بن خضراء محمد مصدق، يروي للاتحاد الاشتراكي مأساة المغاربة العالقين .. مدير رابطة المغاربة في غزة.. الحياة هنا قطعة من الجحيم

 

 

 

في حديث مؤثر لـ»الاتحاد الاشتراكي»، يكشف بن خضراء محمد مصدق، المدير المؤقت لرابطة المغاربة في قطاع غزة، عن تفاصيل مأساة المئات من أبناء الجالية المغربية العالقين منذ أكثر من عام.
يقول بنبرة مختلطة بين الألم والخيبة: «لقد أنشأنا رابطة المغاربة في غزة قبل أيام قليلة من اندلاع الحرب الإسرائيلية، لكن ظروف الحرب منعتنا من تنظيم الانتخابات، فتم الاتفاق على أن أتولى إدارتها مؤقتا».
ويضيف: «هناك مئات من المغاربة هنا. ومع بداية الحرب، فتح معبر رفح لفترة قصيرة سمحت لمئات منهم بالعودة إلى المغرب، بينما بقي المئات الآخرون عالقين بعد أن أُغلق المعبر مجددا. وحتى مع وجود آلية عبر الصليب الأحمر الدولي لنقل الأجانب إلى عمان ومن ثم بلدانهم، لم يتمكن المغاربة من الاستفادة منها».
ويواصل بن خضراء سرد المأساة الإنسانية: «قبل إغلاق المعبر، وبعد مغادرة بعض العائلات المغربية، سمح للأمهات المغربيات والأبناء بالسفر، لكن الآباء الحاملين للجنسية الفلسطينية منعوا من مرافقة أسرهم.
لقد تم فصل العائلات، فعادت الزوجات وأبناؤهن إلى المغرب، بينما ظل الأزواج الفلسطينيون عالقين في غزة. هذا الإجراء، الذي اختص به المغرب وحده، تسبب في معاناة تجاوزت العام، ولم نفهم مبرراته أبدا».
لقد اتصلنا، يقول بن خضراء محمد مصدق، كما اتصل عدد كبير من المغاربة المقيمين في غزة، بسفارة المملكة المغربية في رام الله من أجل التنسيق معها لمغادرة قطاع غزة عبر الصليب الأحمر الدولي. غير أنه، وللأسف الشديد، ورغم مرور أكثر من عام على هذا الموضوع، لم تقم السفارة بأي خطوة في هذا الاتجاه. لذلك نهيب بالجهات المختصة في المغرب، وعلى رأسها وزارة الخارجية، أن تصدر تعليماتها العاجلة للسفارة قصد مساعدة العالقين المغاربة وتمكينهم من العودة إلى وطنهم، خاصة وأن السفارة تبرر تقاعسها بغياب تعليمات من طرف وزارة الخارجية المغربية بخصوص هذا الملف.
وهناك مسألة أخرى بالغة الأهمية، وهي، يضيف، أنه قبل إغلاق معبر رفح، وبعد مغادرة بضع مئات من المغاربة المقيمين في غزة مع عائلاتهم، تم منع الآباء الحاملين للجنسية الفلسطينية من السفر، حيث فصلوا عن أسرهم، فغادرت الكثير من العائلات المغربية فيما بقي الآباء في قطاع غزة.
هذا الإجراء الذي يمنع المتزوجين بمغربيات من مرافقة أبنائهم وزوجاتهم، تسبب في مآس حقيقية لهذه الأسر لأكثر من عام. والأسوأ أنه إجراء خاص بالمغرب وحده دون غيره من الدول، وهو ما لم نفهم مبرراته.
لقد اتصلت شخصيا يوضح بن خضراء، بعدة جهات حقوقية، وأجدد مناشدتي وندائي إلى جلالة الملك من أجل التدخل العاجل لمساعدة المغاربة العالقين وضمان عودتهم إلى بلدهم المغرب.

