رحل عن عالمنا مساء السبت 27 شتنبر 2025، الإعلامي والكاتب المغربي سعيد الجديدي، عن سن 76 سنة، تاركا خلفه إرثا متنوعا في الصحافة والأدب والترجمة، ومسارا تجاوز أربعة عقود من العطاء في خدمة الكلمة والصوت والصورة.
ينحدر الإعلامي سعيد الجديدي من مدينة تطوان ومن أسرة علمية عريقة، تلقى تعليمه الثانوي في مسقط رأسه، كما تقول سيرته الحياتية، ثم انتقل إلى إنجلترا وإسبانيا حيث تابع دراسته الجامعية، ما فتح أمامه آفاقا واسعة مكنته من التمكن من اللغة الإسبانية وآدابها.
هذا التكوين الأكاديمي مهد له الطريق للالتحاق مبكرا بالقسم الإسباني في التلفزة المغربية، حيث تولى مهام رئيس تحرير ثم رئيس قسم، ليصبح أول من يقدم نشرات الأخبار بالإسبانية على شاشة القناة الأولى، إضافة إلى برامجه على الإذاعة الوطنية الموجهة للجمهور المغربي الناطق بلغة سيرفانتيس.
ارتبط اسم الفقيد بمرحلة ما بعد الاستقلال باعتباره من مؤسسي الصحافة السمعية البصرية الناطقة بالإسبانية، وهو ما جعله رمزا للتعدد اللغوي في الإعلام المغربي.
لم يتوقف عطاؤه عند التلفزة والإذاعة، بل كان جسرا ثقافيا بين المغرب وإسبانيا وأمريكا اللاتينية، فقد اشتغل مراسلا لعدد من المنابر الإعلامية الأجنبية من بينها صحيفة إلباييس الإسبانية وقنوات مكسيكية، كما أسس صحفا ومجلات باللغة الإسبانية .
وفي مجال الأدب، خلف الإعلامي سعيد الجديدي أعمالا روائية بالإسبانية مثل يامنة وغريتو بريماي، التي حظيت باهتمام مراكز توثيق وجامعات عدة، كما ساهم في الترجمة الدينية والفكرية، فنقل إلى الإسبانية نصوصا إسلامية كلاسيكية مثل الشمائل المحمدية وحصن المسلم ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، واضعا بذلك لبنة أساسية في مشروع الترجمة المغربية إلى اللغة الإسبانية.
وقد حظي رحمه الله بتوشيح من قبل العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس بوسام الاستحقاق سنة 2018، تقديرا لجهوده في تعزيز جسور الحوار الثقافي والإعلامي بين ضفتي المتوسط.
في شهادات رفاق دربه من الإعلاميين والكتاب، برزت صورة رجل جمع بين الصرامة المهنية والإنصات العميق لنبض الواقع. رأوا فيه مدرسة قائمة بذاتها، لم يكن مجرد قارئ للأخبار أو كاتب للرأي، بل مربيا لغويا وثقافيا أعاد الاعتبار للإسبانية في المشهد الإعلامي المغربي.
كان صوته بالنسبة لهم أكثر من أداء إذاعي، بل ذاكرة جماعية تختزن أحداثا مفصلية، وصورة إعلامية موازية لمرحلة بكاملها.
واستحضر زملاؤه مساره الطويل باعتباره نموذجا نادرا للإصرار والانفتاح، حيث ظل وفيا لقيم المهنة رغم تقلبات السياق السياسي والاجتماعي.
وشحه العاهل الإسباني بوسام الاستحقاق .. رحيل سعيد الجديدي.. صوت الإسبانية في الإعلام المغربي

الكاتب : جلال كندالي
بتاريخ : 29/09/2025