من قلب جماعته.. أكادير ترد على رئيس الحكومة بالاحتجاج

في مشهد احتجاجي لافت، شهدت مدينة أكادير، نهاية الأسبوع، وقفة شعبية حاشدة أمام مستشفى الحسن الثاني، للتنديد بتدهور الخدمات الصحية وغياب التجهيزات والموارد البشرية، في واحد من أكبر مستشفيات جهة سوس ماسة.
هذا التحرك الشعبي لم يكن حدثًا عاديًا، بل جاء من قلب الجماعة التي يرأسها رئيس الحكومة نفسه، ما يمنحه بعدًا سياسيًا ورمزيًا قويًا، ويجعله ردًّا ميدانيًا مباشرًا على تصريحاته الأخيرة خلال ندوة صحفية بثتها القنوات الرسمية، تحدث فيها عن «نجاحات حكومته» في قطاع الصحة والحماية الاجتماعية.
في الوقت الذي حاول فيه رئيس الحكومة الدفاع عن حصيلة ولايته، والتأكيد على «التحول النوعي» في الخدمات الصحية، خرجت ساكنة أكادير لتكذيب تلك الرواية على الأرض، محتجة على واقع صحي يصفه المواطنون بـ»المتدهور».
المحتجون اعتبروا أن ما جاء في تصريحات رئيس الحكومة لا يعكس الواقع، بل يناقضه بشكل صارخ، خاصة في ظل الاكتظاظ، وقلة الأطر، ونقص المعدات، وغياب الرعاية الأساسية بالمؤسسات الاستشفائية العمومية. الاحتجاجات لم تكن معزولة، بل جاءت ضمن سلسلة تحركات شعبية عرفتها مناطق مختلفة من المغرب خلال الأشهر الأخيرة، شملت مطالب متعلقة بالماء، والصحة، والخدمات العمومية.
وما يلفت الانتباه هو تزامن هذه التحركات مع بداية العد العكسي للانتخابات المقبلة، وهو ما يفتح الباب لتأويلات سياسية تؤكد أن الشارع بدأ فعليًا يوجّه رسائل تحذير إلى الأغلبية الحكومية، مفادها أن المواطن لم يَعُد يثق في الشعارات، بل في النتائج المحسوسة على أرض الواقع.
رغم أن الحكومة جعلت من شعار «الدولة الاجتماعية» عنوانًا بارزًا لبرنامجها، إلا أن الواقع، بحسب عدد من المتابعين، يبرز فشلها في تنزيل هذا الشعار بشكل فعّال. فرغم التوجيهات الملكية المتكررة بضرورة إنصاف الفئات الهشة وضمان استفادتها من ثمار التنمية، لا تزال قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والبنية التحتية تعاني من اختلالات عميقة، تُقابل بتدابير حكومية وُصفت بـ»الترقيعية»، ولا ترقى لمستوى الانتظارات.
تصريحات رئيس الحكومة وما تلاها من احتجاجات، أعادت إلى الواجهة الجدل حول ما بات يُعرف بـ»الالتزامات العشر» التي وعدت بها الحكومة بداية ولايتها، والتي تحوّلت في الخطاب الشعبي والمعارض إلى «الإفشالات العشر»، في ظل غياب مؤشرات واضحة على تحسن ملموس في الخدمات الأساسية.
في ظل هذا السياق، جاء إطلاق جلالة الملك محمد السادس لبرنامج «الجيل الجديد للتنمية الترابية»، كمبادرة استراتيجية تحمل وعيًا واضحًا باختلالات الواقع، وتسعى إلى إعادة توجيه البوصلة نحو تنمية شاملة وحقيقية، ترتكز على العدالة الاجتماعية والمجالية، وتسعى لرفع التفاوتات التي فشلت السياسات الحكومية في معالجتها.
ما جرى في أكادير ليس مجرد وقفة احتجاجية عابرة، بل إشارة قوية على عمق الهوة بين الخطاب الحكومي وواقع المواطن. ومن قلب المدينة التي يُفترض أن تكون نموذجًا في تنزيل السياسات العمومية، جاء الرد الشعبي ليضع الحكومة في موقف لا تُجدي معه التبريرات، ولا تجميل الأرقام.


الكاتب : بقلم: نورالدين زوبدي

  

بتاريخ : 16/09/2025