طفا على السطح، مرة أخرى، مشكل الطاكسيات بالدار البيضاء، ومن خلالها في باقي المدن المغربية، بعد أن ظهر سائح أجنبي معروف على مستوى عالمي في مقطع فيديو يروي فيه كيف طالبه سائق في الدار البيضاء بمبلغ 50 درهما مقابل مسافة قصيرة جدا. وعندما رفض دفع السعر غير المعقول، أنزله من السيارة مصحوبا بعبارات سب وإهانة. الفيديو انتشر بسرعة، وخلق جدلا وسط المغاربة، خاصة مع تكرار الشكايات حول تصرفات مماثلة، إذ لا يمر يوم دون أن يتعرض أحد الركاب، سواء المغاربة أو الأجانب، لمثل هذه التصرفات من بعض سائقي الطاكسيات الذين لا يحترمون الزبائن، أو يرفضون نقلهم إلى وجهاتهم بدعوى أن المسافة بعيدة أو أن الوجهة ليست في مسارهم المعتاد.
تفاعلت السلطات الأمنية بسرعة مع الفيديو، فتم فتح تحقيق قضائي من قبل مصالح الشرطة بعين السبع – الحي المحمدي، وتم تحديد هوية السائق وتوقيفه بناء على تعليمات النيابة العامة المختصة.
هذه الواقعة لم تكن سوى صرخة جديدة تنضاف إلى باقي الصرخات السابقة التي تتعالى كل مرة للفت الانتباه إلى واقع قطاع سيارات الأجرة بالمغرب، وبالأخص تصرفات السائقين. ورغم الجهود المبذولة لتحسين الخدمة في هذا القطاع، إلا أن الاختلالات والمشاكل المتراكمة تبقى هي السائدة، مرخية بظلالها القاتمة على يوميات مستعملي سيارات الأجرة سواء بالدار البيضاء أو باقي المدن المغربية.
وزارة النقل كانت قد أعلنت عن برنامج واسع لتجديد حظيرة النقل الطرقي، يهدف إلى إدخال سيارات حديثة أكثر أمانا واقتصادا في الاستهلاك، مع تقديم دعم مالي للسائقين والمهنيين. مشددة على أن الهدف هو «تحسين شروط النقل الحضري» و»عصرنة الأسطول»، تماشيا مع التزامات المغرب في مجال الاستدامة والانتقال الطاقي، وربما أغفلت
،رغم عمليات التجديد التي طالت سيارات الأجرة، خصوصا بين سنتي 2014 و2028، أن العنصر البشري ظل رهين عقلية قديمة تتحكم في طريقة اشتغال القطاع. كثير من سائقي الطاكسيات الكبيرة والصغيرة لم يواكبوا التحولات التي يعرفها المغرب، سواء على مستوى حاجيات النقل الحضري أو على مستوى انتظارات السياح والزبناء المحليين، خصوصا في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة ومراكش. ما يترتب عن ذلك هو تكرار شكايات المواطنين والسياح من ممارسات بعض السائقين مثل رفض تشغيل العداد والاكتفاء بفرض أسعار عشوائية، ابتزاز السياح بمبالغ مضاعفة عن التسعيرة الحقيقية، والتعامل السيء مع الركاب بالسب والشتم أو رفض بعض الوجهات.
في مراكش، المدينة السياحية التي تستقبل ملايين السياح، تحولت عدة وقائع إلى مادة للنقاش الوطني بعدما انتشرت تسجيلات فيديو لسياح يؤكدون تعرضهم للغش. وفي الدار البيضاء، حوادث مماثلة لا تزال تسجل بشكل متكرر، كحادثة السائح الأجنبي الأخيرة، ما يجعل ثقة الزبون، خصوصا الأجنبي، في خدمة الطاكسيات مهزوزة.
