بعد نصف قرن، ومن قلب جنيف: جريمة طرد المغاربة من الجزائر لا تسقط بالتقادم

احتضن نادي الصحافة الدولية بجنيف، يوم الأربعاء 1 أكتوبر 2025، لقاء حقوقيا وإنسانيا أعاد إلى الواجهة واحدة من أعقد الملفات في العلاقات المغربية الجزائرية، ويتعلق الأمر بالطرد الجماعي والتعسفي لعشرات الآلاف من الأسر المغربية سنة 1975.
اللقاء، الذي بادر إلى تنظيمه التجمع الدولي لدعم الأسر المغربية المطرودة من الجزائر، جاء بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج وبشراكة مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وشكل مناسبة لتقديم تقرير شامل يوثق لهذه الجريمة ويعيد طرحها من منظور حقوقي وقانوني أمام أنظار الرأي العام الدولي.
هذا اللقاء، الذي أداره الفاعل الحقوقي عبد الرزاق الحنوشي، قدّم خلاله محمد الشرفاوي، رئيس التجمع الدولي، الخلاصات الأساسية للتقرير، والتي تناولت الجوانب التاريخية والقانونية والحقوقية للطرد التعسفي.
وأكد الشرفاوي أن ما جرى في خريف 1975 جريمة جماعية استهدفت آلاف المدنيين المغاربة الذين كانوا مقيمين بشكل قانوني وشرعي على الأراضي الجزائرية، قبل أن يُرحَّلوا قسراً في ظروف لا إنسانية، تاركين وراءهم ممتلكاتهم ومدخراتهم ومنازلهم وروابط حياتهم اليومية.
التقرير أشار إلى أن عملية الطرد الجماعي تمت بشكل فجائي ومهين، إذ جرى تجميع الأسر في حافلات وطُردوا إلى الحدود المغربية من دون سابق إنذار أو تعويض أو حق في الاعتراض. وقد خلف هذا التهجير القسري جروحاً عميقة على مستويات عدة: اقتصادياً، خسر المطرودون ممتلكاتهم وأراضيهم دون أي تعويض؛ اجتماعياً، تمزقت الأسر وتشتتت الروابط العائلية؛ ونفسياً، عاش الضحايا صدمات لا تزال آثارها قائمة بعد مرور نصف قرن.
ومن الناحية القانونية، شدد التقرير على أن الطرد الجماعي يشكل خرقا واضحا للمواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يحظر الطرد التعسفي ويضمن حق الأفراد في الأمان والسكن والعمل. كما يتعارض مع الاتفاقية الدولية لحماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، التي تنص على منع المعاملة اللاإنسانية والطرد الجماعي على أساس الجنسية. وانطلاقاً من هذه المرجعيات، اعتبر معدّو التقرير أن ما جرى يرقى إلى “جريمة مستمرة”، نظراً لاستمرار آثارها حتى اليوم، ما يجعلها غير قابلة للسقوط بالتقادم.
وفي هذا السياق، دعا التقرير إلى ضرورة تفعيل الآليات الأممية ذات الصلة، سواء من خلال مجلس حقوق الإنسان بجنيف أو عبر اللجان التعاقدية للأمم المتحدة، من أجل تحميل الدولة الجزائرية مسؤولية ما وقع والضغط باتجاه الاعتراف الرسمي بالانتهاكات وجبر الضرر المادي والمعنوي للضحايا. كما أوصى بفتح نقاش إقليمي حول إمكانية إحداث لجنة حقيقة وإنصاف مغاربية تعيد الاعتبار للضحايا وتضمن عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.
الحاضرون من ممثلي وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية توقفوا عند خطورة الطرد الجماعي باعتباره سابقة في المنطقة المغاربية، وأكدوا أن التزام الصمت تجاه هذا الملف لا يخدم ثقافة حقوق الإنسان بل يشجع على الإفلات من العقاب. وأجمعوا على أن مرور نصف قرن لم يُلغِ حاجة الضحايا إلى الاعتراف والإنصاف، بل زاد من عمق الجرح، وجعل من الضروري إعادة طرح الملف أمام المجتمع الدولي لإغلاقه بالعدل لا بالنسيان.
لقد كان لقاء جنيف مناسبة لتجديد الصرخة الحقوقية: إن الطرد الجماعي للمغاربة من الجزائر سنة 1975 جريمة لا تسقط بالتقادم، وملف لا يمكن طيه دون مساءلة وتعويض وإنصاف. إنها قضية إنسانية بامتياز، تتجاوز الحسابات السياسية وتضع أمام الضمير الدولي اختباراً حقيقياً لمدى التزامه بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان.


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 03/10/2025