في ظل فوضى تنظيمية واستنزاف بيئي متسارع، يكشف هذا الروبورتاج عن واقع قطاع جني الطحالب البحرية بإقليم الجديدة، المعروف بثروته من «الذهب الأحمر». ورغم الأهمية الاقتصادية والبيئية لهذه المادة، يعيش القطاع على وقع العشوائية، وغياب المراقبة، واستغلال غير مشروع من قبل «معلمي الشكارة»، ما يهدد بانقراض الطحالب خلال سنوات قليلة، ويعرض الغطاسين لأمراض مهنية قاتلة وسط صمت الجهات المعنية.
بإنشاء المجلس الأعلى لحماية واستغلال الثروة السمكية سنة 2002 يكون قطاع الصيد البحري قد استكمل إطاره المؤسساتي في كل ما يتعلق بتدبير الخيرات البحرية، وبالرغم من المشاكل التي يتخبط فيها القطاع، والتعثر البين الذي عرفته تجربة إنشاء غرف الصيد البحري المحدثة سنة 1997 مازالت بعض القطاعات المهملة من طرف الدولة تتعرض لاستغلال غير منظم وعشوائية في التسيير من قبل الوسطاء والمضاربين والمحتكرين.
ويعتبر قطاع الطحالب البحرية، أو ما يسمى بالربيعة أو الخز من أهم الثروات التي تزخر بها شواطئنا، وتكثر هذه المادة بصفة خاصة في إقليم الجديدة نظرا لشساعة مساحته الشاطئية (حوالي 150 كلم)، ومنذ أن اكتشف العلم مادة: Agar – Agar التي تستخدم في جل التحاليل البيولوجية، بدأت أنظار المصنعين تتجه نحو شواطئنا، خاصة الدول الغربية والأسيوية، مثل اليابان وكوريا لتطلب المزيد من الطحالب المغربية ذات الجودة وبأقل ثمن.
ويستخرج إقليم الجديدة من هذه المادة كمية تتراوح بين 8000 طن إلى 14 ألف طن يابسة، أي حوالي 20 ألف طن مبلولة بماء البحر معدة بعضها للتصدير وأكثرها للتحويل، ويشغل القطاع نحو 6000 من اليد العاملة، تابعة لثلاث شركات تحويلية وطنية تحتكر السوق هي «ألمار» «سيتيكزام» و»ماروك أكار»، وتملك هذه الشركات أكثر من 20 سفينة مجهزة بأحدث الوسائل التقنية، ويعمل على متنها أكثر من 168 غطاسا محترفا.
فوائد جمة لصحة الإنسان
يرى الباحثون اليوم أن الطحالب البحرية مصدر غذائي جيد لم يتنبه له غالب الناس، ويعللون الأمر بأنها تحتوي على جميع ما في المحيط من معادن وأملاح، ويشبهونها في ذلك بالدم. وبتحليل حصة غذائية تملأ ربع كوب من الطحالب المقطعة، نجد أنها تحوي أكثر من 400 ميلغرام من اليود، أي ما يُؤمن حاجة الجسم لمدة ثلاثة أيام. وعلى ما يغطي 20% من حاجة الجسم اليومية من فيتامين فوليت، وكميات جيدة من الكالسيوم والحديد والمغنيسيوم وفيتامينات أخرى من مجموعة ب. والطحالب غنية بمواد كيميائية عدة، لكن أهمها كما تشير الدراسات الحديثة ثلاث مواد، هي: – مواد لامينارين ، وهي إحدى السكريات العديدة التي تخزن هذه الطحالب الطاقة فيها. وهي مواد مفيدة في الوقاية والعلاج لأمراض شرايين القلب، عبر مجهودها في إحداث توازن في عمليات تجلط الدم. – مواد فيكودان التي تشكل لب فوائد الطحالب البحرية، وحولها تدور اليوم غالب الدراسات الطبية. وسيأتي الحديث عنها. – مواد ألغانيت وهي المواد اللزجة في تراكيب جدران خلايا الطحالب، وخاصة النوع البني منها. وكثيرة هي استخداماتها اليوم، ولعل أطباء الأسنان هم أكثر من يدرك أهميتها في تراكيب الأسنان وغيرها. وأطباء الجهاز الهضمي عبر عملها كمضادة للحموضة، وأشهر الأدوية التي تتركب بالأساس منها هو شراب أو حبوب غافيسكون. وأطباء التجميل عبر استخدامات شتى أبسطها تغطية الحروق الجلدية لشفائها بواسطة ألغانيتالكالسيوم. لكن القصة ليست هذه فحسب، بل هي مواد طبيعية عالية الأهمية من خلال قدراتها على الالتصاق بالمواد المشعة والمعادن الثقيلة السامة وأيضاً الجذور الحرة المساهمة بشكل فعال في أمراض شرايين القلب وخرف الدماغ وغيرها من الأمراض. والفكرة بسيطة، وهي أنها مواد ليفية لا يتم هضمها وتفتيتها بأي من عصارات الأمعاء أو المرارة ولا يُمكن للأمعاء أيضا امتصاصها، ولذا فإن الجسم حينما يحاول أن ينظف نفسه من المعادن السامة أو المواد المشعة عبر إفرازها مع عصارات المرارة إلى الأمعاء كي تخرج مع البراز فإن احتمال دخولها إلى الجسم مرة أخرى من خلال الأمعاء الطويلة وارد بشكل عالي، لكن هذه المواد من ألغانيت تعمل على الالتصاق بها ومنع دخولها الجسم مرة أخرى.
