جيل z الصور التي غيرتني

بدأ الأمر هكذا. عادة لا أهتم بالفايس بوك أو الإنستغرام. ضغطت على الزر. وما شاهدته أذهلني. منذ الصور الأولى. شرطي يدفع شابة. آخر يمسك بشابة من معصمها وهو يجرها. كهل يتساءل لماذا يعتقلونه لأنه يقف في الشارع. طفل صغير يسأل أمه هادو البوليس؟
جالس خلف مكتبي وأتابع الصور. لن يحدث لي شيء. بعيد عن الأمكنة التي تشهد هذه الأحداث. أشعر بانعدام الاطمئنان مع ذلك. كأنما ظلال متوحشة غزت الغرفة. صور أخرى. مراهق يقوده شرطيان وهو يلتفت خلفه وينادي على والدته. امرأة تفقد صوتها من كثرة الصراخ وهي ترى الشرطة تقود ولدها.
شعرت بصدمة الصور بداخلي. المكتب اهتز. جسدي ارتفع عن الكرسي قليلًا. بالقدر الذي يسمح بأن أقول شيء ما يقع. أشعر به بداخلي. شيء ما تغير. الصور القديمة: هجوم الشرطة. السطافيت. الشعارات. الاعتقالات. الصور الجديدة: شاب يتساءل لماذا صفعه الشرطي. ويكاد يجهش بالبكاء. شاب يحتضن طفلة في شهرها الخامس عشرة، وتحدق في شرطي يقودهما إلى السطافيت. يد تحتج. يد واحدة. يعيدها الشرطي إلى داخل السيارة وتظهر من جديد وهي تحتج. يدفعها الشرطي بعنف ولا تحتفي. أربعة من رجال الأمن يحملون شخصًا. يرفعونه عاليا وهم يركضون. كأنما يحملونه إلى الباطوار ليموت حلالًا.
تغيرتُ. الصور غيرتني. لم أعد نفس الشخص. أرى أشياء لم أكن أراها. ضوء الشاشة مثلًا. متوهج أكثر مما كان. متوهج بشكل غريب. كأنما ليجعل الصور أكثر حدة. أو ربما إن الصور تصرخ بطريقتها. صراخها هو ضوءها الصاعق. التغيير لم يصب داخلي فحسب. أصاب كل ما يشكّل هويتي العميقة. لدرجة أنني تمنيت أن يغم الظلام الغرفة. ومع الظلمة تختفي الصور. لا، الصور تتعاقب. قوية. صادمة مثيرة للفزع. وللغضب. ما تمناه ذلك المراهق الذي صفعه الشرطي بلا سبب هو أن يسافر إلى الخارج.
أشعر بالخجل أيضًا. لا عزاء. لا مواساة. حتى الدموع لا تنفع. وماذا سيحدث الآن؟ العالم تبدل. حل محل السطوة القديمة سطوة جديدة. مجانية. بلا هدف. أو بهدف آخر. زعزعة السلة حتى ما يظهر ما في القاع. لا شيء في القاع غير الخراب والغبار والهباء.

 


الكاتب : يوسف فاضل

  

بتاريخ : 04/10/2025