أنا المنسي عند مقالع الأحجار
أحبَّائي
مَضَى أبدٌ ولمْ يمتدَّ جَسرٌ
بَيْنَنَا
(…)
سأبقى ها هنا ظلاًّ
على سَفْحِ الجِدارِ
يلُمُّني جزرٌ
وينشرني هديرُ المَوجِ
يا وَيحِي
تَمزَّقَ كلُّ شيءٍ في يَقيني
ما هديرُ المَوجِ
ما الأنهارْ
أنا المنسيُّ عندَ مقالعِ الأحجارْ»
من ديوان الفروسية
30 سنة مضت ولم يُنس، ولم تُنسَ فروسية المعنى في قصيدته، قصيدة تشربت من القلق، تماست مع الوجود وتفاعلت. قصيدة توحدت فيها التجربة بالوعي وبالموقف، فصنعت لنفسها مسارا متفردا في الشعرية المغربية وهي تنحت وتؤسس لنفسها صوتها المغربي الخالص، الرافض لأن يكون صدى لشعريات المشرق العربي.
لقد شكلت تجربة الشاعر الراحل أحمد المجاطي- الذي نحتفي بتجربته الشعرية الخلاقة والمتفردة في هذا الملف، بعد مرور ثلاثين سنة على رحيله- الى جانب جيل الستينات والسبعينات من قبيل الشعراء محمد الخمار الكنوني ومحمد السرغيني وعبد الكريم الطبال، شكلت نقلة حداثية مهدت لكل التجارب المجددة اللاحقة، لهذا اعتبر الراحل مؤسسا للقصيدة المغربية الحديثة وأبا روحيا لها، بل ومدشنا للحداثة الشعرية في المغرب، حداثة عبرت عنها قصيدته بإقامتها وارتحالها الدائمين بين توتر الذات العالي وارتجاج الواقع، والمتخيل الجانح نحو الغامض من المعنى والمخبوء تحت جلد الكلمات.
لايختلف الدارسون للمتن الشعري للشاعر أحمد المجاطي، رغم قلة إصداراته التي لم تتجاوز الديوان الوحيد «الفروسية»، في كونه استطاع التأسيس لمغربية الشعر العربي بشكل ناضج ، فقصائده تخلقت من نسغ التربة المغربية وتخصبت بسماد واقعها الاجتماعي والسياسي دون أن تفرط في انتمائها العروبي، مسهما بذلك في إغناء القصيدة الحديثة في المغرب، المنفتحة على التجارب الشعرية العالمية، والمتصادية مع الإنساني والكوني المشترك، وإن نجح، بتفرد،سيرة وكتابة وموقفا إنسانيا، في بناء قصيدة متميزة جعلت صوته مستقلا عن باقي الأصوات الشعرية من جيله، بالإضافة الى أنه كان من الشعراء القلائل ممن مزجوا بين كتابة الشعر ونقده من خلال كتابيه النقديين « أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث» والذي أصدره بعد نكسة 1967، و»ظاهرة الشعر الحديث «.
توقف الشاعر أحمد المجاطي عن كتابة الشعر بعد هزيمة 1967 ، واختار الصمت موقفا بعد حالة اليأس العام التي أصابت العالم العربي، خاصة وسط النخب المثقفة، لكنه ترك لنا ديوانه الخالد «الفروسية» شاهدا على السقوط الأبدي، حيث فروسيتنا لم تترك وراءها غير غبار ورماد بارود من سراب. ديوان مشبع بالهواجس والخيبات، بالمطامح وبالنكسات التي نتجرعها مرارتها اليوم وإن بشكل مضاعف وأمض من المغرب الى فلسطين التي استوطنت روحه وخياله، إلى لبنان وسوريا.
في هذا الملف، وفي لحظة وفاء لمن صنعوا ذاكرتنا الرمزية، نسترجع مع كتاب ونقاد وشعراء جايلوه وعايشوا الراحل عن قرب، ذكريات وأحلاما مشتركة، هموما منها من قضت نحبها ومنها من لاتزال تنتظر.

