درك القليعة يدافع عن مقره وممتلكاته بإطلاق الرصاص ومقتل مقتحمين في الحادث .. احتجاج هادئ في الدارالبيضاء وعمليات تخريب وسرقات وفوضى في مناطق أخرى

 

تواصل المنحى التصاعدي لحالات الفوضى والتخريب والتطاول على الممتلكات الخاصة والعامة خلال اليوم السادس من احتجاجات “جيل زيد”، التي يبدو على أن هناك عددا من الفوضويين والمنحرفين الذين حاولوا استغلال الاحتجاجات السليمة والمطالب العادلة للشباب التي انطلقت فصولها منذ يوم السبت الأخير لتحويلها إلى لحظة لتصريف الكبت وللاعتداء على عناصر القوات العمومية ولتخريب كل ما تطاله الأيادي من ممتلكات عامة وخاصة، واقتناص هذه “الفرصة” من أجل اقتراف السرقات وغيرها…

القليعة.. رصاص و”ضحايا” عاشت القليعة بعمالة إنزكان مساء الأربعاء ليلة قاتمة بسبب الأحداث الدموية التي خلّفت أسفا وغضبا شديدين في نفوس كل من تتبعوا الصور والتسجيلات الموثقة لحالات الاعتداء والتخريب، التي لم تسلم منها لا ممتلكات عامة ولا خاصة، بل أن متظاهرين قاموا بالهجوم على مركز للدرك الملكي بهدف الاستيلاء على أسلحة نارية، حسب ما أفادت به السلطات المحلية، التي أوضحت بأن عناصر الدرك الملكي اضطرت إلى استعمال السلاح الوظيفي، في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، وصد عملية الهجوم واقتحام المركز، في محاولة للاستيلاء على الذخيرة والعتاد والأسلحة الوظيفية لرجال الدرك، التي نفذتها مجموعات من الأشخاص بمن فيهم من لقي حتفهم في هذا الهجوم.
وكان المتظاهرون قد عمدوا، حسب سلطات العمالة، إلى الانخراط في أعمال عنف وشغب من خلال رشق مركز الدرك الملكي بالحجارة واقتحامه، قبل أن تتمكن العناصر الأمنية من صدهم بادئ الأمر باستعمال قنابل مسيلة للدموع، وذلك في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، غير أن المهاجمين عاودوا بعد تعزيز صفوفهم بمجموعات كبيرة من مثيري الشغب، الهجوم على مركز الدرك الملكي، مدججين بأسلحة بيضاء ليتمكنوا من اقتحامه واكتساحه، فاستولوا على سيارة و4 دراجات نارية تابعة لمصالح الدرك الملكي، وتم إضرام النار في السيارة وفي جزء من بناية المركز، مع الشروع في محاولة الاستيلاء على الذخيرة والعتاد والأسلحة الوظيفية لرجال الدرك الملكي.
وأمام هذا الوضع، يضيف بلاغ السلطات المختصة، اضطرت عناصر الدرك الملكي لاستخدام أسلحتها الوظيفية، في حالة للدفاع الشرعي عن النفس، لصد هذه المجموعات من المقتحمين، كما تمكنت السلطات العمومية لاحقا من استعادة الوضع المنفلت في المنطقة. وعلى إثر هاته الأحداث تم فتح بحث قضائي تحت إشراف النيابة العامة المختصة للكشف عن جميع ظروف وملابسات الواقعة وتحديد هويات كافة المتورطين في هذه الأفعال الإجرامية وترتيب الآثار القانونية على ضوء ذلك.
سلا .. صور أخرى للتخريب والفوضى

