دعا أمين التهراوي في منشور وجّهه أول أمس الثلاثاء إلى الكاتب والمفتش العامين وعدد من المدراء والمسؤولين مركزيا وجهويا إلى توفير وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لبيئة عمل آمنة لمهنيي الصحة والعمل على صرف تعويضاتهم المستحقة، في خطوة يرى عدد من المتتبعين بأنها تؤكد وضعية التيه والتخبط التي تعيشها الوزارة على عهد الوزير الحالي، وعلى الارتجال الذي بات يتحكم في القرارات والمراسلات المختلفة، بما أن صرف التعويضات كان يجب أن يتم إداريا وبشكل مسطري طبيعي لو تم تخصيص الاعتمادات الضرورية لتحقيق ذلك، عوض العراقيل التي باتت توضع أمام هذا الأمر، وهو ما جعل مهنيي الصحة ينادون ويطالبون بمستحقاتهم في كل فرصة وحين وفي كل مناسبة احتجاجية.
النقطة الثانية التي أثارت كذلك ردود فعل واسعة هي المتعلقة بتوفير بنية عمل آمنة، وهو المطلب الذي ظل مرفوعا لسنوات طويلة، خاصة في ظل تنامي موجة الاعتداءات من طرف البعض ضد مهنيي الصحة، خاصة على مستوى مصالح المستعجلات، إذ رغم تأكيد الوزارة على حماية موظفيها وعلى تقديم الدعم لهم ومتابعة المعتدين إلا أن ذلك لم يغير من واقع الحال شيئا، لاسيما وأن عددا من الاعتداءات تكون بسبب نقص وخصاص في وسائل العمل والتدخل، أو بفعل غياب أطباء مختصين أو عدم توفر سرير إنعاش، أو سيارة إسعاف لنقل مريض إلى وجهة استشفائية أخرى، وغيرها من المشاكل التي يرى المهنيون بأنه لا دخل لهم فيها وبأن الوزارة الوصية هي التي تتحمل مسؤوليتها الكاملة في هذا الأمر، فضلا عن كون عدد من الفاعلين الصحيين طالبوا لمرات عديدة بإحداث مراكز للشرطة داخل المستشفيات الجامعية نموذجا، وإن كان هذا الأمر يجد انتقادات في المقابل لأن فيه «عسكرة» لبيئة صحية، ويزيد من حدة التوتر بين المواطنين والعاملين بالمؤسسات الصحية عامة.
ولم تقف توجيهات التهراوي عند هذا الحد، إذ عمل في نفس اليوم على توجيه منشور جديد، وهذه المرة من أجل تعزيز الالتزام بمواقيت العمل النظامية واحترام الأخلاقيات المهنية، منتقدا ما وصفه بتنامي بعض الممارسات الفردية التي لا تعكس روح الالتزام المهني، من قبيل التغيب غير المشروع، والتأخرات المتكررة، واعتبر أن هذه الممارسات تؤثر سلبا على جودة الخدمات المقدمة وتربك السير العادي للمرافق العمومية الصحية، وتسيء إلى صورة القطاع وتضعف ثقة المرتفقين فيه. ودعا وزير الصحة إلى تفعيل آليات المراقبة اليومية للحضور، خاصة في المصالح الاستعجالية والحساسة، وقيام مصالح الموارد البشرية بمهامها في هذا الإطار، مع تطبيق مسطرة الاقتطاع من الأجور وكذا تحريك مسطرة ترك الوظيفة عند الانقطاع غير المبرر ومباشرة الإجراءات التأديبية في حال ثبوت تقصير أو تستر على تغيبات غير مشروعة.
المنشور الأخير للتهراوي، وإن كان في ظاهره صائبا ويضع الأصبع على بعض من مكامن الخلل وليس كلّها، فإنه لم يتمكن من يستوعب عقلية بعض المهنيين، الذين قد يتواجدون لكن في غياب كل مردودية، إلى جانب ما يخص الذين قدموا استقالاتهم وتم رفضها، وبالتالي ما كان منهم إلا أن انصرفوا للعمل في القطاع الخاص وهجروا المستشفى العمومي للوصول إلى نفس الهدف المتمثل في تحريك مسطرة ترك الوظيفة، وبالتالي «التخلص» من هذا القطاع، الذي من المفروض أن يساهموا من خلاله في تخفيف آلام المواطنين وأن يعالجوا أمراضهم، وأن يقدموا ولو الشيء القليل لهذا الوطن الذي ساهم في تكوينهم من المال العام، وفقا لتصريحات عدد من المتتبعين للشأن الصحي، الرافضين لهذه الوضعية.
هذه التوجيهات قابلتها دعوات من مهنيين تحث الوزارة على الوفاء بالتزاماتها من خلال توفير الموارد البشرية الضرورية، خاصة في تخصصات بعينها كأطباء النساء والتوليد نموذجا، وبتوفير المعدات الضرورية لاستكمال الفحوصات، سواء ما يتعلق بالتحاليل المخبرية أو الصور بالأشعة وغيرهما، بالإضافة إلى تزويد المستشفيات بالأدوية، وهو ما جعل بعض الفاعلين ي هذا الإطار يذكّرون التهراوي بأن وزارة الصحة ما تزال في ذمتها أدوية لفائدة مستشفيات تعود لسنة 2021 التي لم تتوصل بها؟
مع الحث على احترام مواقيت العمل وتسطير قرارات تأديبية في حق المخالفين .. التهراوي يطالب وزارته بتوفير بنية عمل آمنة لمهني الصحة وبصرف تعويضاتهم المستحقة!

الكاتب : وحيد مبارك
بتاريخ : 25/09/2025