وترى بعض الدراسات أن لها أثرا إيجابيا في خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول وللسكر، لكن الأمر بعد المراجعة يحتاج إلى دراسات أكبر وأكثر لتأكيد هذين الأمرين، وإن كان ما هو متوفر مشجع جداً للظن بذلك خاصة مع وجود عنصر الكروميوم فيها.
الموت بالتقسيط عبر أنابيب تنفس غير صحية
مع انطلاق الفترة المخصصة لجني الطحالب في كل موسم تظهر العديد من المشاكل التي يتخبط فيها القطاع، كما أصبح معروفا لدى أبناء المنطقة التي تنشط في هذا المجال ويتعلق الأمر بمناطق ( الحرشان، أولاد الغضبان، أولاد إبراهيم، سيدي الضاوي، مولاي عبد الله، سيدي عابد ،…) حيث يصل عدد محطات تفريغ مادة الطحالب على طول هذا الشريط الساحلي بإقليم الجديدة إلى أكثر من 16 محطة.
تعتبر منطقة مولاي عبد الله أمغار، وإلى حدود الجرف الأصفر، من بين أحد أهم مناطق جني الطحالب بالإقليم، حيث انتقلت جريدة الاتحاد الاشتراكي للقاء العديد من المساهمين في هذا القطاع، الذي أوصل اليوم العشرات من العاطلين إلى قمة المجد والمال.
كان أول شخص التقيناه هو عباس، أحد الغطاسة الذي قضى أزيد من 15 سنة في هذه المهنة، عباس أول ما صرح لنا به هو أن هذه المهنة التي تعود بعشرات الملايين من الدراهم على معلمين شكارة والشركات والسماسرة، تقتلهم بالتقسيط دون أن يشعروا بذلك.
كانت هذه العبارة التي خرجت صادحة في الهواء هي الخلاصة التي توصل إليها الغطاسة بعد زيارة بعثة طبية، قبل سنوات، وقفت على الأمراض والعاهات التي بدأت تظهر على الغطاسة خاصة الذين يستعملون محركات لضغط الهواء مخصص في الأصل لنفخ إطارات العجلات المطاطية، كما يستعمل في محركات الضغط الخاصة بصباغة السيارات، يتم استعماله في عملية التنفس أثناء الغطس لجني الطحالب من قعر البحر لمدة قد تصل إلى ثماني ساعات، حيث تنطلق العملية في الساعة السادسة صباحا لتنهي في حدود الثالثة بعد الزوال، وما يشكله استعمال هاته المحركات من خطورة جاءت بها التقارير التي تم إنجازها من طرف أطباء الدرك البحري وتقنيين في الغطس، حيث تم التأكيد على خطورة استعمال محرك ضغط الهواء في عملية تنفس الغطاسين لكونه هواء لا يخضع لشروط الصحة والسلامة، وحذرت من الاستمرار في استعماله، أما الفحوصات الطبية التي أجراها عدد من الغطاسين الممارسين أثبتت أنهم مصابون بداء السل وأمراض القلب وتصلب الشرايين إضافة إلى أمراض الروماتيزم بكافة أنواعه، لكون أغلب الغطاسة لا يلتفتون إلى صحتهم إلا أثناء سقوطهم صرعى في المستشفيات العمومية .
