من يوجه الناخبين؟ سؤال يفرض نفسه في زمن التحولات الديمقراطية

نورالدين زوبدي

مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، تبدأ عجلة التحركات السياسية بالدوران بوتيرة متسارعة، ويتجلى ذلك في سباق محموم بين الأحزاب والمرشحين المحتملين نحو استمالة رؤساء الجماعات المحلية وأغلبياتهم، اعتقاداً راسخاً بأن هؤلاء يشكلون بوابة عبور إلى قلوب وعقول الناخبين. هذا الاعتقاد تحوّل، مع مرور الزمن، إلى ما يشبه المسلمة في سلوك الفاعلين السياسيين، حتى بات من البديهيات أن يُعوّل المرشحون على هؤلاء المنتخبين المحليين لتوجيه الأصوات وضمان قاعدة انتخابية مضمونة.
لكن، هل لا يزال هذا الرهان قائماً ومُجدياً كما كان في السابق؟ وهل حقاً يُمكن الحديث اليوم عن قدرة حقيقية لرؤساء الجماعات على توجيه الناخبين في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية العميقة التي يعرفها المجتمع؟
تمرد الناخبين: نهاية زمن التوجيه الجماعي

المعطيات الواقعية والمؤشرات الميدانية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الناخب المغربي، وخاصة في الوسط الحضري وشبه الحضري، لم يعد ذلك المواطن القابل للتأثير بسهولة، أو ذلك الذي يذعن لتوجيهات المنتخبين المحليين أو يُصوّت بدافع الولاء الأعمى أو التبعية التقليدية. لقد شهدنا في الآونة الأخيرة تمرداً واضحاً من الناخبين على وصاية المنتخبين، ورفضاً متزايداً لأي محاولة للتأثير في اختياراتهم. لقد بات المواطن يعتبر أن التصويت حق شخصي سيادي، لا يمكن تفويضه لأحد، ولا يمكن اختزاله في علاقات الزبونية أو الانتماءات القبلية أو الحزبية الضيقة.
شبهة المال..وعزوف أخلاقي

محاولات التأثير التي يمارسها بعض المنتخبين على الناخبين، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، باتت اليوم مشوبة بشبهات المال السياسي، وهو ما جعل العديد من المواطنين يتخذون موقفاً مضاداً تجاه هذه المحاولات، بل ويعملون على إفشالها عمداً. فالمواطن اليوم لا يريد أن يُستعمل كـ»بضاعة انتخابية»، يُباع ويُشترى في أسواق السياسة، ولا يقبل أن يُستثمر صوته في صفقات مشبوهة بين المرشحين والوسطاء المحليين.
الثورة الرقمية وتغير الوعي السياسي

من المؤكد أن ولاء الجماعات والقبائل والدوائر المغلقة، التي كانت تؤطر سلوك التصويت سابقاً، قد ولى زمنها، وحلّ محلها وعي جديد، تقوده أجيال من الشباب الذين وُلدوا في ظل الثورة الرقمية، وتربوا على قيم المشاركة، والنقد، والتفاعل الحر مع الأحداث السياسية. هذا الجيل بات يمتلك أدوات تقييم مستقلة، قادرة على فرز المرشحين، والتمييز بين من يستحق تمثيله، ومن لا يملك سوى رصيد من الوعود الفارغة أو تاريخاً مثقلاً بشبهات الفساد.
لم تعد وسائل التأثير التقليدية فعالة أمام جيل يعيش تفاصيل الشأن العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويقارن بين السياسات العمومية، ويُتابع الأداء المحلي في الزمن الحقيقي. بل إن الذكاء الاصطناعي نفسه أصبح حاضراً في النقاش العمومي، وبدأ في صياغة الوعي الجديد بشكل غير مسبوق.

من يستفيد من هذا التحول؟

إن الرهان اليوم يجب أن يُعقد على المرشحين القريبين من المواطنين، المتفاعلين معهم، المعروفين بسيرتهم النقية وخلو سجلهم من شوائب الفساد أو اختلاس المال العام. هؤلاء فقط، من يمكنهم أن يكسبوا ثقة الناخبين دون وساطات أو تحالفات ظرفية، لأن الشرعية الانتخابية الحقيقية لم تعد تُبنى على «التوجيه»، بل على التمثيل الصادق للمصالح المشتركة.

من يوجه الناخبين اليوم؟
الجواب باختصار: لا أحد.

الناخب أصبح سيد قراره، وهو اليوم في موقع القاضي، الذي يملك أدوات التمحيص، ويُحكم ضميره في اختيار من سيمثله. أما من لا يزال يراهن على سماسرة السياسة ووُسطاء الجماعات، فسيصطدم عاجلاً أم آجلاً بجدار الرفض الشعبي، الذي أصبح أكثر صلابة ووعياً من أي وقت مضى.

الكاتب : نورالدين زوبدي - بتاريخ : 15/07/2025