في أجواء تعبئة تنظيمية وفكرية متقدمة، واصلت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أشغالها يوم السبت 26 يوليوز 2025 بالعاصمة الرباط، عبر تقديم ومناقشة أوراق اللجان الموضوعاتية، التي تلامس مختلف القضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية، ضمن رؤية تقدمية تروم إعادة صياغة المشروع المجتمعي للحزب، وتعزيز حضوره كقوة اقتراحية ذات امتداد وطني ودولي، وشهد اجتماع اللجنة التحضيرية تقديم مجموعة من التقارير الموضوعاتية الهامة، التي عكست التراكم الفكري والنضج التنظيمي الذي يميز استعدادات الحزب لمؤتمره المقبل المرتقب في أكتوبر القادم.
أحمد العاقد: ضرورة مواصلة الإصلاحات الدستورية وتحصين المسار الديمقراطي
خلال عرضه لتقرير اللجنة السياسية ضمن أشغال اللجنة التحضيرية، شدد أحمد العاقد على مركزية العمل السياسي في ترسيخ البناء الديمقراطي ومواصلة أوراش الإصلاح الدستوري، مشيرًا إلى أن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 تزامنت مع تشكيل حكومة محافظة، وهو ما أثر سلبًا على التنزيل الديمقراطي لمقتضيات الدستور وتحقيق التحول المنشود على أرض الواقع.
وسجل العاقد أن المشهد السياسي الوطني يعيش اليوم في ظل حالة من “الفراغ السياسي” والتغول السيايي، والتي انعكست بشكل واضح على توازن المؤسسات وأضعفت أدوار الفاعلين الأساسيين في المجتمع المدني، بما في ذلك الأحزاب السياسية والنقابات، في ظل تغليب حسابات حزبية ضيقة وأهداف سياسوية على المصلحة الوطنية.
وأكد المتحدث أن ورش الإصلاح الدستوري لا يزال مستمرًا، داعيًا إلى مراجعة دستورية تعزز التوازن بين السلط وتضمن استقلاليتها، بما ينسجم مع متطلبات المرحلة.
وفي السياق ذاته، دعا إلى إعادة النظر في المنظومة القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية، والتي لم تعد تستجيب لطبيعة التحولات السياسية والاجتماعية الراهنة.
وشكلت قضايا الحقوق والحريات أحد المحاور الأساسية التي تضمنتها الورقة السياسية، حيث شدد التقرير على ضرورة النهوض بمنظومة حقوق الإنسان، بما يشمل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، باعتبارها رافعة لبناء مجتمع متوازن يحترم الكرامة والعدالة.
كما أبرز التقرير أهمية تعزيز دولة الحق والقانون، وتوسيع نطاق العدالة الاجتماعية، مع التركيز على إصلاح شامل لمنظومة العدالة باعتبارها ركيزة أساسية لبناء دولة ديمقراطية حديثة.
وخصص التقرير حيزًا هامًا لمحور الجهوية المتقدمة، مؤكدًا على ضرورة تسريع وتيرة ورش اللامركزية واللاتمركز، بما يتيح حكامة ترابية فعالة، واستجابة ناجعة لحاجيات المواطنين في مختلف الجهات.
وأكد القيادي أحمد العاقد في التقرير على ضرورة تجديد المشروع السياسي للاتحاد الاشتراكي، والانفتاح على الديناميات المجتمعية الجديدة، مؤكداً على تعزيز موقع الحزب في المشهد السياسي من خلال خطاب واقعي ومبادر، يستحضر التحديات الكبرى التي تواجه البلاد، وعلى رأسها الحفاظ على الوحدة الوطنية، والتصدي لمظاهر التراجعات الديمقراطية، والتفاوتات الاجتماعية والمجالية.
كما شدد التقرير على أهمية إرساء تحالفات استراتيجية قادرة على إعادة التوازن للمشهد الحزبي، داعياً إلى ترسيخ ثقافة التعاقد السياسي مع المجتمع من موقع المعارضة الاتحادية البناءة.
