من العاصمة .. «الفراقشية» والرياضة والانتخابات

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

لا يختلف اثنان اليوم حول المكانة المركزية التي تحتلها الرياضة، وعلى رأسها كرة القدم، في وجدان المغاربة. فهي لم تعد مجرد لعبة، بل صارت فضاءً للالتقاء الجماعي، وللتعبير عن الفرح والانتماء، وأيضاً مجالاً يستهوي ملايين الشباب الذين يرون فيها متنفساً وأملاً. لكن هذه القوة الرمزية والجماهيرية تحولت في السنوات الأخيرة إلى ورقة انتخابية رابحة يسعى بعض الفاعلين السياسيين إلى توظيفها في حملاتهم الانتخابية، عبر استغلال الإمكانات العمومية المخصصة للرياضة وتوجيهها نحو أهداف انتخابية ضيقة.
إن ما نشهده من حضور مبالغ فيه لمنتخبين ووزراء في المشهد الكروي لا يترجم بالضرورة حرصاً على تطوير الرياضة، بقدر ما يعكس رغبة في ركوب الموجة الشعبية التي تصنعها كرة القدم، وتحويلها إلى رصيد سياسي. فبدل أن تظل الرياضة مجالاً للتنافس الشريف والإبداع الجماعي، يتم الزج بها في معارك انتخابية مسبقة، وتوظيف ملاعبها ومنشآتها وشعاراتها في خطاب دعائي يختزل الوطن في صورة مرشح أو حزب.
ولعل ما تناهى من أخبار حول توزيع بطائق الدخول إلى المباريات بالمجان لفائدة محسوبين على دوائر انتخابية، وطرح أخرى في السوق السوداء بأسعار خيالية، يؤكد أن “البؤساء” – بتعبير رئيس الجامعة نفسه – ما زالوا متخفين في الجسم الرياضي، يفرّخون الفساد ويحوّلون الرياضة إلى وسيلة للاغتناء غير المشروع. فبدل أن تكون الملاعب فضاءات للمتعة الكروية والإنصاف الجماهيري، تتحول إلى ساحات للتلاعب والتمييز والزبونية.
الأخطر من ذلك أن المال العام، المخصص أصلاً لتأهيل البنيات التحتية الرياضية ودعم المواهب الشابة، يُستعمل في تمويل مهرجانات دعائية أو مبادرات رياضية ظرفية هدفها استمالة الناخبين أكثر مما هو خدمة التنمية الرياضية. وهكذا يتم تبخيس العمل الانتخابي نفسه، حين يختلط الإنجاز الرياضي بالتوظيف السياسي، وتُطمس الحدود بين المرفق العمومي والآلة الانتخابية.
إن الرياضة، وكرة القدم تحديداً، ملكٌ لجميع المغاربة، ولا يجوز اختزالها في يد حزب أو مسؤول. فالجماهير التي تملأ الملاعب وتعيش على إيقاع الانتصارات والخيبات، لا تحتاج إلى وصاية انتخابية، بقدر ما تحتاج إلى رؤية وطنية واضحة تجعل من الرياضة رافعة للتنمية وفضاءً لترسيخ قيم النزاهة والشفافية.
ويبقى من الضروري التأكيد على أن المنتخبات الوطنية، بما تحمله من رمزية واعتزاز جماعي، يجب أن تظل بعيدة كل البعد عن أي استغلال سياسي أو انتخابي. فهي تمثل الوطن والمواطنة قبل أي اعتبار آخر، وحمايتها من التوظيف الضيق مسؤولية الجميع: الدولة، الأحزاب، الإعلام والجماهير. لأن المساس بنزاهة الرياضة الوطنية هو مساس مباشر بروح الانتماء المشترك الذي يوحد المغاربة جميعاً.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 13/09/2025