دينامية 74 مؤتمراً إقليمياً ولقاءات جهوية واسعة تمهد لمؤتمر بوزنيقة، حيث يرسم الاتحاد الاشتراكي
أفق بديل تقدمي يعيد الثقة في السياسة ويؤسس لعقد اجتماعي جديد
شهد الأسبوع الأخير من شهر شتنبر 2025 تنظيم سلسلة من اللقاءات الجهوية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في إطار الدينامية الحزبية المواكبة للإعداد للمؤتمر الوطني الثاني عشر. وقد ساهمت قيادات الحزب وأعضاء اللجنة التحضيرية في تأطير مختلف مشاريع الأوراق والمقررات، مما أعطى لهذه اللقاءات بعداً تنظيمياً وفكرياً عميقاً.
ففي جهة سوس – ماسة، شارك أحمد المهدي مزواري، عضو المكتب السياسي، إلى جانب فدوى الرجواني وعبد الكريم مدون وهشام علام وسيدي محمد لعسيري من اللجنة التحضيرية، ومحمد اكرنان نائب الكاتب الجهوي. وفي جهة الرباط – سلا – القنيطرة، أطر اللقاء عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي وعضو المكتب السياسي، رفقة السعدية بنسهلي وجمال صباني، ومعهم محمد المومني وعتيقة الوزيري وعبد الكبير اخشيشن من اللجنة التحضيرية، إضافة إلى فادي وكيلـي عسرواي الكاتب العام للشبيبة الاتحادية.
أما في جهة بني ملال – خنيفرة، فقد أطر أحمد العاقد عضو المكتب السياسي ونور الدين زوبدي الكاتب الجهوي ، إلى جانب نادية حسيسو وإدريس جبري ومحمد رامي من المجلس الوطني، وعبد الإله معتمد نائب الكاتب العام للشبيبة الاتحادية، وعبد الرحيم لعبابد الكاتب الإقليمي بخريبكة. وفي جهة فاس – مكناس، شاركت خدوح السلاسي ومحمد غدان ومنال تقال من المكتب السياسي، إلى جانب يوسف بلحوجي وحكيمة باباش وزهير الحريكة من اللجنة التحضيرية، وسميحة لعصب نائبة الكاتب العام للشبيبة الاتحادية.
وفي الجهة الشرقية، ساهم في التأطير سعيد بعزيز الكاتب الجهوي وعضو المكتب السياسي، إلى جانب عبد السلام الموساوي وعمر أعنان وعبد المنعم المحسني من المكتب السياسي، ومعهم الهبري الهبري ومحمد السوعلي من اللجنة التحضيرية. أما في جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، فقد تولى التأطير مصطفى عجاب عضو المكتب السياسي، رفقة كمال الهشومي وعلي الغنبوري وعبد الحق الريحاني وطارق بوبكري وسعاد بنور من اللجنة التحضيرية. وفي جهة الدار البيضاء–سطات، أطر اللقاء كل من محمد محب وحنان رحاب ومحمد شوقي والمختار بدرواي من المكتب السياسي، إلى جانب عائشة كلاع ومحمد الطالبي وفريدة بوفتاس وحمزة بنطاهر من اللجنة التحضيرية.
وبذلك جسدت هذه اللقاءات الجهوية صورة للتعبئة التنظيمية الشاملة التي انخرط فيها الحزب، من أجل إشراك الاتحاديات والاتحاديين في مناقشة وإغناء مشاريع الأوراق والمقررات، بما يعكس التنوع المجالي والرهانات الإقليمية، ويضمن أن يكون المؤتمر الثاني عشر محطة نوعية لإعادة بناء الثقة في الفعل السياسي وتجديد المشروع الاتحادي على أسس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
دينامية المؤتمرات الإقليمية
إلى جانب اللقاءات الجهوية، كان انعقاد 74 مؤتمراً إقليمياً عبر ربوع البلاد مناسبة لإعادة هيكلة التنظيم وتجديد الأجهزة التقديرية. هذه المؤتمرات لم تكن مجرد إجراءات شكلية، بل تحولت إلى تمرين ديمقراطي داخلي أعاد للحزب حيويته وفتح المجال أمام بروز أطر جديدة.
في بعض الأقاليم، مثل مراكش والمحمدية وشيشاوة واشتوكة آيت باها والدريوش وتارودانت، جرى تجديد الهياكل في ظرف يومين فقط، وهو ما عكس الاستعداد العالي للقواعد الاتحادية للانخراط في دينامية متجددة. كما أن حضور الكاتب الأول للحزب، الأخ إدريس لشكر، لرئاسة عدد من الجلسات الافتتاحية، أعطى لهذه المؤتمرات رمزية خاصة وزخماً سياسياً وتنظيمياً مضاعفاً.
