الديموقراطية بين الرأي العام وصناديق الاقتراع

محمد المموحي

في كل التجارب الإنسانية لتطور العملية الديموقراطية كشكل نموذجي لتدبير الشأن السياسي العام للدولة والمجتمع، يطرح موضوع الرأي العام وقوة تأثيره في صناعة وتوجيه المزاج الشعبي والوطني في اختبار سلوك الكتلة الناخبة التي من المفترض أنها تمثل الإرادة الشعبية كأساس لمشروعية الحكم وطرح مختلف السياسات العمومية باعتبارها آليات لمعالجة مختلف الأسئلة المقلقة التي تشغل بال الرأي العام الذي هو في المحصلة النهائية يشكل الكتلة الناخبة التي تفرز مؤسسات تدبير شؤون المواطنين وترعى قضايا الوطن ومصالحه العليا في كل السياقات الدولية و الإقليمية الصعبة، وفي سياق محلي وطني يعاني من حاجات ملحة في العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة ومحاربة الفساد الذي استشرى في مفاصل الحياة العامة.
من نافلة القول إن المكتسبات الديموقراطية العديدة التي راكمناها كانت بفضل تضحيات أجيال من المؤمنين بها وأداء رموز من القادة صورتهم ستبقى راسخة في الذاكرة الشعبي وفي تاريخ هذه الأمة العريقة.
الآن، ونحن بصدد توديع تجربة حكومية فريدة من نوعها في تاريخنا الوطني، هي حكومة منبثقة عن أغلبية برلمانية عريضة ومريحة ثلاثية الأبعاد أفرزتها صناديق الاقتراع العام التي مكنتها من بسط نفوذها السياسي على الجهاز الحكومي، وعلى كل جهات المملكة ووضع رهن إشارتها كل الميزانيات العامة لتنفيذ برنامجها الانتخابي الذي تعاقدت عليه مع الناخبين والرأي العام الوطني، وأصبحت تنعت بحكومة التغول في كل مفاصيل الحياة العامة.

الآن أيضا، ونحن نعيش آخر سنة من عمر هذه الأغلبية وتجربتها الحكومية التي هي الآن مطروحة على الرأي العام، وعلى صناديق الاقتراع المقبلة، فهل يمكننا ان نتصور أن الرأي العام الوطني أصبح فاعلا و موجها في صناعة توجه الناخبين ؟
هل الفئات الاجتماعية العريضة قادرة على محاسبة المسؤولين على هذه التجربة؟
هل يرغب الرأي العام ومعه الكتلة الناخبة في إزاحة مكونات هذه التجربة الحكومية من تدبير الشأن العام؟
أم أن الرأي العام مازال يطمع في إصلاح بعض أوضاعه مع هذه الحكومة وأغلبيتها التي خبر قدرتها في الميدان، في ارتفاع معدل البطالة في ارتفاع المديونية، في ارتفاع معدل الفقر وتراجع معدل النمو، وفي فقدان الثقة، وهذا هو أخطر المؤشرات في البناء الديموقراطي..
نحن على بعد سنة من أهم الاستحقاقات الانتخابية، ومن حق الفاعل السياسي أن يطرح الأسئلة المحرجة التالية:
هل لدينا رأي عام فاعل في صناعة توجهات الناخبين؟
هل لدينا إعلام منخرط في هذه الصيرورة التراكمية؟
أم نعيش مع إعلام يبحث من زواياه الخاصة للترويج فقط للمواقع المعلومة التي توزع صكوك الرضى؟
والسؤال المركزي الصعب هو: كيف نحمي صناديق الاقتراع، وهو السؤال الذي يكثف كل الراهن السياسي المقلق على مكتسباتنا الديموقراطية.
هو سؤال طرحه الاتحاد الاشتراكي كحزب وطني منشغل بهذا الاستحقاق الهام، وسيجعله موضوع أطروحة في النقاش السياسي المعروض على أنظار المؤتمر الوطني المقبل في أكتوبر من السنة الجارية

الكاتب : محمد المموحي - بتاريخ : 21/07/2025