داء السرطان هو النهاية الحتمية التي يصل إليها كل غطاس مارس المهنة لأكثر من 20 سنة بهذه الوسائل غير الصحية مما أدخل الرعب في نفوس العديد من الغطاسة، الذين قرر بعضهم التخلي عن هذه المهنة التي أصابته بالعديد من الأعطاب ولم يبق في مفكرة الأمراض سوى الداء الخبيث، كما يسميه الغطاسة، فيكفيهم هذا الخراب الصحي الذي أصيبوا به جراء عملهم في ظروف قاسية.
العديد من الغطاسة الذين مارسوا المهنة لمدة طويلة يحملون اليوم عاهات مستديمة وأمراضا مزمنة، بوشعيب الذي بدأ هذا العمل في بداية الثمانينيات، ويملك اليوم شركة بعيدة عن المجال الذي اشتغل فيه لمدة طويلة، يتابع علاجه لدى العديد من الأطباء، فهو مصاب بداء الروماتيزم وضغط الدم كما يصاب بين الحين والآخر، بشلل نصفي.
أما المرأة الوحيدة التي كانت إلى حدود الأمس ذات قوة وتضاهي الرجال في الغطس وجمع الطحالب فإنها تعيش اليوم على الصدقات جراء معاناتها من كافة الأمراض وعدم قدرتها على العمل.
هل تحول الغطس إلى مهنة
من لا مهنة له
هن نساء مطلقات وعازبات وطفلات صغيرات، هم طلبة جامعيون، أطفال صغار، متقاعدون، رجال تعليم، ومن مهن مختلفة، يمارسون مهنة الغطس من أجل الحصول على مبالغ مالية موسمية لمواجهة متطلبات الحياة، خاصة وأن مردود اليوم الواحد بالنسبة لهم يتراوح ما بين 500 و800 درهم فيما يحصل الحمال الذي يتسلم الطحالب من على متن القارب ويحملها في اتجاه الميزان أو القطع المخصصة لتجفيف الطحالب، على مبلغ يتراوح مابين 200 و 300 درهم يوميا مقابل هذه الخدمة،
وتلعب الأحوال الجوية ومدى القدرة على العمل دورا مهما في عدد الأيام التي يمكن للغطاس الاستفادة منها، حيث يشتغل في أحسن الأحوال ما بين 40 و50 يوما، وذك خلال الفترة المسموح بها، التي تنتهي في آخر شتنبر من كل سنة، في ما يعمد البعض على العمل خلال الأيام الأخرى خلال المدة المخصصة للراحة
البولوجية للطحالب، في انتظار الذي يأتي والذي لا يأتي، وهو ما يقود في غالب الأحيان إلى حدوث حوادث عرضية تؤدي إلى الوفاة حيث يحصد موسم جني الطحالب مابين 4 إلى 10 حالات وفاة من بين المشتغلين في القطاع خلال جني الطحالب.
الحديث عن الأرباح يقود حتما إلى الحديث عن المصاريف التي يجهز بها القارب، الذي يحمل غطاسين اثنين، على الأقل، فالقارب المخصص للغطس يتطلب تجهيزه بمحركين، واحد للدفع يتطلب مبلغ 15000 درهم، وآخر لضغط الهواء الذي يكلف هو الآخر مبلغا لا يقل عن 8000 درهم، إضافة إلى مصاريف الغطاسين العاملين على متنه والتي لا تقل عن 300 درهم ناهيك عن كلفة البنزين التي لا تقل عن 500 درهم من أجل أن يغادر القارب مرفأه في رحلة يومية للبحث عن الطحالب، وهي الرحلة التي يجلب خلالها الغطاسون كمية تتراوح ما بين 400 و 500 كيلوغرام من الطحالب الخام أي المبتلة بالماء.
أمام هذه المصاريف المرتفعة وثمن بيع الطحالب إلى الشركات التحويلية، والذي لا يتجاوز 3 دراهم للكيلو، وهو المبلغ الذي لا يمكنه أن يوفر هامشا من الربح في هذا المجال، في الوقت الذي كانت فيه توصية من السلطات على ألا يقل ثمن بيع الطحالب لشركة «ستكزام» عن 4 دراهم للكيلو غرام الواحد.
وإذا كان ما تم ذكره لا يُمثل سوى جزء يسير من المشاكل التي يعرفها قطاع جني الطحالب بسواحل الجديدة، فإن هناك مشاكل أكبر، من بينها تسليم رخص «الكوطا» المخصصة للقوارب التي تنشط في مجال جني الطحالب.