جمال الدين الصباني: تبني سياسات عمومية جديدة تستند إلى توزيع عادل للثروة، وتحقيق الأمن الغذائي
أما تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، الذي قدمه الخبير جمال الدين الصباني، فقد تضمن قراءة نقدية للبنية الاقتصادية الوطنية، مسلطاً الضوء على هشاشة النموذج التنموي الحالي، ومحدودية أثره على العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق. ودعا التقرير إلى تبني سياسات عمومية جديدة تستند إلى توزيع عادل للثروة، وتحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
وطرح التقرير حزمة من المقترحات الجريئة، منها إصلاح النظام الضريبي بشكل يجعل من العدالة الجبائية أداة لتصحيح الاختلالات، وربط التنمية المجالية بمقومات العدالة الترابية، والتأكيد على أولوية القطاعات المنتجة في السياسات العمومية.
حنان رحاب: ضرورة مقاربة مندمجة شاملة لتمكين النساء
من جهتها، قدمت حنان رحاب تقرير لجنة قضايا المرأة، والذي تميز بطابع نقدي واستشرافي، حيث شخص واقع النساء المغربيات في مختلف المجالات، متوقفاً عند التحديات المرتبطة بالتمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمرأة.
ودعت رحاب إلى اعتماد مقاربة مندمجة وشاملة في السياسات العمومية تضع قضايا النساء في صلب عملية التنمية.
كما طالب التقرير بتعزيز تمثيلية النساء داخل أجهزة الحزب، وتنزيل حقيقي لمقتضيات المناصفة، واعتماد آليات تحفيزية لتشجيع المشاركة النسائية في الاستحقاقات السياسية، إضافة إلى النهوض بثقافة المساواة ومحاربة كل أشكال العنف والتمييز.
مصطفى عجاب: مقترحات لتطوير آليات الحكامة الداخلية
أما تقرير اللجنة الموضوعاتية الخاصة بالقوانين والأنظمة، الذي قدمه مصطفى عجاب، فقد تضمن مضامين تنظيمية دقيقة تروم تحديث وثائق الحزب الأساسية، بما ينسجم مع التحديات السياسية والتنظيمية الراهنة. واقترح التقرير مراجعة النظام الأساسي والنظام الداخلي، مع إدخال تعديلات على هيكلة الأجهزة التقريرية والتنفيذية، وضبط آليات الانتخاب والمحاسبة الداخلية، وتكريس مبدأ الشفافية.
وسجلت اللجنة في تقريرها أهمية مواكبة الرقمنة في تحديث المنظومة التنظيمية للحزب، من خلال تبني آليات إلكترونية في إدارة العضوية، وتيسير مشاركة المناضلين في اتخاذ القرار، مع الحفاظ على الروح الديمقراطية التي تميز تاريخ الحزب.
بنطاهر حمزة: الشباب… بين الإقصاء والطموح الديمقراطي
في عرض مؤثر قدمه حمزة بنطاهر باسم لجنة قضايا الشباب والرياضة، تم تشخيص الوضع الراهن للشباب المغربي، حيث سلط الضوء على مظاهر الإقصاء المتعددة التي يرزح تحتها الشباب، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي. إذ تشير المعطيات إلى أن واحداً من كل خمسة شباب مغاربة يعاني البطالة، في حين يشتغل حوالي 70% منهم في القطاع غير المهيكل.
وأكد العرض على غياب القنوات المؤسسية للتعبير، وندرة حضور الشباب في مراكز اتخاذ القرار، وتغييبهم في مدونة الأسرة، فضلاً عن تأزم علاقتهم بوسائط الاتصال الحديثة والهجرة. وخلصت الورقة إلى ضرورة تمكين ديمقراطي حقيقي للشباب عبر توزيعهم العادل على أكثر من 11 قطاعاً حيوياً، بما يحقق التوازن بين التطلعات المتجددة والإمكانيات المتاحة.
