اللجنة السياسية
مشروع الوثيقة السياسية
اعتبارا للسياق التاريخي الذي نشأ فيه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والذي كان تعبيرا واضحا وصريحا عن حاجة مجتمعية من أجل حزب سياسي تقدمي حداثي، يناضل من أجل بناء دولة القانون، ويسعى لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية، ويعمل من أجل سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ويجعل المصلحة العامة ومصلحة الوطن في مقدمة أولوياته وفوق كل الاعتبارات الأخرى؛
واعتبارا لكون المحطة الحزبية الحالية تتزامن مع الذكرى السادسة والستين لتأسيس الحزب، ومع مرور نصف قرن على التقرير الإيديولوجي الذي اعتمده المؤتمر الاستثنائي للحزب لإعلان نضاله المؤسساتي من أجل تحقيق الديمقراطية والتنمية، ومع انصرام أكثر من ربع قرن على تجربة حكومة التناوب التوافقي التي قادها الحزب، وهو ما يتطلب تعزيز التراكمات التاريخية للمسار الحزبي وتطوير التصورات السياسية بما يستجيب للتحولات التي شهدها المجتمع المغربي؛
واستحضارا للأدوار التاريخية التي لعبها حزبنا، والتي تميزت بقيادته لمسيرة النضال الديمقراطي، ولمطالب الإصلاح الدستوري، ولتحقيق العدالة الانتقالية، ولإرساء التناوب الديمقراطي، ولتكريس الدولة الاجتماعية؛
وتقديرا لأهمية ودقة المرحلة الراهنة التي يعيشها بلدنا والعالم والتي تتميز باللايقين، وبعدد من التفاعلات الجيو-استراتيجية، وبالكثير من التحديات والرهانات؛
وتأكيدا من اللجنة السياسية بأن المحطات التنظيمية عبر تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليست فقط مناسبة لتجديد الهياكل والأجهزة القيادية، وإنما هي أيضا فرصة لتحيين وتطوير الوثائق والأدبيات الحزبية والتي تشكل أساس المرجعية السياسية للحزب والمنطلق في بلورة خطابه السياسي وصياغة برامجه الانتخابية؛
وإذ يستحضر التراكمات الإيجابية التي حققها حزبنا عبر مختلف مؤتمراته الحزبية، ويستحضر المساهمات القيمة للقادة التاريخيين للحزب ولجميع مناضلاته ومناضليه، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يظل انطلاقا من هذه المحطة التاريخية المهمة منفتحا بشكل كبير على كل التطورات الفكرية والسياسية والحقوقية والدستورية التي تعرفها بلادنا، بنفس المسؤولية والجدية التي طبعت مساهماته المعتبرة إلى جانب القوى الوطنية الحية في العديد من المحطات. كما سيظل يقظا في تعاطيه مع التطورات المتسارعة للعالم ومع التغيرات السياسية الإقليمية.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يواصل مساره الحزبي النضالي للمزيد من الحرية والعدالة والتضامن، يضع هذه الوثيقة السياسية التي تؤطرها فكرة مركزية تتمثل في تجديد الفعل السياسي وجعله فعلا مواطنا مبنيا يستهدف أساسا خدمة المصلحة العامة تماشيا مع مرجعية الاتحاد الاشتراكي التي تؤمن بأن الوطن أولا ودائما. وهو ما يتطلب طرح القضايا الأساسية في المشهد السياسي والمجتمعي الراهن، سواء تعلق الأمر بترصيد المكتسبات الديمقراطية وتعزيز الإصلاحات الدستورية وتطوير البناء المؤسساتي والمنظومة التمثيلية، أو تعلق الأمر بتقوية مرتكزات الدولة الاجتماعية ودعم الحقوق والحريات والتفعيل الأنجع للجهوية المتقدمة.
