نجاح المؤتمرات الإقليمية للاتحاديين في الشمال: تأكيد للوفاء ورسالة بأن الاتحاد لا يزال يشكل البديل الديمقراطي

n محمد السوعلي (*)
عاشت جهة طنجة–تطوان–الحسيمة، خلال الأسبوع المنصرم، على إيقاع لحظة تنظيمية استثنائية، إذ نظمت المؤتمرات الإقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مدن طنجة، شفشاون، العرائش، المضيق- الفنيدق والفحص انجرة. وقد حضر هذه المحطات الأخ الكاتب الأول إدريس لشكر، مرفوقاً بأعضاء المكتب السياسي، في جولة ماراثونية قطعت خلالها القيادة الاتحادية أكثر من 2000 كيلومتر، متنقلة بين القرى والحواضر، بين الساحات العمومية والفضاءات الثقافية، في تواصل مباشر مع المناضلات والمناضلين وساكنة الجهة.
هذه المؤتمرات لم تكن مجرد استحقاقات داخلية لإعادة هيكلة التنظيمات الإقليمية، بل جسدت حدثاً سياسياً بامتياز، حيث التقت الروح النضالية بالبعد الإنساني، وارتفعت خلالها شعارات الحزب المبدئية التي تربط بين النضال الديمقراطي وخدمة القضايا الوطنية الكبرى.
القيادة والقاعدة: علاقة إنسانية تتجدد
من أهم ما ميز هذه الجولة، الحضور الإنساني للكاتب الأول. فقد شارك القواعد الاتحادية تفاصيل يومية بسيطة: تناول الطعام في بيوت المناضلين، المبيت بينهم، الاستماع المباشر لشكايات المواطنين، والوقوف عند هموم ساكنة القرى المهمشة التي أهملتها السياسات العمومية.
هذه اللقاءات الموثقة بالصوت والصورة فضحت كل الروايات التي حاولت أن تروج لصورة نمطية مشوهة عن العلاقة بين قيادة الحزب وقواعده. ففي قاعات غصت بالجماهير كما في مركز بوكماخ بطنجة، أو في الساحات العمومية كما في مركز فيفي بشفشاون، حضرت آلاف النساء والرجال والشباب، إلى جانب فعاليات سياسية ونقابية ومدنية، لتؤكد أن الاتحاد الاشتراكي ما يزال يحتفظ بقوته الاستقطابية التاريخية، ويجسد مدرسة للوفاء والانتماء.
ومن اللافت أن أوجه نجاح هذه اللقاءات لم تقتصر على ما عاشته القاعات والساحات التي احتضنتها من لحظات قوية تم فيها تبادل وجهات النظر وتقديم تقارير يشخص فيها مناضلات ومناضلي الحزب واقع الحال بأقاليمهم، بل امتدت إلى الفضاء الرقمي حيث انتشرت صور وفيديوهات المؤتمرات الإقليمية على نطاق واسع، لتشكل شهادة حية على حجم الالتفاف الجماهيري حول الاتحاد الاشتراكي، ودليلاً عملياً على أن لغة الميدان أقوى من كل حملات التشويش الافتراضية.
الصحراء المغربية: الحكم الذاتي خيار نهائي
في كل محطة من محطات الشمال، أعاد الأستاذ إدريس لشكر التأكيد على مركزية القضية الوطنية الأولى – الصحراء المغربية. وأوضح أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب هو الحل الجاد والواقعي والنهائي، الذي حظي بدعم أغلبية دول العالم، ما يستدعي خوض المعارك الدستورية والقانونية لتحصين هذا الخيار في المستقبل القريب.
وقد ربط الكاتب الأول هذا الموقف التاريخي باللحظة السياسية الراهنة، حيث يعيش ملف الصحراء دينامية دبلوماسية غير مسبوقة بفضل قيادة جلالة الملك محمد السادس، وانخراط الدبلوماسية الحزبية والموازية في الترافع. ومن طنجة إلى شفشاون، وجه لشكر رسائل قوية بضرورة الاستعداد للمراحل المقبلة، بما قد يقتضي إدراج الحكم الذاتي دستورياً وتنظيمياً باعتباره تتويجاً لمسار طويل من النضال الوطني. هذا الموقف يجد صداه في تجارب دولية رسخت حلولاً مماثلة في إطار السيادة الوطنية، مثل إسبانيا التي اعتمدت نماذج الحكم الذاتي في كاتالونيا والباسك، وهو ما يعزز مشروعية الطرح المغربي ويجعله في انسجام مع الأعراف الديمقراطية العالمية.
