بالصدى .. «الإدارة المغربية» وثقافة الإنصات

وحيد مبارك

يعرف عدد من بنات وأبناء القنيطرة ومعهم مجموعة من المتتبعين للشأن الصحي كيف تغيّرت صورة المستشفى الإقليمي الزموري في ظرف زمني وجيز، تم خلاله التمكن من طي صفحة قاتمة من مسار هذا المرفق الصحي، الذي ظلت العديد من المظاهر الشائنة لصيقة به، والانتقادات ترافق طريقة تقديمه للخدمات الصحية المختلفة للمواطنين، الذين كانوا يجدون صعوبات كثيرة للولوج إلى العلاج.
وإذا كانت بدايات التسيير الجديد الذي تحمّل مسؤوليته البروفيسور ياسين حفياني القادم من المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، والذي يتحمل مسؤولية الكاتب العام في الجمعية المغربية للعلوم الطبية كذلك، قد رافقه سقوط شبكة في قضية ولادة، عنوانها «الرشوة والسمسرة والابتزاز»، فإن المدير الجديد قد قرر أن يوظف التجربة التي راكمها في خدمة الصحة المحلية بالقنيطرة من خلال هذا المستشفى وكافة المؤسسات الصحية الأخرى التابعة له، وفي هذا الإطار ومن أجل تعزيز الشفافية وتكريس ثقافة التواصل، التي تكون غايتها إما تقديم شكايات أو ملاحظات أو اقتراحات تخص السير العام لهذا المرفق، من أجل تخليق الممارسة المهنية في مصالحه، فقد خصصت إدارة المستشفى حصة أسبوعية لاستقبال المرضى وأسرهم والاستماع إلى شكواهم وملاحظاتهم كل يوم خميس لمدة ثلاث ساعات، وتم وضع سجل خاص بالمواعيد التي تتعلق بهاته الخطوة ببهو المؤسسة.
لم تكن هاته الخطوة هي الأولى التي توقّع على عهد جديد في مستشفى الزموري، فقبلها تم تنظيم أبواب مفتوحة، وتم الانفتاح على مكونات المجتمع المدني من خلال مجموعة من اللقاءات التواصلية وغيرها من المبادرات الأخرى التي ينتظر الجميع تواصلها وأن تأخذ منحى تصاعديا لخدمة المواطن. وإذا كنا نقف اليوم عند هذا النموذج، فلنؤكد على أن كل المستشفيات العمومية، في حاجة إلى إقرار هذا النهج التواصلي لكي يجد المواطن فضاء للاستماع وللإنصات إلى همومه وتظلماته ومقترحاته، عوض أن تفتح له مواقع التواصلي الاجتماعي وغيرها الباب مشرّعا على مصراعيه، فيعبّر حينها عن لوعته وآلامه بكل الأساليب «السوية» منها وغير السليمة، التي يتم من خلالها تقديم الروايات الفردية، التي قد تكون صحيحة وقد تشوبها شوائب، لكنها في نهاية المطاف تعتبر مسيئة للصورة التي يحاول كل المعنيين بالمنظومة الصحية تقديمها في حلّة محترمة؟
هذا الواقع لا ينطبق على المستشفيات العمومية فقط، فكل الإدارات العمومية هي معنية، وبالتالي وفي إطار التخليق وارتباطا بجهود الإصلاح الإداري هي مدعوة إلى أنسنة مقراتها وإلى تخصيص فضاءات للتواصل والاستماع، ويكفي الاطلاع على عدد الشكايات التي يتم إيداعها لدى مؤسسة الوسيط وغيرها، للوقوف على حجم التذمر الذي يعيشه عدد من المرتفقين حين رغبتهم في قضاء غرض إداري معين، نتيجة لممارسات غير مسؤولة من طرف البعض، التي منهم من يفصح عن تفاصيلها بشكل من الأشكال، بينما الكثير من المتضررين يفضلون الصمت، اقتناعا منهم بأن شكاواهم لن يتم التعاطي معها على نحو إيجابي، وهو ما يسيء لصورة الإدارة المغربية، ويضرب مجهودات الموظفات والموظفين الشرفاء بعرض الحائط!
هذا الإنصات يبين وجها من أوجه الاختلال، بل والفساد كذلك، في تدبير عدد من المؤسسات العمومية، وعلاج الأعطاب ذات الصلة به لا يجب أن يقتصر على ما هو خارجي فقط، لأن عددا من الموظفين والموظفات يعيشون بدورهم معاناة متعددة الأبعاد داخليا، التي يكون لها وقع سلبي على صحتهم العضوية والنفسية، بسبب تسلط زملاء أو مسؤولين، وبسبب ممارسات يكون فيها الكثير من الشطط، والتحكم في الرقاب بـ «فضل عصا المسؤولية»، وبسبب الكثير من المحاباة التي تضرب في الصميم حقوقا دستورية أساسية تتمثل في المساواة والعدل، التي تشجع المتكاسلين وتحبط المجتهدين والمتفانين في القيام بمهامهم بكل صدق ومسؤولية، والتي تجعل منطق «الأفضلية» يتم الاحتكام لتطبيقه على أساس مختلف تماما عن السند الذي يجب أن تقوم عليه الإدارة. هاته الأعطاب تتطلب تفعيل آليات للتواصل والإنصات والاستماع بكل شفافية وعن طريق ضمان حماية الموظفين المشتكين من كل سلوك انتقامي، قد يتعرضون له حين مطالبتهم بالإنصاف وبالعدالة المفتقدة في كثير من أروقة الإدارات العمومية، والتي تجعل المتضررين ضحية لأمراض، يكفي العودة إلى سجلاتهم المرضية للوقوف على طبيعتها وعلى فداحة هذا «الوضع الماعزي».

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 21/07/2025