- الإصلاحات الدستورية والبناء الديمقراطي ترصيدا للمكتسبات ورفعا للتحديات:
بالنظر لأهمية الدستور باعتباره التجسيد الديمقراطي للتعاقد السياسي وللعقد الاجتماعي، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يؤكد على أهمية المكتسبات التي تحققت مع الوثيقة الدستورية لسنة 2011، ويسجل باعتزاز كبير ما حققته بلادنا في مجال الإصلاحات الدستورية والسياسية والتي نتج عنها تعزيز مجال الحقوق والحريات، وتكريس دعامات الديمقراطية التمثيلية، وإقرار آليات الديمقراطية المواطنة والتشاركية، وإقرار مبادئ الحكامة الجيدة. كما يثمن المقتضيات المتعلقة بتعزيز مبدأ الفصل بين السلط، وتقوية صلاحيات البرلمان، وتعزيز مكانة رئيس الحكومة والسلطة التنفيذية، والنص على استقلالية السلطة القضائية ووضع الضمانات اللازمة لتفعيل هذه الاستقلالية.
لكن على الرغم من التقدم الكبير المسجل على مستوى الوثيقة الدستورية، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يسجل المفارقة بين الروح القوية للدستور والترجمة الفعلية للمقتضيات الدستورية، خاصة أمام التحديات المطروحة في المتصلة باستكمال بناء دولة القانون وإقامة فصل السلط وترسيخ دعامات الديمقراطية. ويسجل أيضا عدم تفعيل مجموعة من المقتضيات الدستورية منها ما يتعلق بالدفع بعدم الدستورية، وعدم إخراج مجموعة من مؤسسات الحكامة لحيز الوجود على الرغم من صدور القوانين المتعلقة بها، وعدم وضع تدابير قانونية تضمن مشاركة فعلية لمغاربة العالم في الانتخابات. كما يسجل التأخر الكبير في تفعيل مجموعة من المبادئ الدستورية من قبيل مبدأ المناصفة، وعدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتطبيع مع تضارب المصالح والإثراء غير المشروع والمنافسة غير النزيهة ضدا على أحكام الدستور.
وإذ يسجل عدم احترام والتزام مجموعة من الفاعلين بمقتضيات الدستور وتأويله بشكل غير ديمقراطي الأمر الذي يتعارض مع روح الدستور، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يثير الانتباه إلى مخاطر هذه الاختلالات وانعكاسها بشكل سلبي على التوازن والتكامل بين المؤسسات من جهة، وعلى صيانة التعددية السياسية من جهة ثانية.
لقد نبهنا في الاتحاد الاشتراكي إلى أن الوضع السياسي الوطني الذي طبعه التغول في بداية تشكل الحكومة، وطبعته ممارسة سياسية مجحفة استهدفت إضعاف العمل المؤسساتي، بات يشي باستهداف المسار الديموقراطي، مدعوما بالكثير من الكيانات الانتهازية المتغولة مما يفرض بلورة الجواب الجدير بأن يعيد التوازن إلى العمل المؤسساتي بين البرلمان وبين الحكومة ومؤسسات الحكامة من جهة، وبين الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى، وهو وضع يستشعر الاتحاد أنه ملازم عادة لثقافة التردد والارتعاش التي يعرفها المشهد السياسي، والذي قد يزيد من تقويض المؤسسات الدستورية وفي تعميق الفجوة وعدم الثقة بينها وبين المواطن، ويعطل الأداء المؤسساتي الدستوري والعمل بأدوات المراقبة من قبيل ملتمس الرقابة ولجن تقصي الحقائق، كآليات اشتغال لدى البرلمان والمعارضة خصوصا.
لقد تابعنا كيف سعت المكونات المشكلة للتحالف الحكومي على المستوى المركزي، وفي الجهات والأقاليم والعمالات والجماعات إلى تكريس منطق الهيمنة والتحكم، رغم انعدام التجانس بين هذه المكونات وتعارض مصالحها في العديد من الأحيان. وقد أدى هذا الوضع المختل، على المستوى الجهوي والمحلي، إلى بروز تناقضات وصراعات عرقلت السير العادي في المؤسسات المنتخبة، مما أدى في الكثير من الأحيان إلى تعطيل العملية التنموية وعرقلة الأداء العمومي لخدمة مصالح المواطنات والمواطنين. وأصبحنا نلاحظ إثقال كاهل الإدارة الترابية من خلال توليها تدبير تناقضات الأغلبية في الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، بدل التفرغ لاختصاصاتها ومهامها المنصوص عليها قانونا.