مصادر التقتها جريدة الاتحاد الاشتراكي أكدت أن مندوبية وزارة الصيد البحري بالجديدة منحت، خلال هذا الموسم، مئات الرخص للمشتغلين بالقطاع، على أن تلتزم هذه القوارب باستخراج الكمية المحددة لكل قارب طيلة فترة الجني، التي تمتد لـ60 يوما.
ويُحدد مجموع الكمية المخصصة لإقليم الجديدة بحوالي 20 ألف طن من الطحالب المبللة، تُوزع كـ»كوطا» على مختلف مرافئ الإقليم.
غير أن ما تعرفه المنطقة من استنزاف غير محدود، إضافة إلى تغاضي الجهات المعنية، المفروض فيها حماية المنتوج ومكافحة كافة الانزلاقات، يساهم في استمرار ظاهرة عدم التصريح بالكمية الحقيقية المجنية، مما يفتح الباب أمام النهب الممنهج، ويؤدي إلى تدمير الطبيعة بكل أشكالها، دون حسيب أو رقيب.
«كوطا» في خدمة «معلم الشكارة»!
عملية تسليم الحصص لأصحاب القوارب تعرف تعثرًا مع بداية كل موسم، خاصة وأن الوزارة هي التي تحدد الكميات المخصصة للشركات والقوارب. وتستحوذ شركة «سيتيكزام»، المتخصصة في تحويل الطحالب قبل تصديرها نحو دول آسيا، على نسبة 80 في المائة من الطحالب المستخرجة، فيما يتم توزيع 20 في المائة المتبقية على قوارب البحارة المسجلين لدى مندوبية الصيد البحري بالجديدة.
ورغم توزيع «كناش العمل» على أصحاب القوارب، والذي يُعتبر بمثابة ترخيص للعمل ويحدد الكمية المخصصة لكل قارب، فإن أكثر من 800 قارب يشتغل أصحابها في السوق السوداء، حسب ما أكدته بعض المصادر لجريدة الاتحاد الاشتراكي.
وتتحول فترة «الراحة البيولوجية» التي يتحدث عنها المختصون، إلى مجرد راحة إجبارية عندما تكون هناك تقلبات جوية، إذ تبقى هذه الظروف الجوية هي الحاجز الوحيد الذي يمنع الغطاسين من ممارسة جني الطحالب طيلة الموسم، في ظل غياب أي مراقبة حقيقية للسواحل، وضعف الوسائل اللوجستيكية والموارد البشرية لدى الجهات المختصة. كما لا توجد عقوبات زجرية حقيقية، باستثناء حجز الكمية المجنية من طرف مصالح الصيد البحري.
وقد أدى هذا الوضع إلى تراجع كبير في هذه الثروة البحرية، حيث أظهرت دراسة حديثة أنجزها معهد مختص في الدراسات البحرية، أن نسبة تواجد الطحالب في قعر البحر تراجعت بـ90 في المائة. وتجدر الإشارة إلى أن الكميات المصرح بجنيها من طرف الوزارة يتم تجاوزها بأكثر من أربع مرات.
والخطير في الأمر، ليس فقط استنزاف الثروة البحرية، بل أيضا وجود جهات تشتري الطحالب المجنية خارج نظام الحصيص، وهي مسألة تطرح العديد من علامات الاستفهام.
مهنيون يشرحون واقع
«الربيعة» في الجديدة
وفي السياق ذاته، قال مهنيون في القطاع إن وزارة الصيد البحري حددت سقف 20 ألف طن من الطحالب المبللة برسم هذا الموسم، في إطار ترشيد جنيها وتثمينها، إلا أن الكميات المجنية فعليا تتجاوز 70 ألف طن. وإذا استمر الوضع على هذه الوتيرة العشوائية، فإن طحالب الجديدة ستنقرض في غضون عشر سنوات، وهو ما يُعد، بحسبهم، ضربة قاضية للثروة السمكية، وسينعكس حتما بعواقب اجتماعية وخيمة على العاملين في قطاعي الطحالب والصيد البحري.
وأكدوا أن قطاع الطحالب غير مهيكل ويعيش فوضى عارمة، مستدلين على ذلك بكون 400 قارب فقط مرخّص لها بجني الطحالب، في حين أن ما يقرب من 2000 قارب تشتغل بدون أي ترخيص.