مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي..واقع صحي صادم وآمال معلقة

يثير الوضع المتردي للخدمات الصحية بالحي المحمدي بالدار البيضاء خصوصا الوضع بمستشفى محمد الخامس، قلق الساكنة وممثلي المجتمع المدني بمقاطعة الحي المحمدي، حيث أصبح هذا المستشفى، حسب آراء بعض الفاعلين في المجتمع المدني ، “كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.
هذا الوضع المتأزم دفع العديد من فعاليات المجتمع المدني إلى دق ناقوس الخطر حيث لم يترددوا في كشف حجم الاختلالات التي تطبع خدمات المستشفى والمراكز الصحية التابعة له، مسلطين الضوء على مشاكل الإهمال، الاكتظاظ، طول طوابير الانتظار بالمستعجلات، الخصاص الحاد في الأطر الطبية، ونقص العناية بالبنية التحتية التي وُصفت بـ”المهترئة” وغير اللائقة بتاريخ وسمعة الحي المحمدي، كما أن ما يعانيه المرضى عند وصولهم المستشفى من تحكم وشطط من قبل رجال الأمن الخاص يجعل ساكنة الحي المحمدي يحسبون ألف حساب قبل التوجه إلى هذه المنشأة الصحية، خصوصا المعوزين منهم الذين لا يجدون عنه بديلا .
وحسب معطيات إحصاء 2024، يبلغ عدد سكان عمالة مقاطعات عين السبع 364,835 نسمة، وعدد الأسر 101,604 أسرة. أما مقاطعة الحي المحمدي وحدها فتضم 104,137 نسمة، ضمنهم 53,352 امرأة و50,785 رجلا، موزعين على 28,469 أسرة. هذا الحجم الديمغرافي الكبير يضع ضغطا هائلا على مستشفى محمد الخامس الذي لا يخدم فقط ساكنة الحي بل يستقبل مرضى من خارج العمالة أيضا.
الأسئلة التي يطرحها المهتمون بشأن الحي المحمدي ركزت على نسبة السكان لكل طبيب، وهي نسبة يعتبرونها “مقلقة للغاية” مقارنة بالمعايير الوطنية، ما يفسر طول آجال المواعيد الخاصة بالعمليات الجراحية والتحاليل الطبية، ومعاناة المرضى مع الانتظار لأسابيع أو شهور.
طوابير الانتظار ومعضلة الأمن الخاص من بين النقاط السوداء التي ترخي بظلالها على الوضع الصحي بالحي المحمدي خصوصا مشكل التوترات التي تعرفها مصلحة المستعجلات بالمستشفى، البعض عزا ذلك التوتر الذي يصل أحيانا إلى التشابك بالأيدي إلى كثرة المرافقين وعدم وضوح مهام شركات الحراسة، ما يؤدي إلى احتكاكات يومية بين الحراس والمواطنين، الفاعلون بالمجتمع المدني يدعون إلى إعداد دفتر تحملات واضح المعالم يُلزم الشركات باحترام القوانين المنظمة للقطاع (القانون 32.14 المتعلق بالشرطة الخاصة)، مع مراقبة مدى التزامها به تحت طائلة فسخ العقود في حالة الإخلال بالواجبات.
الانتقادات المتكررة الموجهة لمستشفى محمد الخامس من قبل المواطنين وجمعيات المجتمع المدني تنصب كلها حول جودة الخدمات المقدمة، خصوصا في مصلحة المستعجلات، إضافة إلى صعوبات مرتبطة بالبيروقراطية وتأخر المواعيد، والرسوم المفروضة على المرضى للاستفادة من الخدمات الطبية علما أن العديد منهم معوزون ولا يستطيعون توفيرها.
جانب آخر يحظى بنقاش واسع هو مشكل النقل الصحي، حيث يسجل ضعف أسطول سيارات الإسعاف بالمنطقة، مما يضاعف من معاناة المرضى، خاصة في الحالات المستعجلة التي تتطلب نقلا سريعا وآمنا، وتطالب الساكنة بتعزيز الأسطول وتوفير سيارات مجهزة بشكل كاف، مع وضع نظام للتنسيق بين المستعجلات وسيارات الإسعاف لتفادي التأخير الذي قد يكلف أحيانا حياة المرضى، ويشدد الفاعلون الجمعويون بالمنطقة على ضرورة القطع مع سياسة “الوعود المؤجلة” وانتقال السلطات إلى مرحلة الإنجاز الملموس داعين إلى تنظيم مائدة مستديرة في أقرب الآجال تجمع جميع المتدخلين: سلطات محلية، منتخبون، ومندوبية الصحة، من أجل صياغة توصيات عملية تُرفع للجهات الإقليمية والوطنية للوقوف على المشاكل والاختلالات التي يعرفها المستشفى .
هذا النقاش الساخن الذي يفتح ملف الوضع الصحي بالحي المحمدي لم يمر دون رد من قبل مندوبية الصحة بالعمالة التي أبرز مسؤولوها أن المستشفى يتوفر حاليا على جهاز “سكانير” وقسم إنعاش مجهز، مع الإقرار بوجود خصاص في الموارد البشرية المتخصصة، وهو ما تعمل الوزارة على حله عبر رفع عدد المناصب المالية على الصعيد الوطني. مع الإشارة إلى أن عدة مشاريع لإعادة هيكلة مصلحة المستعجلات ومصالح أخرى قد تمت برمجتها، وتم تقديمها في إطار برنامج التنمية الترابية المندمجة.
أما بخصوص الأدوية، فقد تم تأكيد عدم وجود خصاص، خاصة في ما يتعلق بالأنسولين، مشددين على أن عملية توزيع الأدوية تخضع لنظام صارم للتتبع والشفافية (la traçabilité).
النقاش الذي تعرفه مقاطعة الحي المحمدي كشف عن واقع صحي يحتاج إلى تدخلات عاجلة وإرادة جماعية لتغيير الوضع. وبينما عبر المجتمع المدني عن غضبه وقلقه من استمرار معاناة الساكنة، قدمت المندوبية التزامات واضحة وبرامج إصلاحية قيد التنفيذ. ويبقى الأمل معقودا على أن تتحول هذه الالتزامات إلى إنجازات ملموسة على أرض الواقع تعيد الثقة للمواطنين وتضمن لهم حقهم في خدمات صحية لائقة.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 03/09/2025