إن هذه الممارسات المعاكسة لروح الدستور، جعلتنا في الاتحاد نعلن خشيتنا على وطننا من التغول السياسي خوفا من توظيف المؤسسات لضرب التوازن المؤسساتي وتكريس منطق الحزب الوحيد بنظام شمولي يتضمن ثلاثة أحزاب ضدا على المقتضيات الدستورية والديمقراطية والتي أسس لها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني منذ الدستور الأول للبلاد، والتي ناضل من أجلها المغاربة، وعلى رأسهم مناضلاتنا ومناضلينا.
من جهة أخرى، يسجل الاتحاد الاشتراكي إصرار المؤسسة التنفيذية على تحجيم دور المؤسسة التشريعية والرقابية، إذ عرفت الولاية الحكومية الحالية تعطيلا واضحا للمنطق اﻟﺪﺳﺘﻮري الذي يقر بضرورة مساءلة ومحاسبة البرلمان للحكومة. فرغم أن اﻟﺪﺳــﺘﻮر أﻗــﺮ آﻟﯿﺘــﯿﻦ ﻣﺮﻛــﺰﯾﺘﯿﻦ ﻓــﻲ اﻟﻌﻼﻗــﺔ ﺑــﯿﻦ اﻟﺴــﻠﻄﺘﯿﻦ اﻟﺘﻨﻔﯿﺬﯾــﺔ واﻟﺘﺸــﺮﯾﻌﯿﺔ، هما اﻟﻤﺴــﺎءﻟﺔ اﻷﺳــﺒﻮﻋﯿﺔ ﻟﻠــﻮزراء، والشهرية ﻟــﺮﺋﯿﺲ اﻟﺤﻜﻮﻣــﺔ، ﻓــﺈن اﻟﺤﻜﻮﻣــﺔ أﻣﻌﻨــﺖ ﻓــﻲ تعطيلهما.
لقد سجل المتتبع للحياة السياسية والبرلمانية الوطنية، ﻏﯿﺎب رﺋﯿﺲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﻦ العديد ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺴﺎت الشهرية، ﻓﻲ ﺧﺮق واﺿﺢ للفصل 100 ﻣﻦ اﻟﺪﺳﺘﻮر، ﺑﻤﺎ ﯾُﻔﺮغ اﻟﻤﺴﺎءﻟﺔ ﻣﻦ مضمونها، وﯾﻜﺮس ﻣﻨﻄﻖ اﻹﻓﻼت ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ، إﺿﺎﻓﺔ إلى أن ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻤﺴﺎءﻟﺔ الشهرية يتم تحديده ﺣﻀﺮﯾﺎ ﺑﯿﻦ رﺋﯿﺲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وأﻏﻠﺒﯿته، ﻣﻤﺎ حولها إلى ﺟﻠﺴﺔ اﺳﺘﻌﺮاﺿﯿﺔ ﻋﻮض أن ﺗﻜﻮن بروح اﻟﺪﺳﺘﻮر ﻣﺤﻄﺔ ﻟﻠﻤﺮاﻗﺒﺔ واﻟﻤﺴﺎءﻟﺔ.
كما تم تسجيل الغياب المقصود للوزراء ﻋﻦ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻤﺴﺎءﻟﺔ اﻷﺳﺒﻮﻋﯿﺔ، وإلا كيف يتم تفسير أن بعضهم لم يحضر نهائيا لأي من الجلسات. ﻓﻀﻼ عن أنه رﻏﻢ ﺑﺮﻣﺠﺔ اﻟﺠﻠﺴﺎت ﺑﺎﻟﺘﻨﺎوب ﺑﯿﻦ اﻷﻗﻄﺎب اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ، فإن ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻐﯿﺎب اﻟﻘﻄﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﻄﺐ ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﻨﺼﻒ.
