من العاصمة .. الدخول المدرسي والاستغلال الانتخابي

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

مرة أخرى، يطل علينا الدخول المدرسي في ظل حكومة اختارت الليبرالية في أبشع صورها، حيث يتحول الحق في التعليم إلى عبء ثقيل على كاهل الأسر. آلاف الأطفال سيجدون أنفسهم على أعتاب موسم دراسي جديد وهم يحملون في أعماقهم إحساسًا بالغبن واللاعدالة، لأن مجرد توفير لوازم أساسية للدراسة صار يتجاوز قدرة ملايين المغاربة، حتى أولئك العائدين من عطلة صيفية مرهقة أنهكتهم تكاليفها.
إن المشهد الاجتماعي اليوم يشبه احتقانًا صامتًا يتغذى من الغلاء، من تراجع الخدمات العمومية، ومن غياب رؤية حكومية تستحضر أن التعليم ليس سلعة بل رافعة للعدالة الاجتماعية. لكن يبدو أن الحكومة الحالية، المتمادية في بعدها الليبرالي المتوحش، لا ترى في المواطن سوى مستهلك يُرهق بالضرائب والأسعار، ولا في المدرسة سوى عبء على ميزانيتها.
وهكذا، لم يكن غريبًا أن تُمعن الحكومة في التنكر لوعودها، وتدفع المغاربة مجددًا إلى أحضان التعليم الخصوصي، ذاك الجرح الغائر في الجسد التربوي المغربي. لم يعد هذا القطاع يقدم خبرة ولا امتيازًا، بل تحول إلى ملاذ اضطراري للآباء الباحثين عن الحد الأدنى من الكرامة لأبنائهم، ولو بتضحيات مالية قاسية لا تصلح إلا لمزيد من إنهاك الأسر الفقيرة والمتوسطة. لقد صار هذا الخيار المفروض أحد أبرز عناوين التفقير الممنهج، ووجهًا آخر لغياب العدالة الاجتماعية.
والمفارقة أننا نعيش هذا المشهد في سنة انتخابية، حيث تشرف وزارة الداخلية على مفاصل حيوية من الدولة استعدادًا للمحطة المقبلة، بعيدًا عن أعين سماسرة الانتخابات وممارساتهم القاتلة للإنسان والوطن. لقد تحولت الانتخابات في المخيال الشعبي إلى ما يشبه السوق السوداء، تُسقّف فيها الأصوات وتُباع المواقع، في أكبر إهانة للشعب ولمؤسساته. هنا بالذات يبرز دور الداخلية بما هو موكول لها ومفترض فيها: أن تعمل على تجنيب المواطن كل ظروف الإذعان للمستغلين، تجار الفاقة والفقر، وأن تعيد الاعتبار لمسار النزاهة باعتباره رهانًا وطنيًا ومسؤولية تاريخية.
فالمطلوب اليوم هو عدم السماح للفراقشية بالاقتراب من الدخول المدرسي واستغلاله كورقة انتخابية رخيصة. لأن اقتراب الدولة من حاجيات المواطن سيلعب دورًا كبيرًا في تحقيق توازن انتخابي حقيقي، يحرر الناس من التصويت تحت الحاجة أو تحت الإكراه. النزاهة ليست شعارًا ظرفيًا، بل مسار طويل يبدأ من المدرسة ويُترجم في صناديق الاقتراع.
وفي مقابل هذا العبث، برزت مبادرات مواطنة وملكية جسّدت المعنى الحقيقي للتدخل الاجتماعي، مثل مبادرة “مليون محفظة” وغيرها من البرامج التي حاولت التخفيف من معاناة الأسر وتوفير شروط الحد الأدنى من تكافؤ الفرص. غير أن هذه المبادرات، رغم أهميتها، تبقى محدودة الأثر أمام غياب إرادة سياسية شجاعة تُعيد الاعتبار للمدرسة العمومية كخيار وطني استراتيجي.
إن أي انتخابات لا تُترجم إلى كرامة وعدالة اجتماعية، ليست إلا دورة جديدة في حلقة مفرغة، تُعمّق الفجوة بين المواطن وصندوق الاقتراع، وتعيد إنتاج نفس الأزمات التي جعلت الدخول المدرسي نفسه مرآة لفشل السياسات العمومية.
فالمدرسة ليست عبئًا على الميزانية كما تُصورها الحكومة، بل هي استثمار في المستقبل وأصل وطني لا يقبل التفريط. وإذا كانت الحكومة قد اختارت أن تُدير ظهرها لانتظارات الأسر، فإن صوت المجتمع سيبقى أعلى، يطالب بمدرسة عمومية قوية، بعدالة اجتماعية حقيقية، وبانتخابات تُعيد الثقة بدل أن تُعيد إنتاج الإحباط.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 30/08/2025