بعيدا عن فلسفة احتجاجات “جيل Z” التي انطلقت يوم 27 شتنبر الماضي في الكثير من المدن المغربية الكبرى المطالبة بتوفير مستشفيات ومؤسسات تعليمية تلبي انتظارات الشعب المغربي، عاشت أحياء سلا كغيرها من المناطق الأخرى أول أمس الأربعاء، رعبا غير مسبوق بسبب الأحداث الخطيرة التي كان وراءها مجموعة من الشباب، الذين خلّفوا وراءهم تخريبا غير مسبوق في ممتلكات خاصة وعمومية.
وهكذا تم اقتحام أكثر من وكالة بنكية في حي اشماعو وتم إضرام النار فيها، وهو ما جعلها تنتشر في الطوابق التي فوقها مهددة بذلك أرواح قاطنيها الذين كانوا يظنون بأن بيوتهم “حصينة” وبأنها ستحميهم من شغب أعمى وخطير تجاوز كل الحدود. وإلى جانب الوكالات البنكية تم إحراق مختبر التحليلات الطبية، كما تم نهب محلات للعطور، وصالونات الحلاقة بحي الأمل. وبلغ العنف مداه بعد الاستيلاء على سيارتين للأمن الوطني، تم التخلي عنهما من طرف أمنيين بعدما أصبحت حياتهم في خطر، حيث تم تخريبهما وإحراقهما عن آخرهما أمام إقامة ندى 1 المطلة على الطريق الوطنية رقم 1 ، وتسبب الدخان المنبعث من السيارتين في حالات اختناق حاد لبعض السكان المجاورين.
وغير بعيد، تم الهجوم على سوق تجاري كبير وتم تكسيره وتخريبه وسرقة بعض سلعه، وانتهى الهجوم عليه باقتحام جناح بيع الخمور وسرقة محتوياته والتلاعب بشربها أمام الكاميرات. وبعيدا عن حي اشماعو الذي تقطن به الطبقة المتوسطة، تم نشر الرعب في أحياء شعبية كحي الرحمة والانبعاث، حيث تم إحراق مكتب للبريد ومحلات تجارية، ولم تنج سيارات عدد من المواطنين من التخريب والإحراق في كثير من الأحياء، الأمر الذي شلّ حركة المرور في كل مدينة سلا، لأن الكل أصبح خائفا على حياته. ومباشرة بعد هذه الأحداث الخطيرة تدخل أمن سلا بتعزيزات قوية، حيث تم توقيف عدد كبير من المشتبه فيهم في ساعات متأخرة من الليل، وهناك من كان يتحوز ببعض المواد الغذائية ومواد أخرى.

تامنصورت .. استمرار للفوضى
وفي مدينة تامنصورت، تعرض مركز الدرك الملكي ضاحية مراكش لهجوم نفذته مجموعة من الأشخاص، الذين عمدوا إلى اقتحامه و إضرام النيران فيه، مستغلين انشغال عناصر الدرك بمواكبة بالأحداث الخطيرة التي كانت تجري في الشارع. و كشف مصدر مطلع، أن الحريق أتى على محتويات المركز من وثائق و وسائل، ونقلت مقاطع فيديو مشاهد فيديو توثق لفداحة الخسائر التي خلفها الهجوم، مضيفا أن ذوي طلقات نارية تحذيرية قد سمع في مناطق الاحتقان، حيث سادت مواجهات بين مجموعات متحركة من الأشخاص وعناصر الدرك الملكي.
وأوضحت ذات المصادر، أن أعمال التخريب التي شهدتها المدينة، طالت عددا من المنشآت، وفي مقدمتها استهداف الشبابيك البنكية، وعلامات التشوير الطرقي، ومنشآت عامة، وعملت عناصر الدرك الملكي على تأمين مقر البريد ومحطة الطاكسيات ومرافق مهمة أخرى، بالمقابل عمدت مجموعات من المخربين إلى قطع الطريق بمدخل تانصورت، وإضرام النيران في النخيل، كما نفذت مجموعات أخرى أعمال تخريب في ممتلكات شخصية منها سيارات و واجهات بعض المحلات.
وقضت ساكنة تامنصورت ليلة الأربعاء في حالة من الرعب الشديد، بسبب أعمال التخريب التي انتشرت ببعض مناطق المدينة، و الاتساع المتنامي لرقعتها، و ذكرت شهادات متطابقة من المنطقة، أن عدد من السكان اضطروا إلى نقل سياراتهم إلى أماكن آمنة خارج المدينة، هربا من التحركات الهوجاء للمخربين.