مشيج القرقري: الدبلوماسية الموازية وتعزيز الحضور الدولي
من جانبه، قدّم مشيج القرقري عرضاً باسم لجنة العلاقات الخارجية، أبرز فيه الدور الريادي لحزب الاتحاد الاشتراكي في دعم القضية الوطنية عبر الدبلوماسية الموازية، ومساهمته في عدد من المبادرات الدولية كالمبادرة الأطلسية، وقضايا جنوب–جنوب، والدفاع عن القضية الفلسطينية.
الورقة دعت إلى تطوير استراتيجية جديدة لتأطير عمل اللجنة، وتوسيع دائرة المشاركة، خصوصاً للشباب والنساء، في العمل الدبلوماسي، والانخراط في تجديد الفكر الاشتراكي العالمي.
إيمان الرازي: الثقافة أساس الديمقراطية والتنمية
أما اللجنة الثقافية، التي قدمت ورقتها إيمان الرازي، فقد دعت إلى إبرام “عقد ثقافي جديد” يعيد الاعتبار للثقافة كمقوم أساسي للديمقراطية والعيش المشترك. وتضمنت الورقة دعوة صريحة إلى تحيين المرجعيات الثقافية للحزب، ومواكبة تحديات الرقمنة والذكاء الاصطناعي، والتعدد اللغوي، والتنوع الثقافي، مع تفعيل المقتضيات الدستورية المرتبطة بالحقوق الثقافية، باعتبار الثقافة أداة لمحاربة الإقصاء والتطرف والانغلاق.
عائشة الكرجي: مغاربة العالم… من التهميش إلى الإدماج الاستراتيجي
وفي محور ذي بعد وطني ودولي، قدّمت عائشة الكرجي باسم لجنة مغاربة العالم، ورقة تحليلية استعرضت من خلالها النظرة الدونية التي ما زالت تتعامل بها الحكومة مع قضايا الجالية المغربية، رغم حضورها القوي في خطاب الحزب. ودعت إلى إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج، وإحداث آليات لتتبع كفاءات مغاربة العالم، وفتح آفاق جديدة لاستثماراتهم، بما يعزز ارتباطهم بالوطن الأم.
عبد السلام الموساوي: الإعلام الحزبي… بين الذاكرة والتحديث والتأهيل
بدوره، استعرض عبد السلام الموساوي باسم لجنة الإعلام، التحديات البنيوية التي يواجهها الإعلام الحزبي، داعياً إلى تأهيله وتنظيمه على ضوء دفتر تحملات جديد. وتوقف عند تاريخ الصحافة الاتحادية من “التحرير” إلى “الاتحاد الاشتراكي”، مقترحاً رقمنة الأرشيف الحزبي، وتحويل الجرائد الورقية إلى منصات رقمية فاعلة، مع دعم منصة “أنوار بريس” لتؤدي دورها كموقع إعلامي حزبي مسؤول وجاد.
الاستعداد اللوجستيكي للمؤتمر
من جهتها، تواصل لجنة الإدارة واللوجستيك أشغالها التحضيرية لعقد المؤتمر الوطني الثاني عشر في ظروف تنظيمية وفكرية ملائمة، تراعي شروط النجاح السياسي والمجتمعي لهذا الحدث الهام في مسار الحزب.
نقاشات غنية وتوافقات موسعة
هذا ولقيت مختلف التقارير تفاعلاً واسعاً من طرف أعضاء اللجنة التحضيرية، الذين ثمنوا مضامينها، مع التأكيد على ضرورة إدماج التعديلات والمقترحات المقدمة خلال الاجتماع قبل عرضها على المؤتمر الوطني للمصادقة النهائية.
ويؤشر هذا النقاش العميق على حيوية داخلية متجددة، وعلى حرص القيادة الحزبية على إنجاح هذا الاستحقاق التنظيمي بكل المقاييس.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأوراق تمثل خلاصات أولية لأشغال لجان موضوعاتية تشتغل منذ أسابيع، ضمن مسار تجديدي يتطلع إلى إنتاج رؤية اتحادية قادرة على مواكبة تحولات المغرب المعاصر، واستعادة المبادرة السياسية والفكرية لحزب الاتحاد الاشتراكي في أفق مؤتمره الثاني عشر المرتقب في أكتوبر المقبل.