نحو محطة بوزنيقة: الأفق والرهانات
هذه الدينامية المتكاملة – المؤتمرات الإقليمية واللقاءات الجهوية – جسدت في مجملها ورشاً حزبياً مفتوحاً لتلاقح الأفكار وصياغة مشروع سياسي جماعي. فهي لم تكن ذات بعد داخلي فحسب، بل شكلت أيضاً رسالة وطنية مفادها أن الاتحاد الاشتراكي يستعد لمؤتمر بوزنيقة، المقرر أيام 17 و18 و19 أكتوبر 2025، باعتباره لحظة تأسيسية لإعادة الاعتبار للعمل السياسي الجاد وتوطيد الثقة بين الحزب والمجتمع. وبذلك، يصبح المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي محطة نوعية للتجديد التنظيمي والفكري والسياسي، وفرصة لإطلاق مشروع بديل يزاوج بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وينفتح على رهانات الحاضر والمستقبل.
الأوراق الاقتصادية والسياسية: بديل تقدمي يتجاوز النموذج الريعي
الأوراق الاقتصادية توقفت عند عمق الأزمة: معدل نمو لا يتجاوز 3%، قطاع غير مهيكل يستوعب ما يقارب 60% من اليد العاملة، ضعف مساهمة الصناعة (14% فقط من الناتج الداخلي الخام)، وفوارق صارخة حيث يستحوذ 10% من الأغنياء على نصف الدخل الوطني تقريباً. لكن الأهم هو أنها لم تكتفِ بالتشخيص، بل اقترحت بديلاً شاملاً يزاوج بين العدالة الاجتماعية والنجاعة الاقتصادية.
هذا البديل يقوم على ثلاث دعائم كبرى:
• إصلاح ضريبي تصاعدي يعيد التوازن للجباية، عبر تحميل الشركات الكبرى والأرباح الريعية عبئها العادل، مقابل تخفيف الضغط عن الأجراء والطبقة الوسطى.
• استثمارات عمومية ضخمة بقيمة 550 مليار درهم موجهة للقطاعات الإنتاجية، قادرة على خلق 500 ألف منصب شغل جديد، مع تحفيز المقاولات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها المحرك الرئيسي للتشغيل.
• محاربة الاحتكار وتفعيل قوانين المنافسة لكسر هيمنة اللوبيات الاقتصادية، وضمان توزيع عادل للفرص والثروة.
ولأن الاقتصاد لا ينفصل عن السيادة الوطنية، فقد ركزت الأوراق على أمن المغرب الغذائي والمائي، محذرة من تبعية الفلاحة للأمطار بنسبة 80%، ومن انخفاض الإنتاج بنسبة 15% في سنوات الجفاف. والحل يكمن في استراتيجيات جديدة للاستثمار في تحلية المياه والطاقة المتجددة والفلاحة المستدامة، بما يضمن استقلال القرار الاقتصادي ويخفف من هشاشة الأمن الغذائي.
كما أبرزت الأوراق تعثر ورش الحماية الاجتماعية، حيث لم يتم بعد إدماج جميع الفئات، إضافة إلى أزمة صناديق التقاعد التي تهدد ديمومتها، وتآكل القدرة الشرائية بفعل التضخم. لذلك، اقترح الحزب ربط الإصلاح الاقتصادي بإصلاح اجتماعي متكامل، يجعل من الدولة الاجتماعية واقعاً ملموساً عبر سياسات في الصحة والتعليم والسكن والتشغيل، وليس مجرد شعار للاستهلاك السياسي.
الإصلاح الدستوري والتنظيمي: من حماية الخيار الديمقراطي إلى تجديد النخب
الأوراق السياسية والدستورية انطلقت من واقع دستور 2011 الذي شكّل مكسباً تاريخياً، لكنها سجلت فجوة مقلقة بين النصوص والتطبيق. فمؤسسات الحكامة لم تفعل بشكل كامل، والمناصفة لم تتحقق، وربط المسؤولية بالمحاسبة ظل ضعيفاً، كما أن التأويل المحافظ للدستور أضعف الرقابة البرلمانية وحدّ من فعالية المعارضة.
لذلك، طرحت الأوراق ضرورة استمرار الإصلاح الدستوري في اتجاه ملكية برلمانية متوازنة، تعزز الاستقرار وتضمن في الوقت نفسه التداول الديمقراطي على السلطة. هذا المسار يتطلب مراجعة شاملة لمدونة الانتخابات بما يعيد الاعتبار للتمثيلية المباشرة عبر الاقتراع الفردي، ويشدد العقوبات على استعمال المال الفاسد، ويضمن تمثيلية فعلية للنساء والشباب.
تنظيمياً، دعت الأوراق إلى إعادة هيكلة داخلية تجعل من الحزب نموذجاً في المأسسة والديمقراطية الداخلية: توحيد القاموس التنظيمي، ضبط مساطر العضوية والجزاءات مع ضمان حق الطعن، إحداث رئاسة للمجالس الجهوية والإقليمية، تحديد ثلاث ولايات كحد أقصى للتداول، منع الجمع المضِر للمسؤوليات، وتوسيع اللامركزية عبر تمكين الجهات والأقاليم من صلاحيات أوسع. كما شددت على اعتماد الرقمنة والذكاء الاصطناعي في التسيير الداخلي، لتجعل الحزب قادراً على مخاطبة الأجيال الجديدة بأدوات عصرها.