ورغم أن دﺳﺘﻮر اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﯾﻨﺺ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﻼل اﻟﺴﻠﻂ وتعاونها، وأن اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺠﻨﺎﺋﯿﺔ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﺧﺘﺼﺎص اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ واﻟﺘﻲ ﯾﺠﺐ أن ﺗﺮاﻗﺐ ﻣﻦ طﺮف اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن، إلا أنه ﻣﻨﺬ ﺗﻮﻟﻲ هذه اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ واﻟﺒﺮﻟﻤﺎن اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺻﻼﺣﯿﺎته ﻓﻲ اﻻطﻼع ﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺠﻨﺎﺋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺤﺪدها اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وﻛﺬا ﻓﻲ مراقبتها وﺗﺘﺒﻊ أشغالها. وﯾُﻼﺣﻆ أﺣﯿﺎﻧﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ اﻟﻘﻀﺎﺋﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺸﺮﯾﻊ سواء ﺑﺎﻟﺘﺼﺮﯾﺤﺎت أو ﺑﺈﺻﺪار ﺑﯿﺎﻧﺎت، أو ﺑﺘﻌﻠﯿﻤﺎت ﻗﺪ ﺗُﻘﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺎت اﻟﺤﻘﻮﻗﯿﺔ ﻓﻲ هذا الإطار.
أضف إلى ذلك اﻻرﺗﺠﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ ﺗﺪﺑﯿﺮ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﻤﻮﻣﯿﺔ، وخاصة خرق ﻣﻘﺘﻀﯿﺎت اﻟمادة 60 ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺘﻨﻈﯿﻤﻲ ﻟﻠﻤﺎﻟﯿﺔ ﺑشأن ﻓﺘﺢ اﻋﺘﻤﺎدات إﺿﺎﻓﯿﺔ دون ﻣﺒﺮر واﺿﺢ ﻟﻠﻀﺮورة اﻟﻤﻠﺤﺔ. ﻓﻲ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﺧﻄﯿﺮة، ﺻﺎدﻗﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﯾﻮم 24 أﺑﺮﯾﻞ 2025 ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺳﻮم ﺑﻔﺘﺢ اﻋﺘﻤﺎدات إﺿﺎﻓﯿﺔ، وأﺧﺒﺮت اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن ﺑﺬﻟﻚ ﺑﻌﺪ أرﺑﻌﺔ أﯾﺎم، ﻓﻲ ﺧﺮق ﻟﻠﻤﺎدة 60 ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺘﻨﻈﯿﻤﻲ ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﺮط اﻹﺧﺒﺎر اﻟﻤﺴﺒﻖ ﻟﻠﺠﻨﺘﯿﻦ اﻟﻤﺎﻟﯿﺘﯿﻦ ﺑﻤﺠﻠﺴﻲ اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن. ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺪم اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أي ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﻋـﻦ ﺗﻠﻚ اﻻﻋﺘﻤﺎدات أو الجهات اﻟﻤﺴﺘﻔﯿﺪة منها.
لكل ذلك، يؤكد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأن هذه الاختلالات تفرض علينا اليوم بلورة الجواب الجدير بأن يعيد التوازن إلى العمل المؤسساتي بين البرلمان وبين الحكومة، وبينهما وبين مؤسسات الحكامة من جهة، وبين الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى. الأمر الذي يجعلنا، في نهاية التحليل، نؤكد على ضرورة بناء جبهة سياسية وطنية من أجل ترسيخ الخيار الديموقراطي التنموي، وحماية التوازن المؤسساتي، وصيانة التعددية السياسية ببلادنا.
