بالصدى .. ثقافة التبخيس

وحيد مبارك

تابع الجميع كيف قام مهنيو الصحة بشكل عام، كل من موقعه وانطلاقا من وظيفته ومهمته، بدور محوري في مواجهة الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19، وعاين الكل كيف انخرط الممرضون والممرضات في سباق ضد الزمن من أجل التكفل والاهتمام بالمرضى من جهة، ولأجل المساهمة في إنجاح حملة التلقيح ضد الفيروس لكي تستأنف الحياة دورتها الطبيعية إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا من جهة ثانية.
ليس هذا هو الامتحان الوحيد الذي كشف للبعض منا الوجه الآخر لحياة الممرضين والممرضات وتقنيي الصحة عموما، فقبلها كانت هناك الحملات المختلفة من أجل تلقيح الأطفال في القرى والمداشر والجبال والحواضر كذلك، وتكرر نفس السيناريو بعودة الحصبة وظهور بؤر لها في عدد من مناطق المغرب، كما أننا وقفنا أيضا على معاناة أخرى تتعلق بمعضلة النقل الصحي، التي بسببها فارق الحياة ممرضون في عمر الزهور، وغيرها كثير من المحطات والتحديات والإكراهات التي تشتغل في ظلها هاته الفئة، التي عوض أن تجد الاعتراف فإنها تقابل من طرف البعض بالجحود وبالتنمر!
ممرضون من الجنسين، ظلوا يرافعون لأجل مصنف للكفاءات يحدد مهامهم ويضمن لهم الحماية القانونية أثناء مزاولة مهامهم، سواء تعلق الأمر بمجال النقل الصحي أو التخدير والإنعاش أو غيرهما، وكانوا يترقبون أن تكون خرجات ممثلي الأمة منصفة ومدافعة عن هذا المطلب وغيره من المطالب المشروعة، لكن بعض النواب، الذين «هُجّروا» من السياسة لأسباب يعرفها الجميع، يبدو على أنهم يرون بأن الأبواب المفتوحة في وجوه الممرضات والممرضين في دول متعددة وبإغراءات كثيرة لاتشكّل أي عائق أمام المنظومة الصحية، وبأن هجرة الأطر والكفاءات التي تبذل الدولة جهودا كبيرا لموقف نزيفها هي ليست من باب الأولويات التي يجب الاجتهاد في تقديم بدائل بخصوصها تحفّز على ارتباط المعنيين بمهنهم في وطنهم، وعوض كل هذا وذاك، خرج أحدهم وهو النائب البرلماني المهاجري ليتهكّم على هاته الفئة، التي تحاول سدّ الخصاص بالإمكانيات المحدودة التي تتوفر عليها في المراكز الصحية القروية وحتى «الحضرية» منها، وأن تلبي بعض الاحتياجات الصحية، إن هي استطاعت لذلك سبيلا.
البرلماني الذي جرّ عليه سخط وغضب النقابات الصحية ومعها عموم الممرضات والممرضين، الذين قزّم أدوارهم واختزلها في «الحناء» وفي لعب «الكارطة»، وفقا للتصريح المقتضب الذي تم تداوله على نطاق واسع، والذي جاء لينضاف إلى قاموس بعض الإساءات السابقة من قبيل «الهاتف النقال» و «اليوغورت» وغير ذلك، عوض أن ينبري للترافع من موقعه الحزبي أولا، نظرا لأن حزبه شريك أساسي في حكومة «التغول»، ومن مقعده البرلماني في المؤسسة التشريعية ثانيا، لأجل قوانين منصفة وعادلة، ومن أجل توفير ما تحتاجه المنظومة الصحية من موارد بشرية وتقنية وبنيات تحتية وخارطة صحية واضحة المعالم، وكذا من أجل تحفيزين مادي ومعنوي يتساويان وحجم العمل الذي تبذله هاته الفئة، وغير ذلك من الدعامات الأساسية التي من شأنها تقوية هاته المنظومة حتى تكون في مستوى مواجهة التحديات الصحية، العابرة منها وبائيا وغيرها، والقارة المتعلقة بالأمراض المزمنة وباعتماد سياسية صحية تقوم على الوقاية حقا، وصولا إلى تقليص كلفة الإنفاق الصحي على المواطنات والمواطنين الذين يتحملون أكثر من 50 في المئة من نفقات العلاج عن كل ملف مرضي، دون احتساب الملفات التي لا يتم أخذها بعين الاعتبار تحت مبرر أن الأمراض المتعلقة بها هي غير مدرجة في خانة الأمراض المؤمّن ضدها.
النائب البرلماني المذكور، ترك كل الأولويات الفعلية التي تحتاج إليها المنظومة الصحية ومواردها البشرية، وهو يتحدث عن إحداث مراكز صحية «شكلية»، علما بأن هذا المعطى هو صحيح في جزء منه ويحتاج إلى نقاش مسؤول وجاد، بعيدا عن الانتقاص من قيمة أطرنا الصحية، ويحيل على دور وزارة الصحة والحماية الاجتماعية التي توافق على برمجة إحداث مركز صحي لا تتوفر فيه «المواصفات، ودور الإدارة الترابية المخوّل لها صلاحية إبداء الرأي في الأمر وتقدير جدواه من عدمه، فعدد من البرلمانين قاموا بالكثير من الخطوات لأجل إحداث مرفق صحي في دائرتهم، فقط لكي يحتسب لهم «صوت «الإنجاز»، وإن تعلق الأمر ببناية شبح بدون روح، وهناك أمثلة كثيرة في هذا الباب، وعوض أن يسمي الأشياء بمسمياتها الفعلية، أراد أن يقفز بحصان «التعالي» من فوق جسم صحي أساسي اعتبره «عن جهل» بأنه بمثابة الحائط القصير، فإذا به يتعرض لكبوة لم يكن ينتظرها أسقطته أرضا.
لقد وجد المهاجري في اللقاء الصيفي الذي كان حاضرا فيه فرصة للرفع من درجات حرارة الجسم التمريضي، عوض أن يكون مساهما في علاج آلامه، متناسيا بأن «الممرض» في القرية النائية يقوم بعمل جبار لإنقاذ الأرواح، قدر المستطاع، وهناك أمثلة كثيرة في هذا الباب، آخرها عملية الولادة التي أشرف عليها ممرض حديث التخرج باعتماد تقنية الاتصال عن بعد وتوجيهه من طرف مولّدات مما ساهم في إنقاذ أمّ وجنينها. هاته الحالة وغيرها كثير، ربما لا يراها الذين يريدون تبخيس كل عمل إيجابي، ويسعون لإطفاء نور الأمل الذي يتسلح به شابات وشبان، وسط ظلام الجبال، في غياب أبسط أولويات ومقومات العيش، فبالأحرى التدخل الصحي، التي تحتاج من صاحب التصريح، ومن كل نواب الأمة والفاعلين الحقوقيين والمدنيين الترافع لأجل توفيرها، شأنها في ذلك شأن شروط الممارسة السليمة للمهنة، ومتى توفرت في أي مرفق صحي أمكن محاسبة كل من أخلّ بواجباته، وابتز وارتشى أو أهمل ووضع قدمه بشكل أو بآخر في خانة الفساد، غير ذلك فيجب على من لا يقدم خيرا لأجل وطنه أن يضع يده على فمه وليصمت.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 04/08/2025