قاصرون وأطفال يتحكمون في الشوارع

في كل المدن التي شهدت احتجاجات أول أمس الأربعاء، باستثناء مدينة الدارالبيضاء في منطقة البرنوصي، التي كان بها الاحتجاج سلميا وهادئا بدون أدنى مشاكل خلافا للأيام السابقة، فإن باقي المواقع التي عرفت احتجاجات، سواء المناطق التي كانت مبرمجة أو التي وبدون سابق إعداد خرج المحتجون بها، لوحظ استئساد وتحكم في الشوارع من طرف مجموعة من الملثمين، من اليافعين بل وحتى الأطفال، إلى جانب فئات عمرية أخرى.
محتجون لم يكن غرضهم بالمطلق بعث رسالة احتجاج حضارية تعبر عن مطالب اجتماعية كما تبناها “جيل زيد”، لأن المعنيين كان لهم هدف آخر، يتمثل في الهجوم على الوكالات البنكية، وعلى المتاجر الكبرى، ومقرات جماعية كما هو الحال بالنسبة لمقر جماعية سيدي بيبي، ومراكز الأمن كما وقع في قلعة السراغنة، وتبيّنت رغبتهم الجامحة في تعميم الخراب والفوضى والشعور بانعدام الأمن، بل أنه تمت مطاردة عناصر من القوات العمومية، الذين وجد بعضهم نفسه أمام حصص من التنكيل والعنف، الذي تجاوزت تفاصيله الرشق بالحجارة إلى الضرب المبرح وبكيفية وحشية، وإلى سرقة وسائل العمل من خوذات وسترات وعصي ودراجات نارية وغيرها…
حماية المنشآت وتعميم الاطمئنان

أدت الأحداث التي وقعت خلال اليومين الفارطين في عدد من المناطق التي ساد فيها منطق الفوضى، إلى أن عادت السلطات العمومية لتتحكم في زمام الأمور لاحقا، إلى تفشي حالة من القلق والتخوف في أوساط الكثير من الأسر، التي منها من منعت أبنائها بشكل كلّي ومطلق من الخروج إلى الشارع العام أو حتى للتوجه إلى المؤسسات التعليمية، بحسب تصريحات استقتها “الاتحاد الاشتراكي”، التي أكد أصحابها أن الكثير من الآباء والأمهات يضعون أياديهم على قلوبهم قلقا من أي حادث يمكن أن يقع والذي يمكن أن تتربع عنه تداعيات خطيرة، بعد ان انقلبت المعادلة رأسا على عقب وانتقل الحديث من الشطط في استعمال السلطة إلى الشطط في استعمال “الحرية”!
هذه التداعيات التي يتخوف منها العديد من المواطنين جعلت الكثيرين يدعون إلى تعزيز الحضور الأمني ليس من أجل الاحتكاك بالمحتجين السلميين أو مواجهتهم، وإنما للحفاظ على المنشآت والمرافق الحيوية التي تختلف طبيعتها والتي لها أدوار أساسية في يوميات المغاربة، أكانت أمنية أو خدماتية.

