البوسرغيني: نعي بصورة، نعي بحرفَ! -2-

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لعل الفقيد البوسرغيني كان آخر من بقي من الشهود الأحياء، ذاكرة وحضورا، عن فترةالحرب التي خاضتها التجريدة المغربية في الجولان.وما علق بها من خيبات، بدأت عندها وعند جيل مثله كفرحة وحماس ومعانقة للحروب المرفوعة على أعلام الكرامة شرقا وغربا. كما هي خيباته، ولا شك، من سلوك النظام الجزائري ..
في حرب أكتوبر . كان شاهدا على الحرب من سوريا ومن مصر …
وهو ما بمقدوره أن يتحدث عن التاريخ وهو يصنع، وعن الذاكرة وهي تنمو وتخرج من العدم. وفي ذلك مثلا في ما رواه عما دار بينه وبين المرحوم الجنرال عبد السلام الصفريوي، قائد التجريدة العسكرية المغربية في سوريا، أنه عندما أخبر الملك الحسن الثاني، بوقوع تدخل أمريكي في حرب أكتوبر، طلب منه الملك تقديم الحجة على ذلك التدخل، فقال له الجنرال الصفريوي: لقد رأينا يا صاحب الجلالة من مرتفعات جبال الجولان الطائرات تقلع من سفن الأسطول الأمريكي الذي كان موجودا في البحر الأبيض المتوسط غير بعيد عن الشواطئ الإسرائيلية.« وهو الذي كان الشاهد الذي كشف لنا عن اسم من اقترف الخيانة من الضباط السوريين، العقيد رفيق حلاوة، التي أجهضت الانتصار في معركة الجولان التي ساهم فيها الجيش المغربي بقسط وافر.
وهو يروي، باعتباره ضمن طاقم التلفزيون المغربي وقتها، الذي تابع التجريدة المغربية عن المصدر الأول، وعن الذين شاركوا بلا عنونة ولا مصادر بعيدة في الوثوق. وعنه…
ومن ذلك ما حكى له ضابط صف أن الجنود المغاربة عندما تجاوزوا الخطوط، وجدوا طريقا لم تكن موجودة في الخرائط التي تسلموها من الجيش السوري، وهذا أمر خطير بالنسبة لجيش يواجه عدوا له. وهو يروي، بأمانة، ما حكاه له المهدي زنطار، سفير المغرب في القاهرة 1967، عن مساعي الملك الراحل الحسن الثاني للحيلولة دون نشوب حرب يونيو 1967…… ويعرف الأسماء والأماكن، وقد أسعفنا بذاكرته في الموقف من سوريا، ومن ظلامها في الآونة الأخيرة، ومن العلاقة مع النظام الجزائري، وهو في ذلك رجل نزاهة وصدق، وطنيته تحفزه على قول الحقيقة وليس غيرها..
وهنا لا بد من أن نعرج على تحولات الواقع والمواقع التي عاشها فقيدنا، سواء عند مغادرة الصحافة الاتحادية، والتي وهبها فصول شبابه وظل يمجد مروره فيها ويمجد رجالاتها. أو عندما غادر الصحافة الورقية والانضمام إلى أفق جديد في الأنباء، وبعدها في التجارب من مواقع إعلامية جديدة في الميثاق أو رسالة الأمة ثم في الكتابة المسترسلة من بعد، وشحذ في ذلك ذاكرته.
والكتاب الذي هيأه وأشرف عليه الزميل لحسن واريغ مشكورا، عندما سيتم نشره سيكون، ولا شك، وثيقة ذاكرة حية لرجل من عشيرتنا رافق القضية الوطنية من موقع قريب جدا.. كتاب تفوق صفحاته المئة صفحة، يرافق العلاقة التوترية وعلاقة الصراع مع المغرب مرافقة حثيثة.، لا تغفل الماضي في قراءة مستجدات الحاضر، كما لا تغفل قراءة الماضي بشبكات مستجدة قوامها معطيات الحاضر..
هو الذي عرف كيف يتفاعل طوال عمره، واستطاع فرض وجوده في العالم الأزرق الذي يعجز أبناء عمرنا وبعض من الشباب الحفاظ فيه علي حضور بدقة مواعيد قطارات السرعة الفائقة.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 19/09/2025