 

الجوع والغلاء: خمسة أشهر
من المجاعة وأسعار خيالية

يصف بن خضراء محمد مصدق الحياة اليومية قائلا: «الحياة هنا قطعة من الجحيم. منذ بداية الحرب لا كهرباء، ولا وقود، ولا غاز للطهي. نضطر لاستخدام الحطب النادر، الذي نشتريه بكلفة باهظة، ونشتري كيلوغراما واحدا من الحطب مقابل اثنين يورو لطهي الطعام».
ويضيف: «حتى التنقل صعب للغاية، فالوقود غير متوفر، والسيارات شبه معدومة، والجميع يعتمد على الحمير والخيول التي تجر العربات مقابل أجر».
ويتابع: «المجاعة استمرت خمسة أشهر متواصلة، ثم سمح بدخول بعض السلع الأساسية كالطحين والزيت والسكر، لكنها غير كافية، وأسعارها خيالية. أما اللحوم والفواكه فلم تدخل منذ ستة أشهر، فأطفال غزة لم يعرفوا طعم التفاح أو البرتقال منذ نصف عام، والحليب والبيض والألبان غائبة تماما. ما يصل فقط بعض البقوليات المحدودة، وبأسعار فوق قدرة المواطن العادي».

الأدوية المفقودة والموت اليومي

ويقول بن خضراء بمرارة لجريدة الاتحاد الاشتراكي «الأدوية شبه مفقودة. الصيدليات خاوية إلا من بعض الأنواع غير الأساسية، أما المضادات الحيوية فمعدومة تماما، وكذلك أدوية الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري. هذا النقص تسبب في وفيات يومية بين المرضى وكبار السن».
ماء مالح وكارثة صحية

لا تقتصر المأساة على الغذاء والدواء، بل تشمل المياه، يقول: «غزة لا أنهار فيها ولا بحيرات، وتعتمد على المياه الجوفية المالحة بسبب قربها من البحر. محطات التحلية القليلة جدا لا تكفي سوى عشرة في المائة من احتياجات السكان، ما تسبب في انتشار أمراض خطيرة مثل الفشل الكلوي».

القصف المستمر والرعب النفسي

ويصف الجانب النفسي والجانب الأمني قائلا: «القصف اليومي العشوائي يهدد كل فرد بالموت في أي لحظة، حيث يسقط يوميا ما بين خمسين ومائة شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء. الحياة النفسية هنا منهكة، وكل إنسان يشعر بأنه قد يقتل في أي لحظة».

غياب أي دعم مغربي ونداء عاجل

أما عن المساعدات المغربية، فيقول: «لم نتلق أي دعم من المغرب هنا في غزة على الإطلاق، وأنا أعرف الكثير من الأسر المغربية التي لم يصلها شيء. سمعنا أن هناك جمعية فلسطينية تتلقى أموالا من مال بيت القدس لتوزيع المساعدات، لكننا لم نر شيئا منها. التقيت رئيس الجمعية وسألته لماذا لم يستفد المغاربة، فأجاب أن المساعدات موجهة لجميع سكان غزة. وعندما سألته عن تواصلهم مع المغاربة وعناوينهم، قال إنهم لا يملكون عناوين، مع أن الأمر بسيط لو أرادوا».
وبنبرة يائسة ومناشدة صادقة يقول: «لقد طرقت أبوابا عديدة، واتصلت بعدة جهات حقوقية، لكن المأساة لا تزال مستمرة. نحن هنا نعيش وسط الجوع والخوف والموت، بلا سند ولا مساعدة، وننتظر من بلدنا أن يلتفت إلينا. المغرب هو ملاذنا الأخير، ونداؤنا إلى جلالة الملك محمد السادس أن يتدخل عاجلا لمساعدة المغاربة العالقين على العودة، ولم شمل الأسر المشتتة، وفتح باب الأمل أمامنا».

 

 


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 04/09/2025