وأمام الوضع المختل الذي أشرنا إليه أعلاه، وبعد مرور 14 سنة على دستور 2011، يحق التساؤل اليوم بخصوص مدى تحقيق الأهداف المتوخاة منه وتقييم المنجز الدستوري من أجل تجاوز الثغرات أو الصعوبات التي كشفت عنها الممارسة. وفي هذا الصدد، يؤكد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على أن ورش الإصلاح الدستوري هو ورش مستدام، ينبغي أن يتواصل بتوافق مع المؤسسة الملكية، بهدف الوصول لإقرار ملكية برلمانية تميز النموذج الديمقراطي المغربي، وتعزز المسار السياسي والديمقراطي والحقوقي ببلادنا.
كما أن الممارسة، منذ إقرار دستور 2011، أظهرت أن بعض المواد والمقتضيات يلزمها تعديلات لما تسببه من لا توازن مؤسساتي، وهو ما يتطلب القيام بمراجعة تستهدف ترسيخا أكبر للتوازن والتكامل بين مختلف المؤسسات، وضمان استقلالية أقوى للسلط، وتكريس نجاعة العمل البرلماني وآلياته الرقابية. ويعتبر الاتحاد بأن ورش الإصلاح الدستوري يجب أن يتمحور أيضا حول تعزيز استقلال القضاء، ووضع ضمانات ملزمة لتحقيق المساواة وتعزيز المناصفة، ومحاربة تضارب المصالح، والفصل بين السياسة والمال، وتطوير الديمقراطية من خلال ضمانات أكبر لتحقيق النزاهة الانتخابية ولتعزيز الديمقراطية التشاركية والمواطنة.
- مراجعة المنظومة الانتخابية لكسب رهان الممارسة الديمقراطية
اعتبارا لأهمية الانتخابات كدعامة رئيسية للديمقراطية ووسيلة للتداول السلمي على المشاركة في الحكم وممارسة السلطة، يؤكد الحزب على أهمية الوقوف على التأطير القانوني للانتخابات وعلى الشروط السياسية المؤطرة لها وأدوار مختلف الفاعلين في أفق الوصول إلى انتخابات نزيهة وشفافة وأكثر تنافسية في إطار احترام جميع الضوابط القانونية التي من شأنها تطوير المشاركة السياسية وتعزيز الثقة في الفاعلين السياسيين وفي المؤسسات المنتخبة.
وفي هذا الخصوص، يسجل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأنه على الرغم من المراجعات التي شهدتها القوانين الانتخابية، فإنها لا تتجاوب مع متطلبات المرحلة الراهنة، حيث ينبغي إقرار منظومة انتخابية جديدة تعزز المشاركة الانتخابية، وتحقق التنافسية النزيهة.
إن الاتحاد الاشتراكي، إذ يظل مصرا على ضرورة الاحتكام إلى روح الدستور وإعادة التوازن إلى العمل المؤسساتي بين البرلمان وبين الحكومة ومؤسسات الحكامة من جهة، وبين الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى، يؤكد من جديد بأن بلادنا لن تكون عادلة قوية إلا بمؤسساتها المتوازنة والمتكاملة: حكومة قوية، برلمان قوي بأغلبيته ومعارضته، قضاء نزيه، مؤسسات ناجعة للحكامة الجيدة، ومؤسسات ترابية وتمثيلية فاعلة ومتناغمة.
إن تقوية المؤسسات لن تتم إلا بإعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة من خلال مراجعة المنظومة التشريعية الانتخابية بما يمكن بلادنا من كسب تحديات التنمية وتعزيز البناء الديمقراطي. وفي هذا الصدد، ما فتئ الحزب يدعو الحكومة إلى ضرورة فتح النقاش بخصوص مراجعة مدونة الانتخابات على مسافة معقولة من استحقاقات 2026، دون تسجيل أي تفاعل بهذا الخصوص على الرغم من اقترابها.