فلسطين: صوت الاتحاديين
في مواجهة الصمت الدولي
لم تغب القضية الفلسطينية عن خطابات الكاتب الأول. ففي تجمعات الشمال، خصص لشكر جزءاً واسعاً للحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، مندداً بجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي، وبعجز المنتظم الدولي عن حماية الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
هذا الموقف وجد صدى واسعاً لدى الجماهير الاتحادية، التي رأت في دفاع الاتحاد الاشتراكي عن فلسطين استمراراً لنهجه التاريخي في ربط النضال الوطني بالتضامن الأممي. فكما كان الحزب في طليعة المدافعين عن حركات التحرر في إفريقيا والعالم العربي، يواصل اليوم الوقوف إلى جانب فلسطين باعتبارها قضية إنسانية وأخلاقية بامتياز.
إصلاح المنظومة الانتخابية: مدخل للديمقراطية الحقيقية
من القضايا البارزة التي أثارها الكاتب الأول أيضاً إصلاح المنظومة الانتخابية، فقد دعا إلى مراجعة القوانين بما يضمن الشفافية والنزاهة، ويمنع المفسدين وأصحاب السوابق من التسلل إلى المؤسسات التمثيلية.
هذا المطلب يعكس جوهر مشروع الاتحاد الديمقراطي، ويجد صدى في التجارب المقارنة التي أثبتت أن قوة الديمقراطية لا تُقاس فقط بالنتائج، بل بنزاهة المسار. كما أنه يتقاطع مع نداءات القوى التقدمية في أوروبا، خصوصاً في البرتغال وإسبانيا، حيث لعبت القوانين الانتخابية دوراً حاسماً في تحصين المسار الديمقراطي.
في مواجهة عجز الحكومة: الاتحاد كبديل تقدمي
جاءت هذه المؤتمرات في سياق اجتماعي واقتصادي صعب، حيث يئن المواطنون تحت وطأة غلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية، فيما تعجز الحكومة الحالية عن تقديم حلول واقعية لأزمات الصحة والتعليم والتشغيل.
لقد شكلت كلمات الكاتب الأول تذكيراً بأن الاتحاد الاشتراكي ليس مجرد حزب يصف الأزمة، بل قوة بديلة تملك رؤية تقدمية، تربط بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعدالة المجالية. وهنا تتجلى قيمة هذه المؤتمرات كمنابر سياسية حية، تستمع فيها القيادة للناس مباشرة وتعمل على صياغة أجوبة واقعية من شأن أجرأتها المساهمة في التخفيف من معاناتهم.
نحو المؤتمر الوطني الثاني عشر: استحضار روح المؤتمر الاستثنائي
إن النجاح الباهر الذي عرفته المؤتمرات الإقليمية بالشمال لا يمكن فصله عن الاستعداد الجماعي للمؤتمر الوطني الثاني عشر، الذي يتزامن مع الذكرى الفضية للمؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، وإذا كان المؤتمر الاستثنائي قد أقر استراتيجية النضال الديمقراطي وفتح آفاقاً جديدة أمام الحزب والوطن، فإن المؤتمر المقبل يمثل محطة جديدة لتجديد الالتزام بنفس النهج، مع تحديث الأدوات والوسائل لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. لقد شكلت المؤتمرات الإقليمية محطة وطنية كبرى، أكدت أن الاتحاديات والاتحاديين على أتم الاستعداد لخوض غمار المؤتمر بنفس الروح النضالية والإرادة الجماعية التي صنعت أمجاد الحزب في الماضي. إنها رسالة واضحة بأن الاتحاد الاشتراكي، برمزيته وتاريخه، يملك القدرة على تجديد نفسه ومواصلة الريادة السياسية والفكرية.
خاتمة: الاتحاد الاشتراكي، مدرسة النضال الديمقراطي
لقد أثبتت المؤتمرات الإقليمية بجهة الشمال أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس مجرد حزب سياسي، بل هو مدرسة في الوفاء والانتماء، وصوت صادق لقضايا الوطن والمواطن. من طنجة إلى تطوان، من شفشاون إلى العرائش ووزان والحسيمة والفنيدق، ارتفعت شعارات الحزب لتؤكد أن الاتحاد سيظل قوة وطنية تقدمية، حاملاً لراية العدالة الاجتماعية، مدافعاً عن الديمقراطية، ومؤمناً أن قضاياه الكبرى – من الصحراء المغربية إلى فلسطين – جزء لا يتجزأ من رسالته التاريخية.
إنها رسالة أمل وتجديد، موجهة إلى الداخل والخارج، بأن الاتحاد الاشتراكي سيبقى مدرسة للنضال الديمقراطي، وفاعلاً مركزياً في بناء مغرب العدالة والكرامة والمساواة.
(*) الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي – تطوان
الكاتب : n محمد السوعلي (*) - بتاريخ : 19/09/2025