أثار تحقيق نشره موقع عربي بوست (17 شتنبر 2025) جدلاً واسعاً بعد أن كشف عن وجود تطبيق يُدعى AppCloud على بعض هواتف سامسونج المنتشرة في أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هذا التطبيق، وفق التحقيق، يرتبط بمنصة Aura المملوكة لشركة IronSource الإسرائيلية، وهو ما أثار مخاوف من إمكانية استخدامه لجمع بيانات المستخدمين دون علمهم أو قدرتهم على حذفه نهائياً. ورغم نفي سامسونج وجود أي تهديد أمني، فإن القضية أعادت إلى الواجهة نقاش الخصوصية وأمن المستخدم في ظل سيطرة الشركات الكبرى على سوق الهواتف الذكية.
**من أين جاء التطبيق؟
يشير تقرير عربي بوست إلى أن AppCloud بدأ بالظهور منذ سنوات على أجهزة سامسونج من الفئة المتوسطة والمنخفضة (سلسلة Galaxy A و Galaxy M) الموجهة إلى الأسواق الناشئة، وغالبا ما يظهر التطبيق بعد تحديثات النظام، ويلاحظ المستخدمون أنه لا يمكن إزالته بالطريقة التقليدية، بل يُكتفى بخيار «التعطيل» (من إعدادات التطبيقات في النظام).
في الأصل، تعود ملكية AppCloud إلى منصة Aura، التابعة لشركة IronSource الإسرائيلية، التي استحوذت عليها لاحقا شركة Unity الأميركية، المعروفة بمحرك ألعابها الشهير. ووفقاً لبيانات منشورة في موقع TechCrunch سنة 2022، تعتبر IronSource من أبرز الشركات الإسرائيلية المتخصصة في تكنولوجيا الإعلان الرقمي وتوزيع التطبيقات، وقد أثارت أنشطتها جدلا في السابق بسبب اتهامات بدمج برمجيات إعلانية متتبعة في حواسيب المستخدمين.
**ما وظيفة تطبيق AppCloud؟
بحسب التحقيق، يتيح التطبيق لسامسونج وموفري المحتوى «الترويج» لتطبيقات أخرى (لاسيما تطبيقات الطرف الثالث) عبر إشعارات أو اقتراحات مثبتة مسبقاً، فيما يشبه خدمة «توصية التطبيقات». غير أن المشكلة تكمن في البيانات التي يعتقد أن التطبيق يجمعها: معرفات الجهاز، الموقع الجغرافي، عناوين IP، وسلوك الاستخدام، دون توضيح كاف للمستخدمين في بعض الأسواق حول هذا الجمع.
أشار تحليل نشره موقع Android Police سنة 2023 بالفعل إلى أن العديد من تطبيقات «التوصية» المدمجة من طرف الشركات المصنعة قد تجمع بيانات أكثر مما يحتاجه المستخدم، وغالبا ما تأتي مثبتة في النظام بطريقة تجعل من الصعب التخلص منها نهائيا.
**بيانات المغاربة الرقمية تحت المجهر؟
واحدة من النقاط التي أبرزها تقرير «عربي بوست» هي أن هواتف سامسونج من الفئات المتوسطة، حيث يظهر AppCloud، منتشرة بشكل واسع في المغرب بين الطلبة، الموظفين وحتى مستخدمي القطاع العام. هذا يعني أن عددا من الموظفين الحكوميين قد يستعملون هواتف مزودة بالتطبيق دون دراية منهم.
المعضلة هنا لا تتعلق فقط بالخصوصية الفردية، بل تمتد إلى أمن المعلومات الرسمية. فإذا كان التطبيق يجمع بيانات موقع أو أنماط استخدام، فمن الوارد (نظريا) أن يشمل ذلك نشاط موظف ما مرتبط بمؤسسة حكومية ما. وهو ما يعيد للأذهان النقاشات الدولية حول حظر تطبيقات مثل TikTok في المؤسسات الرسمية ببعض الدول الأوروبية والأميركية بدعوى تهديد الأمن السيبراني.
في هذا السياق، يحذر خبراء أمن المعلومات، من أن الاعتماد على أجهزة غير مدققة أمنيا في المؤسسات العمومية (والحكومية خاصة) قد يفتح ثغرات يصعب التحكم فيها. فالمستخدم العادي قد يكتفي بتعطيل التطبيق، لكن في بيئة حكومية، قد تكون هذه الخطوة غير كافية لحماية البيانات الحساسة.
**رد سامسونج.. والخصوصية بين الربح والشفافية
في اتصال لموقع عربي بوست مع متحدث باسم سامسونج، أوضح أن التطبيق جزء من «خدمات تجارية» متفق عليها مع بعض الشركات، وأن المستخدمين يحتفظون بخيار تعطيله متى أرادوا، نافيا أن يشكل أي تهديد على أمن أو خصوصية البيانات.
لكن خبراء الأمن السيبراني، يشددون على أن القدرة على التعطيل لا تعني الشفافية. ففي تقرير نشرته مؤسسة Electronic Frontier Foundation أو EFF، جرى التنبيه إلى أن التطبيقات التي لا يمكن إزالتها بشكل كامل تبقى قادرة (تقنيا) على العمل في الخلفية أو إعادة تنشيط نفسها بعد تحديثات النظام.
تسلط هذه القضية الضوء على مأزق أكبر: الشركات المصنعة للهواتف الذكية غالبا ما تعقد صفقات مع مزودي الخدمات الإعلانية أو منصات التطبيقات لتعويض انخفاض أرباح الأجهزة. النتيجة أن المستخدم النهائي يجد نفسه أمام برامج غير مرغوبة (bloatware) قد تمس بخصوصيته.
في هذا الصدد، لا تعتبر سامسونج حالة خاصة. ففي 2021 مثلا، واجهت Xiaomi اتهامات مماثلة بجمع بيانات من متصفحاتها المثبتة مسبقا، كما أثارت هواتف Huawei جدلا مشابها في أوروبا. هذا يطرح سؤالاً أكبر: هل يمكن فعلا لمستخدم الهاتف الذكي أن يسيطر على خصوصية بياناته بشكل مطلق؟..
وسواء كان AppCloud مجرد خدمة تسويقية أو بوابة إسرائيلية لجمع البيانات الحساسة، فإن القضية تكشف هشاشة العلاقة بين المستخدمين وشركات التكنولوجيا. الشفافية، الحق في الحذف الكامل، وتوفير بدائل واضحة يجب أن تكون معايير أساسية.
وأما في غياب هذه الضمانات، فإن الهواتف الذكية، التي نعتبرها أدوات شخصية، قد تتحول إلى أدوات مراقبة مخصصة في جيوبنا، أو كما يلخص تقرير EFF: «المستخدمون لا يحتاجون إلى المزيد من التطبيقات المثبتة مسبقا، بل إلى المزيد من الثقة».
(عن عربي بوست ومصادر أخرى)