“جيل زيد” والمسؤولية المشتركة

في الساعات المتأخرة من ليلة الأربعاء الخميس، اجتمع ما بين 9 و 10 آلاف شاب من “جيل زيد” على منصة “ديسكورد” لمناقشة الأوضاع التي شهدتها عدد من مناطق المغرب في ارتباط بالأشكال الاحتجاجية التي دعت إليها هاته “الحركة” التي تبقى مجهولة وبدون قيادات معروفة. وعبّر عدد من المشاركين في مداخلات لهم عن تنديدهم بالفوضى وبالأحداث المأساوية، مقرّين بوجود مسؤولية مشتركة بين الجانبين، في إشارة إلى السلطات العمومية وإلى “جيل زيد” كذلك، معتبرين بأن الاحتجاجات لا يجب وبأي شكل من الأشكال أن تخرج عن طابعها السلمي أو أن يتم استغلالها لخلق الفوضى والعنف.
واعتبرت تدخلات تابعت “الاتحاد الاشتراكي” تفاصيلها بأن المرحلة الحالية تحتاج إلى خطاب العقل وإلى عقلاء، مع ضرورة تقييم حصيلة الأيام الأولى من الاحتجاجات، في حين دعا بعضهم إلى الانتقال من رفع المطالب الاجتماعية إلى تبني مطالب سياسية، وإلى محاسبة المفسدين أمام القضاء، مشددين في نفس الوقت في ارتباط بما وقع على أن الفقر والجهل والفقر والعلم لا يلتقيان. واعتبر بعضهم بأنه من المفيد فتح أبواب الحوار، مؤكدين على توخي الحذر والوفاء لـ “جيل زيد” والانفتاح على باقي مواقع التواصل الاجتماعي “التقليدية”، مع التشديد على أن الوفاء للوطن هو أكبر من أي شيء آخر، وعلى رفض استغلال الشباب في أي أجندة كيفما كان نوعها. وأصّر عدد من المتدخلين على مواجهة اليأس والتأكيد على أن جيل الوعي والكرامة، حسب الوصف الذي تم تقديمه، لا يقبل بالكذب وبالوعود الفارغة، مجددين استنكارهم للشغب الذي وقع وللاعتداء على عناصر القوات العمومي، الذين هم جزء لايتجزأ من أفراد الشعب المغربي.
هذا وبحسب بلاغ تم تقاسمه، فقد قررت حركة “جيل زيد” إلغاء الوقفات الاحتجاجية بعد الفوضى التي شهدتها عدد من المدن، ودعت كافة الشباب إلى عدم الخروج في أي مظاهرة في انتظار بلاغ يحدد تفاصيل استئناف الاحتجاجات لاحقا.

المنظمة تطالب بالوقف الفوري لـ “الملاحقات القضائية”

من جهتها وفي علاقة بالأحداث الاحتجاجية الأخيرة أكدت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان على موقفها الحقوقي بضرورة احترام حرية التجمع والتظاهر السلميين، باعتبارهما حقا من حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية والدستور المغربي، مشددة على ضرورة احترام القانون في فض التجمعات والتظاهرات والوقفات بما يضمن كرامة المحتجين/ات، مع الحرص على عدم تعريضهم/ن لأي تهديد يمس سلامتهم/ن البدنية أو النفسية، وعلى أن ممارسة الحق في الاحتجاج والتظاهر والتجمع لا يمكن التمتع به وممارسته كحق إلا في إطار احترام التعبير السلمي.
وأكدت المنظمة في بلاغ لها، رفضها كل أشكال العنف الممارس أيا كان مصدره، وكل الانحرافات والأعمال غير القانونية التي من شأنها أن تشكل تهديدا لاستمرارية المرافق العمومية أو الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مطالبة بالوقف الفوري لكل الملاحقات القضائية المرتبطة بالوقفات والاحتجاجات ذات الطابع السلمي، وبالإفراج الفوري عن الشباب الموقوفين على خلفيتها، مع الحرص على تمتيع كافة المتابعين بضمانات المحاكمة العادلة. كما طالبت المنظمة الحكومة بفتح قنوات الحوار الجاد والمسؤول مع كافة التعبيرات الشبابية، وتقديم أجوبة إجرائية، واضحة، وعاجلة تستجيب للمطالب الملحة في توفير الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وشغل، ودعت كذلك الإعلام العمومي إلى فتح المجال للأصوات الشبابية بمختلف تعبيراتها لتبليغ صوتها ورسالتها ومطالبها بكل حرية، معلنة عن أنها ومن منطلق رغبتها في تيسير إيجاد حلول سريعة وفعالة، فإنها قد قررت فتح أبوابها للشباب من أجل الاستماع إليهم، مضيفة بأنها تضع مقراتها رهن إشارة الشباب المحتج لتنظيم حوار يجمع كل الجهات المسؤولة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشباب.


الكاتب : وحيد مبارك / (عبد اللطيف الكامل ـ عبد المجيد النبسي ـ عبد الصمد الكباص )

  

بتاريخ : 03/10/2025