ولذلك، يقر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمسؤولية السياسية للحكومة عن التقاعس والتماطل في فتح ورش إصلاح المنظومة الانتخابية والتمثيلية، من أجل إدخال التعديلات اللازمة لإقرار منظومة تمثيلية قادرة على إفراز مؤسسات منتخبة نزيهة، وضمان مصالحة المواطن مع الشأن المحلي والعام، وترسيخ ثقته في المؤسسات والعمل السياسي.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي ناضل وقدم التضحيات من أجل إقامة صرح الديمقراطية ببلادنا، يعي جيدا، أن التدخل التنموي للدولة المركزية، قد يكون غير كاف للإحاطة بجميع المجالات التنموية، وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا. لذلك يعتبر أن التدخل المركزي للدولة إذا كان مسألة جوهرية في بداية الحصول على الاستقلال، من أجل توحيد التوجهات العامة لسير بلادنا، من خلال الدولة بإداراتها ومؤسساتها ومقاولاتها العمومية، فإن التدبير المركزي اليوم ينبغي أن يقابله تدبير لامركزي. فبالموازاة مع ممثلي الدولة، ينبغي أن يكون للمواطنين أيضا ممثليهم الذين يتدخلون باسمهم، أي بثنائية التدبير المركزي والتدبير اللامركزي التي يعبر عنها بالتدبير عن طريق موظفين وأعوان معينين والتدبير عن طريق مستشارين منتخبين.
وقد ناضل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من أجل لامركزية حقيقية، قائمة على منح صلاحيات فعلية للهيئات المنتخبة التي كانت تسمى بالجماعات المحلية، الحضرية والقروية، إذ ساهم حزبنا في أول انتخابات جماعية، حضرية وقروية بتاريخ 29 ماي 1960، حصل فيها على المرتبة الثانية من خلال 30 ٪ من الأصوات، أي 23 ٪ من المقاعد.
ورغم الظروف الصعبة آنذاك، تمكن الاتحاد الاشتراكي من الدفع في اتجاه ميثاق جماعي جديد يحل محل قانون 1960 الذي أصبح متجاوزا بفعل التغيرات المتلاحقة، وتم إقرار ميثاق جماعي جديد بتاريخ 30 شتنبر 1976، وهو الميثاق الذي عمر لفترة طويلة كان الأساسي فيها هو بداية ظهور ملامح اللامركزية الإدارية ببلادنا، رغم هيمنة السلطة المركزية عن طريق نظام الوصاية.
ومن محطة إلى أخرى، تطور عدد المستشارين الاتحاديين بشكل مهم جدا، ساعده في ذلك، نظام الاقتراع الذي كان يربط علاقة مباشرة بين الناخب والمنتخب، مما جعل من حزبنا نموذجا للتنظيم المنسجم. إلا أن التطورات اللاحقة كانت في اتجاهين متناقضين، إذ بقدر ما تم إدخال تعديلات مهمة على الميثاق الجماعي قصد تطويره من حيث التنظيم والصلاحيات، بقدر ما تم الشروع في اعتماد تقنيات وأساليب تبعد الاتحاد الاشتراكي عن تدبير المدن الكبرى التي كان يسيرها. كما تم تغيير أسلوب الاقتراع، بشكل فك الارتباط بين الحزب والناخب والمنتخب، وأصبحت النتائج في غير صالحنا.
ورغم تركيزه على الجماعات المحلية باعتبارها الخلية القاعدية للتنظيم اللامركزي، فإن حزبنا ما فتئ يسجل التخلف الذي كانت تعرفه مجالس العمالات والأقاليم منذ قانون 1963، ومجالس الجهات منذ إحداث الجهات الاقتصادية السبعة سنة 1971. وكان لا يكل من المطالبة بتطوير نظام اللامركزية الإدارية ببلادنا، وجعله أكثر انسجاما، ومنحه صلاحيات مستقلة غير خاضعة للوصاية، حتى تمتلك حرية المبادرة للمساهمة الإيجابية في التنمية المحلية. إلا أنه، مع كامل الأسف، سارت التجربة الاتحادية في اتجاه مغاير.
