هل تقضي قنافد وزير الصحة على عقارب الفقيه بن صالح؟

نور الدين زوبدي
عرفت مدينة الفقيه بن صالح هذه السنة ظاهرة غير مسبوقة، أقل ما يقال عنها إنها مزعجة وخطيرة: اجتياح العقارب لأحياء المدينة، من شرقها إلى غربها، وكأنها أعلنت عن “انتفاضة ليلية” لا تفرق بين طفل وشخص مسنّ.
فجأة، بات المواطنون يترقبون خطواتهم، يتفحصون أحذيتهم، ويراقبون زوايا منازلهم، فيما انتشرت صور الإصابات والنداءات على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بتدخل فوري.
تحرك المجلس البلدي، ورشَّ الأزقة والشوارع بمبيد مضاد للعقارب، في خطوة محمودة ولكن غير كافية لطمأنة الساكنة. فالمبيد يغادر بعد يوم أو اثنين، لكن العقارب تبقى، تتربص من جديد.
وفي خضمّ هذا الواقع، كنت في طريقي نحو مراكش لحضور لقاء تنظمه جمعية جهات المغرب، وعند استراحة قصيرة في إحدى مقاهي قلعة السراغنة، تصفحت هاتفي، فإذا بي أصادف منشورًا أثار فضولي:
وزير الصحة يقترح القنافذ كحل طبيعي لمحاربة العقارب، لأنها تتغذى عليها.
ابتسمت، ثم قلت مع نفسي: «ولمَ لا؟» ربما نحتاج بالفعل إلى خطة قنفذية استعجالية بدل المبيدات الكيماوية. وربما، بدل أن نتعاقد مع شركة لمكافحة الحشرات، نطلق صفقة عمومية لاستيراد القنافذ وتوطينها في أحياء الفقيه بن صالح. مدينة بأكملها تعيش بين «زغبات» صامتة تحميها ليلاً!
وفي إطار تفعيل مقاربة مندمجة ومستدامة، لمَ لا يتم التفكير في تخصيص مستودع بلدي لتربية القنافذ؟
مكان مؤهل، به تهوية طبيعية، ومراقبة بيطرية دورية، يُعهد إليه بتربية وتفريخ القنافذ لتزويد مختلف أحياء المدينة بحصتها من «الجنود الليلية الصامتة». ويمكن رصد ميزانية خاصة لهذا المشروع، تحت بند «الوقاية من الأخطار الحيوانية الزاحفة»، على شاكلة ما حدث ذات زمنٍ مع البغل البلدي الشهير، الذي خصص له أحد المجالس السابقة مبلغًا مبالغًا فيه للعلف والرعاية، بينما كانت حالته الضعيفة والهزيلة تفضح حجم الاستفادة الفعلية من تلك «الاعتمادات «.
فبدل بغل هزيل ينهق في صمت، سنحصل على قنفذ نشيط يصفر في صمت ويصطاد العقارب بفعالية، دون أن يطلب منحة أو علفاً مستورداً.
الفكرة ظلت تراودني طوال الطريق… ثم قفزت إلى ذهني صورة أخرى، من ذاكرة قديمة:
أيام زمان، كانت مقاومة العقارب تتم بطريقة روحانية، عن طريق أحجبة يكتبها فقيه، تعلق على أبواب المنازل لتحفظها من الأذى.
فتساءلت: لماذا لا نعيد إحياء هذه المقاربة «التراثية» بأسلوب مؤسساتي؟
مكتب دراسات يتكفل بإعداد خطة لحماية المدينة من العقارب عبر الأحجبة، ودراسة علمية لتحديد عددها بناءً على الكثافة العقربية في كل حي، وخصوصا وان المجلس وفر عدة مالية للقيام بالدراسات. ثم يُعد دفتر تحملات تُطرح عبره الصفقة في السوق… ومن يدري؟ قد تفوز بها شركة محلية مختصة في «الأحجبة الذكية».
لكن، وهنا بدأ الشك يتسلل إلى رأسي…
ماذا لو تم نسخ الأحجبة بدل كتابتها يدويًا؟
ماذا لو كتبها شخص بدون علم أو خط شرعي؟
هل ستكون فعالة؟ أم مجرد أوراق مطبوعة بتعاويذ على طابعة مكتبية؟
هل سيكون علينا تعيين لجنة لتدقيق الحبر المستعمل، أو فاحص شرعي يتيقن من أن «السمخ» المستخدم مطابق لمعايير الفقيه التقليدي؟
في النهاية، بين القنافذ البيولوجية، والمبيدات الكيميائية، والأحجبة الروحانية، يبدو أن الحرب ضد العقارب ستحتاج إلى ائتلاف متنوع المشارب: بيئي، روحي، وتقني…
ربما نحتاج قنفذًا، يحمل على ظهره حجابًا مكتوبًا، ويتجول في أزقة المدينة مرشوشة بالمبيد، ليضمن فعالية شاملة.
أما الحل النهائي، فربما لن نجده لا في وزارة الصحة، ولا في كتب الفقهاء، بل في وعي جماعي، ينظف البيئة، ويصلح البنية التحتية، ويبحث عن حلول ذكية تستجيب لواقع متحول، ومدينة تحلم أن تنام دون أن تستيقظ على لسعة أو طعنة غادرة.
الكاتب : نور الدين زوبدي - بتاريخ : 21/07/2025