الشباب والنساء ومغاربة العالم: رأسمال بشري في قلب العقد الاجتماعي الجديد
الأوراق الاجتماعية والثقافية أبرزت أن أي بديل تقدمي لن يكون ذا جدوى إذا لم يضع الشباب والنساء والجالية المغربية في قلب المشروع. فالشباب يعانون من بطالة مرتفعة (39.5%)، وهشاشة في الشغل والحماية الاجتماعية، وصعوبات في الولوج إلى الصحة والتعليم. لذلك، تمت الدعوة إلى تمييز إيجابي يرفع من تمثيليتهم في المؤسسات، ويوفر لهم آليات الاندماج في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
أما النساء، فقد تم الانتقال من مجرد المطالبة بالمناصفة إلى اقتراح سياسات عملية: تخصيص ميزانيات تراعي النوع، ضمان ثلث المقاعد على الأقل عبر آليات انتخابية انتقالية، مراجعة مدونة الأسرة نحو المساواة التامة، تجريم تزويج القاصرات، إلغاء التعصيب، واعتماد الخبرة الجينية.
فيما يخص مغاربة العالم، أكدت الأوراق أنهم رأسمال بشري واستراتيجي يجب أن يندمج في القرار الوطني، لا أن يبقى مجرد مصدر للتحويلات المالية. ومن هنا الدعوة إلى إصلاح مؤسساتي شامل: إحداث شباك موحد للخدمات، إعادة هيكلة مجلس الجالية، تشبيك الكفاءات، وفتح قنوات الاستثمار. هذه الرؤية تستلهم تجارب دول مثل تركيا وإيطاليا التي جعلت من جالياتها رافعة للتنمية الوطنية.
الإعلام الحزبي: من الذاكرة النضالية إلى رهانات المستقبل
الأوراق الموجهة للإعلام الحزبي أعادت التذكير بالدور التاريخي للصحافة الاتحادية، التي شكلت منبراً للتنوير وفضاءً للدفاع عن الديمقراطية في فترات التضييق. لكنها في الآن ذاته طرحت أسئلة جديدة عن قدرة الإعلام الحزبي على الصمود والتجديد في ظل ثورة رقمية هائلة.
لقد أظهرت التجربة أن الاتحاد يتوفر على قدرات ذاتية للتطور والانتقال بفضل تراكم الخبرات الإعلامية، لكنه يواجه تحديات بنيوية: ضعف التمويل، التراجع البشري، المنافسة غير المتكافئة مع الإعلام التجاري. لذلك، اقترحت الأوراق خطة للنهوض، قوامها: الاستثمار في الرقمنة، توحيد الخط التحريري، إعادة الثقة مع القارئ، بلورة مبادئ عامة تحكم العلاقة بين الإعلام والتنظيم السياسي تضمن استقلالية نسبية للإعلام مع الحفاظ على التوجه التقدمي للحزب.
كما شددت على ضرورة بلورة مخرجات على المدى المتوسط والطويل تعيد الاعتبار للإعلام الاتحادي كفاعل وطني، مع تنويع مصادر التمويل بين الدعم العمومي واستثمارات الحزب وآليات مبتكرة لتمويل الإعلام الرقمي. بهذا يصبح الإعلام الحزبي ليس عبئاً مالياً، بل رافعة سياسية وفكرية تعيد للاتحاد حضوره في الساحة الإعلامية الوطنية.
الخلاصة: المؤتمر 12 كمنعطف لإعادة بعث المشروع الاتحادي
المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس محطة تنظيمية عادية، بل لحظة مفصلية لإعادة بعث المشروع الاتحادي على قاعدة جديدة: عقد اجتماعي يربط بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. فقد جسدت المؤتمرات الإقليمية واللقاءات الجهوية روح الانبعاث، وأكدت أن الحزب قادر على تجديد نفسه من الداخل والانفتاح على الخارج في الوقت ذاته.
إن البديل الذي يطرحه الاتحاد اليوم يتجاوز مجرد الدفاع عن مكاسب الماضي، إلى صياغة أفق جديد يقوم على اقتصاد منتج عادل، ديمقراطية متوازنة، دولة اجتماعية حقيقية، إعلام نقدي مسؤول، وعدالة مجالية فعلية. وبذلك، فإن المؤتمر الثاني عشر يشكل منعطفاً تاريخياً يعيد للاتحاد موقعه كقوة اقتراحية وقيادية، ويمهد لاستحقاقات 2026 و2027 بروح اتحادية متجددة قادرة على إعادة الثقة بين المجتمع والسياسة.