من رأى منكم منكرا …فليتوخ الحذر
فريدة بوفتاس
كثيرا ما مر على أسماعنا مقطع من حديث نبوي، بخصوص المنكر وضرورة تغييره، بدءا باستعمال اليد، وفي حالة عدم إمكان ذلك، يتم اللجوء إلى اللسان، وعند استحالة هذه الامكانية أو تعطل مفعولها، هنا تتم الدعوة إلى استعمال القلب، وهذا أضعف الإيمان .
والمنكرات أنواع، لكن فيما أرى أن أفظعها هو عدم الالتزام بواجب المسؤولية إزاء من يقع فعلها وأثرها عليه، سواء داخل جماعة صغيرة أو كبيرة، مما يهدد وجودها على المدى القريب أو البعيد .
مرجع أهمية تحاشي الوقوع في هذا « المنكر»، هو عدم تعريض من ينتمي لهذه الفئة أو الجماعة …إلى خطر ، يختلف حجمه وهوله، طبيعته وماهيته، حسب ما ارتكب من انزلاق أدى إليه، سواء بتلقائية تكشف عن جهل مكين ، أو عن نية مبيتة مقيتة .
ونحن اليوم، نعيش كمغاربة مجموعة من الأحداث المتسارعة، بعد خروج شباب إلى الشارع، احتجاجا على سوء الأوضاع الاجتماعية، وتأكيدا منهم على الحق في الاستفادة من الحقوق المدنية التي خولها الدستور المغربي.
لا أحد سينكر عليهم مشروعية مطالبهم، ولا ضرورة الإنصات لنبض الشارع، ووجوب القضاء على كل مظاهر الفساد والتغول التي طفت على السطح في عهد هذه الحكومة، التي أفرزتها صناديق اقتراع، غذتها ممارسات منافية لكل أخلاقيات الممارسة السياسية، وأيضا لكل المكتسبات التي حققها المغرب، والتي لا يزال مصرا على استكمالها، من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون .
هؤلاء الشباب الذين عبروا عن بالغ استيائهم من تعليم طبقي، يعيش انحرافا وطمسا لكل ما ينبغي أن يكون عليه في مقارنة بين حاضر معيب، وماض أصبح منفذا لإنعاش ذاكرة كل المحبطين، ومن تطبيب غير عادل ولا متكافئ بالنسبة لكل المغاربة، حيث غزو القطاع الخاص الجارف يقضي على آخر أمل في تعميم الاستفادة من هذا المجال الهام والحيوي.
وغير هذين القطاعين الأساسيين، ثمة تراجعات عن العديد من المكتسبات أطاحت بها الحكومات اللاشعبية، فكانت بمثابة من صوب لانتظارات المغاربة سهام سم قاتل، أدخلت آمالهم وحتى أحلامهم موتا سريريا، كان من الممكن أن لا يعيشوه، لو أخذت مسؤولية تدبير المجتمع من طرف « حكومة الكفاءات « بكثير من الحزم والجدية والوطنية الصادقة .
ساعتها كنا سنكون بمنأى عن هذه الاحتجاجات التي ابتدأت سلمية، لكنها تحولت إلى عنف غير مشروع ولا مقبول من طرف كل من قام بممارسته .
وفي هذا ما يبتعد عن روح الدستور، وعن مواده، خصوصا الفصل 29من دستور المملكة 2011، والذي اعتبر أن القانون يضمن الحريات :
حرية الاجتماع /حرية التجمهر /حرية التظاهر السلمي /حرية تأسيس الجمعيات /وحرية الانتماء النقابي والسياسي. كلها حريات مقيدة بموجب القانون، الذي يمنع التظاهر إذا كان من شأنه الإخلال بالأمن العام .
هذا يستدعي منا وقفة تأمل، إذ إن الحق في التظاهر لا يزال محفوظا لنا كمواطنين، شريطة الانضباط للقانون، وليس كما حدث بخصوص قانون الحق في الإضراب الذي تم التراجع عنه وبالتالي عن كل المكتسبات المتحققة في بلدنا بهذا الخصوص، مكتسبات ما كان يجب المس بها ، لأن في ذلك مسا بصورة المغرب الذي تميز عن عديد من دول القارة وغيرها بهذا الانفراج الإيجابي الضروري في أفق ترسيخ دولة الحق والقانون.
أما بالنسبة للتظاهر، وبما أنه مضمون من طرف القانون، فما كان يجب أن يخرج عن طابعه السلمي في هذه الأحداث، وما كان أن يقترن بظاهرة العنف غير المشروع، مهما اختلف مصدره .
فلماذا هذا الانزياح عن ما ينبغي أن يكون ؟
هل نحن أمام شباب حامل لنوايا حسنة، كل ما يهمه هو المطالبة بحقوقه المشروعة، أم هو شباب مغرر به ؟
يصعب إصدار أحكام بشكل جزافي في غياب معطيات أكيدة ودقيقة، حتى يكون للحكم قدر من المصداقية، لكن، مهما يكن الأمر، فنحن هنا نتحدث عن أجيال مستقبلية، ستحمل مشعل النضال من أجل مجتمع عادل، حر، متساو، يكون القانون فيه سيدا على الجميع.
شباب كان بالأحرى أن يتمتعوا بمستوى دراسي عال، يكون عصارة المدرسة العمومية الولادة، وأن يكونوا حاصلين على مناصب شغل تفي بكل حاجياتهم، وأن يتمتعوا بحقوق المواطنة الكاملة، وبالتأطير السياسي الحقيقي، وأيضا بكل الوعي بأن الوطن، حبه والحفاظ على كل مكتسباته، والدفاع عنه ضد كل ما يمكن أن يهدد وجوده، وذلك حتى لا تتلقفهم وسائل أخرى، غير الأحزاب، الجمعيات، النقابات، وسائل متعددة المشارب والخلفيات وأحيانا مجهولة المصدر.
إن شبابنا، فلذاتنا، الحالمين بغد أجمل، والحاملين لبذرة الخير، والرافضين لكل أشكال الفساد، قادرون على تبين الغث من السمين، والتمييز بين ما قدمه الشهداء لصالح الوطن، ومناضلوه الخلص، ضدا على كل أعدائه، ماضيا، حاضرا، ومستقبلا .
الكاتب : فريدة بوفتاس - بتاريخ : 03/10/2025

