافة بوصفها شرطاً أساسياً للتحول الديمقراطي، وأداة لإعادة بناء الذات الجماعية، وصياغة وعي نقدي جماهيري، قادر على مقاومة ثقافة الاستهلاك واللامعنى والتفاهة.
إننا نعتبر في حزب الاتحاد الاشتراكي أن التنمية ليست فقط مؤشرات رقمية ومشاريع مهيكلة، بل هي في العمق مشروع ثقافي، يعيد الاعتبار للإنسان، ويوفر له شروط الكرامة والإبداع والانتماء، ويجعل من الثقافة أداة للتحرر الفردي والجماعي، عبر دمقرطة المعرفة، وإطلاق طاقات الشباب، وتحفيز التفكير النقدي، وتشجيع البحث العلمي، والاهتمام بالفنون والآداب كرافعات أساسية لأي تحول مجتمعي مشروع وممكن.
3. التساؤلات المحورية حول الثقافة: الإشكاليات والرهانات:

في ظل هذا السياق البالغ التعقيد، تطرح تساؤلات حارقة تستدعي من الحزب بلورة أجوبة سياسية ثقافية عقلانية من قبيل:
كيف نجعل من الثقافة عاملا مركزيا في الفعل السياسي والنضال الديمقراطي؟ وكيف تساهم المؤسسات في المجتمع للقيام بوظائفها الثقافية على مستوى التربية والتكوين والتأطير وتشكيل الوعي الجماعي؟
ما هي العلاقة التي يجب أن تربط بين الفعل السياسي والفعل الثقافي؟ما هي حدود الترابط والتأثير بينهما؟ وهل يستقيم العمل السياسي من دون مرجعية ثقافية محددة أو موجهة؟
ما هي الأدوار الجديدة التي يمكن أن ينهض بها المثقف(ة) اليوم أمام اتساع مساحات سطوة الرقمي وبروز المؤثر(ة) كبديل في ممارسة آليات التأثير والاستقطاب؟ وهل ظهور التقنوقراطي يمثل بديلا للمثقف والسياسي؟
ما هي العوامل الذاتية والموضوعية التي أدت إلى تراجع منسوب النخب السياسية المثقفة داخل الإطارات المدنية والأحزاب الوطنية والتقدمية ذات المرجعية الحداثية؟
ماهي أدوار ووظائف مؤسسات التنشئة الاجتماعية خاصة المدرسة والجامعة والإعلام في بناء وعي ثقافي مجتمعي حداثي ينتصر للحرية والإبداع، ويناهض الرداءة وهيمنة التفاهة، وتسليع الفن والمعرفة؟
ما هي تأثيرات التفاعل مع الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي على مجالات الفعل التربوي والثقافي وتشكيل الوعي والذات الإنسانية المغربية؟
أين تتحدد إيجابيات ونقائص هذه الثورة على التنمية الذاتية في جميع أبعادها للفرد والجماعة داخل المجتمع؟
ما هو الموقع الذي يجب أن تحتله الثورة الرقمية في المشروع الثقافي الاتحادي؟ وكيف يمكن إستدماج هذا البعد التكنولوجي في التأطير والإعلام والتكوين، وفي تصريف مواقف الحزب وتشكيل الوعي السياسي والحقوقي ببلادنا؟
لماذا ظلت الثقافة بوصفها رأسمال مادي ولا مادي تمثل في السياسات العمومية شأنا ثانويا وعلى هامش الأجندات الحكومية المتعاقبة، رغم التنصيص الدستوري عليها 2011؟
كيف يمكن تفعيل الحقوق الثقافية واللغوية المنصوص عليها في الدستور المغربي لسنة 2011 وتحقيق عدالة ثقافية مجالية جهوية ومحلية؟
أية استراتيجيات لضمان إصلاح ثقافي جذري وشامل يستجيب للتحولات الجارية دوليا ووطنيا، ولتطلعات المغاربة في إرساء نهضة ثقافية مستدامة؟
بأي معنى تصبح الثقافة رافعة للتنمية والتحرر والتنوير؟
ما هي الآليات لبلورة تصور اتحادي ثقافي ينهل من إرثه المذهبي ويتفاعل في نفس الوقت مع مستجدات وتحولات العصر في أفق التغيير المنشود؟
إن هذه الأسئلة المشروعة في واقع يعرف اختلالات بنيوية ووظيفية والتي تطال المشهد الثقافي على مستوى التنظير والممارسة والتأطير، تضعنا أمام ضرورة التفكير في بلورة تصور حزبي ثقافي، جديد، متجدد، يُؤسس لمقاربة شمولية تجعل من الثقافة عنصراً بنيوياً في النموذج التنموي الديمقراطي، وتربط بين الحقوق الثقافية والحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في أفق بناء مجتمع المواطنة والعدالة والكرامة.
إن هذه الأسئلة، وغيرها، تضعنا أمام ضرورة التفكير في بلورة تصور حزبي ثقافي، جديد، متجدد، يُؤسس لمقاربة شمولية تجعل من الثقافة عنصراً بنيوياً في النموذج التنموي الديمقراطي، وتربط بين الحقوق الثقافية والحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في أفق بناء مجتمع المواطنة والعدالة والكرامة.
ختاماً، إن الرهان الثقافي اليوم ليس رهاناً قطاعياً أو ظرفياً، بل هو رهان وجودي واستراتيجي. والثقافة، في منظور حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ليست مجرد إضافة تكميلية للفعل السياسي، بل هي روحه وشرطه ومحرّكه. ومن هنا، فإن الأرضية الثقافية للمؤتمر الوطني الثاني عشر مدعوة إلى أن تكون وثيقة مرجعية، تؤطر رؤيتنا المستقبلية، وتُعيد تثبيت موقع الحزب كمؤسسة نضالية وفكرية في قلب المجتمع المغربي، تُسهم في بناء مغرب الحداثة والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

 


الكاتب : السعدية بنسهيلي رئيسة اللجنة الثقافية

  

بتاريخ : 12/07/2025