الكوديم بين نار التقارير المالية واستقالة الرئيس… وجماهير تطالب بالإنقاذ

 

في تطور لافت داخل أسوار النادي المكناسي لكرة القدم (الكوديم)، لجأ أحد منخرطي الفريق إلى القضاء، مطالباً بكشف الحسابات المالية للفريق عن الفترة الممتدة من 2021 إلى 2024. هذه الخطوة اعتبرها مراقبون مؤشراً واضحاً على وجود «اختلالات مالية مسكوت عنها»، تم تجاهلها خلال الجمع العام المنعقد في يوليوز 2024، والذي مرّ تحت شعار تصالحي: «عفا الله عما سلف».
وكانت التوقعات تسير في اتجاه عقد جمع عام انتخابي يوم 29 يوليوز الماضي جمع اعتبره المتتبعون هادئا يضع الفريق على سكة جديدة بقيادة الدكتور عزالدين اليعقوبي، الذي حظي بدعم شبه إجماع للمنخرطين. إلا أن المكتب المديري للنادي فاجأ الجميع ببلاغ رسمي أعلن فيه تأجيل هذا الجمع إلى موعد لاحق، حرصاً منه على ضمان «شروط النجاح»، وتجاوز ما وصفه بـ»الإكراهات والعقبات».
لكن خلف الكواليس كانت الأمور تسير عكس التيار. فحسب مصادر قريبة من رئيس النادي، فقد تلقى المكتب سيلًا من المراسلات، منها ما وُجّه إلى مسؤولي النادي، وأخرى إلى وزارة الشباب والرياضة والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، مما أعاد التوتر إلى الواجهة. وحاول اليعقوبي، مدفوعًا بحس مسؤول، فتح قنوات الحوار مع الرئيس السابق خالد تاعرابت بحضور كل من الرئيس السابق محمد قدري وكاتبه العام عزالدين الزروالي، أملاً في طي الخلافات. لكن مطالب تاعرابت لم تقف عند حدود التهدئة، بل تمسكت بفرض اسمه في الشركة الرياضية، والمنخرط صاحب المراسلات كنائب أول لرئيس المكتب المديري، وهو ما اعتُبر تدخلاً غير مقبول في تشكيل المكتب المسير.
أمام هذا الضغط، لم يجد اليعقوبي بداً من تقديم استقالته بشكل مفاجئ، مما خلق موجة استياء واسعة في صفوف المنخرطين والجمهور. وتعالت أصوات مسؤولين وكفاءات رياضية وإعلامية وفعاليات اقتصادية.. كما تعالت أصوات عبر منصات التواصل، مطالبة اليعقوبي بالعدول عن استقالته، محذرة في ذات الوقت من تكرار سيناريو الانقسام الذي كلف الفريق سنوات من التراجع.
وتُظهر المعطيات التي حصلت عليها الجريدة أن هذا التوتر ليس وليد اللحظة، بل امتداد لسلسلة من العراقيل التي بدأت منذ نهاية ولاية تاعرابت، من بينها محاولة تعطيل تصرف ما تبقى من المكتب في الحساب البنكي للنادي، ما تسبب في تجميد جزء من المنح، في وقت حساس كانت فيه الإدارة التقنية بصدد انتداب لاعبين للدخول في معسكر تدريبي. ووفق ذات المصادر، اشترط تاعرابت تسليمه 30 مليون سنتيم يزعم أن النادي مدين له بها، وهو ما قبل اضطراريا لاحتواء الأزمة، ليدخل الفريق غمار الموسم الكروي 2024-2025 بمعنويات ظاهرها مرتفع وباطنها تحدي كبير ومسؤولية جسيمة، وهو الأمر الذي نجح فيه بحافظ الفريق على وجوده ضمن القسم الاحترافي بفضل تضافر جهود المنخرطين والأطر التقنية، وعودة الثقة تدريجياً إلى الجماهير والمستشهرين.
وعقب استقالته، حرص اليعقوبي على طمأنة الطاقم واللاعبين، داعياً إياهم للتركيز على الاستعدادات للموسم الجديد، في ظل تعاقدات وازنة في الإدارة التقنية شملت أسماء ذات تجربة، من قبيل حسن مومن كمدير رياضي، والمدرب عزيز الدنيبي ومساعده محمد عزيز، إضافة إلى المعد البدني سليم مدكر، كما تعاقد مع لاعبين خلال الميركاتو الصيفي، استعدادا للموسم الكروي 2025-2026 أبرزهم أيمن مجيد، حارس مرمى الفتح الرياضي، في صفقة انتقال حر، ومحمد فرحان، هداف شباب الريف الحسيمي وأمين الدغوغي وعماد الخنوس و عبد اللطيف بنقصو ويونس الساخي.
ولتجنيب الفريق متاهات الصراعات، فإن النادي ماض في عمله رياضيا وتقنيا وإداريا وماليا وتسويقيا وذلك بجلب مستشهرين لتوفير مداخيل مالية إضافية من غير المجالس المنتخبة، آخرها التوقيع مع مجموعة «أسطا» ليحمل بموجبها قميص الفريق إحدى علاماتها التجارية.
وعلى الرغم من أن الجمع العام للموسم الكروي 2023-2024 مرّ في «هدنة صامتة»، فضّلت خلالها الأغلبية عدم نبش ملفات الماضي تفادياً للتشويش على انطلاقة الفريق، فإن بعض المنخرطين قرروا الذهاب إلى أبعد مدى، عبر طرق أبواب القضاء لكشف حقيقة ما جرى، في محاولة لتكريس ثقافة المحاسبة داخل المؤسسات الرياضية.
ورغم محاولات التهدئة، لم تمنع الأجواء التصالحية من طرح تساؤلات حارقة حول تسيير مالية النادي خلال السنوات الماضية (2021-2024)، فالأرقام الرسمية تشير إلى أن مداخيل المباريات لم تتجاوز 125 مليون سنتيم، رغم أن الملعب كان يمتلئ في معظم اللقاءات. وبعملية حسابية بسيطة، فإن كل مباراة كان من المفترض أن تدر على الفريق ما لا يقل عن 30 مليون سنتيم، دون احتساب مداخيل المنصة الشرفية والمدرسة التابعة للنادي، التي تثار حولها كذلك شكوك بسبب غياب الشفافية.
وتبقى جماهير الكوديم، كعادتها، الطرف الأكثر وفاءً في هذه المعادلة الصعبة. إذ لم تتخلَّ يوماً عن فريقها، سواء في لحظات الصعود أو الانكسار، متطلعة إلى أن تنجح الجهود المخلصة في تجاوز هذا النفق، ومطالبة عزالدين اليعقوبي بالتراجع عن استقالته وفتح صفحة جديدة تليق بتاريخ النادي المكناسي وأحلام محبيه في رؤية فريقهم مجدداً في القسم الوطني الأول.


الكاتب :    يوسف بلحوجي

  

بتاريخ : 07/08/2025