طاكسيات الصنف الثاني، أي الطاكسيات الصغيرة، ملزمة قانونيا باستعمال العداد منذ صدور الظهير الشريف بتاريخ 12 نونبر 1963، الذي يفرض على سائقي الطاكسيات تشغيل العداد مع بداية كل رحلة. هذا النص، رغم قدمه، ما زال ينظم المهنة. إضافة إلى ذلك، هناك مراسيم جماعية ومناشير وزارية ترسخ هذه القاعدة، مثل مذكرة وزارة الداخلية في دجنبر 2024، التي ذكرت بضرورة إلزامية تشغيل العداد لضمان شفافية التسعيرة.
كما أن السائق ملزم بتطبيق التعريفة القانونية التي تحددها كل مدينة بقرار محلي، بما في ذلك انطلاق الرحلة، الثمن بالكيلومتر، والزيادة الليلية. فمثلا، في فاس، القرار الولائي رقم 25 بتاريخ 5 يونيو 2023 حدّد ثمن الانطلاق بـ1,50 درهم، و0,20 درهم لكل كيلومتر، مع حد أدنى 6 دراهم. أما في الدار البيضاء، فتبدأ التعريفة بـ2 دراهم، مع زيادة أوتوماتيكية في الفترة الليلية تبلغ 50%. لكن هذه القوانين الملزمة يعتبرها بعض السائقين مجرد حبر على ورق ولا تلزمهم في شيء.
خبراء النقل يرون أن إصلاح هذا القطاع يجب أن يرتكز على خطة شاملة تقوم على ثلاثة محاور أساسية:
المراقبة الصارمة: تعزيز حضور شرطة المرور ومفتشي النقل لمتابعة المخالفات ومعاقبة السائقين غير الملتزمين، كما أن التكوين والتأهيل بتنظيم دورات إجبارية للسائقين حول التعامل مع الزبائن، اللغات الأجنبية، وقواعد السياقة الآمنة يعتبر أساسيا لتجنب مثل هذه الحوادث مع ضرورة إطلاق تطبيقات رسمية تسمح بالحجز والدفع الإلكتروني بتسعيرة مضبوطة، على غرار ما هو معمول به في عواصم سياحية كبرى.
غير أن إدماج التطبيقات ما زال موضوع نقاش قانوني، إذ يخشى المهنيون التقليديون من فقدان امتيازاتهم، فيما تعمل الوزارة على صياغة إطار تشريعي يضمن التوازن بين الابتكار وحماية حقوق السائقين.
المغرب يعيش طفرة سياحية، حيث سجل أرقاما قياسية في عدد الوافدين خلال السنوات الأخيرة. ومع الاستعدادات لاستقبال تظاهرات كروية عالمية، تفرض على البلاد تحديات كبيرة، منها كيف نضمن أن تكون تجربة السائح إيجابية من لحظة وصوله إلى المطار وحتى مغادرته الفندق أو الملاعب، وكون قطاع الطاكسيات يمثل الواجهة الأولى التي يحتك بها الزائر، فإن أي تجربة سيئة أو سوء معاملة سيكون لهما أثر سلبي كبير على صورة المغرب، مما يقوض كل الجهود المبذولة في مختلف المجالات، خاصة السياحة.
وتتفق معظم التحليلات على أن نجاح المغرب في تنظيم مونديال 2030 لن يُقاس فقط بجمالية الملاعب أو توسعة الطرق السيارة، بل أيضا بالتفاصيل الصغيرة التي تلامس حياة الزائر اليومية. قطاع الطاكسيات، بكل ما يمثله من احتكاك مباشر مع المواطن والسائح، يحتاج إلى تسريع برامج التجديد وفرض نظام مراقبة صارم، حتى لا تتحول حادثة بين راكب وسائق أجرة إلى وصمة عار تلطخ صورة السياحة بالمغرب، والقضية التي فجّرها الفيديو الأخير ليست معزولة، بل هي إنذار متجدد يذكر السلطات والمهنيين أن الطريق إلى 2030 يمر أيضا عبر «المقعد الخلفي» لسيارة الأجرة.
سب وشتم وعدم استعمال العداد… فضائح الطاكسيات تهدد صورة الدار البيضاء قبيل مونديال 2030

الكاتب : خديجة مشتري
بتاريخ : 24/09/2025