ومع دستور 2011، صدرت مقتضيات متقدمة جدا في مجال اللامركزية الترابية، وتم تخصيص الباب التاسع بأكمله للجماعات. وهكذا تم تجاوز ذلك التقسيم بين الجماعات الحضرية والقروية، والذي لم يكن له أي مبرر، كما أنه تم وضع مقتضيات واضحة تقوم على مبدأ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، بما يسمح للجماعات المختلفة بالمشاركة الفعلية في تدبير شؤونها، بل أن الجماعات الترابية أصبحت لها اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة، مع تمتيعها، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، بسلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها. لكن مع الأسف مرة أخرى، لم تكن القوانين التنظيمية في المستوى المطلوب.
وقد ساهم الاتحاد الاشتراكي خلال مناقشة هذه النصوص المتعلقة بالجهات، والعمالات، والأقاليم، والجماعات، بعشرات المقترحات التي كانت تستهدف إرساء دعائم جماعات تساير الأوراش الكبرى التي يقودها صاحب الجلالة؛ والتي جعلت من بلدنا ورشا مفتوحا على المستقبل، تطلب تظافر كل الجهود، لإنجاح العملية التنموية الشاملة.
إن الجماعات الترابية، بمختلف مستوياتها مكون أساسي في العملية التنموية، وهو ما يتطلب الانسجام بين مكونات الأغلبية التي تقودها، ليس من حيث تجميع أحزاب سياسية لتكوين أغلبيات معينة للهيمنة، ولكن الانسجام يكون بجماعات تدبرها أحزاب سياسية ذات برامج حزبية متقاربة وتصور تنموي واضح، يندرج ضمن توجهات السياسة العامة للدولة. ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، فإننا نعتبر أن تشكيل هذه الأغلبيات المنسجمة، يتطلب إعادة النظر في المنظومة الانتخابية، وخاصة من زاوية أسلوب الاقتراع.
لقد كانت بلادنا تعتمد أسلوب الاقتراع الفردي الإسمي في دورة واحدة، وأعطى كل النتائج المرجوة منه، لولا أن توسع دائرة التزوير آنذاك، وتدخل السلطة وسماسرة الانتخابات في العملية الانتخابية، وابتداع أساليب للضغط على الناخبات والناخبين من خلال نظام الألوان الذي كان معمولا به، دفعنا في الاتحاد الاشتراكي إلى البحث عن أساليب جديدة.
وبهذا الخصوص، طرح حزبنا الورقة الفريدة في التصويت، ودافع عن أسلوب الاقتراع اللائحي، كخطوة نحو القضاء على أي مظهر من مظاهر تزوير النتائج، ورفع الحرج عن الناخب من خلال أسلوب الورقة الفريدة للتصويت. وقد حصل تطور مهم بهذا الخصوص، لدرجة أنه يمكن القول الآن، أن أسلوب الاقتراع اللائحي، قد استنفذ دوره بالنسبة للجماعات والمقاطعات.
إن العلاقة المباشرة بين الناخب والمنتخب لعبت دورا مهما في تطوير العمل الجماعي، حيث إن العلاقة بين الطرفين، تجعل الناخب قادرا على متابعة أعمال المنتخب، كما تجعل هذا الأخير ملزما بتلبية حاجيات الساكنة التي يقطن وسطها.
وبهذه الطريقة، كانت المسؤوليات واضحة، ليس فقط على مستوى الجماعة، بل أيضا على مستوى العلاقات الحزبية، حيث كان المنتخب يعمل باستمرار على تطوير الأداة الحزبية التي تحافظ له على ناخبيه على مستوى الدائرة الذي يتقاسمها معهم؛ وبذلك، تطور التنظيم الحزبي، وأصبح أكثر اطلاعا وإدراكا لمشاكل المواطنات والمواطنين.
إلا أن أسلوب اللائحة، غير من هذه المعطيات، وبشكل سلبي، حيث انفك الارتباط بين الناخب والمنتخب أولا على مستوى الدائرة الانتخابية، قبل أن ينتقل إلى فك الارتباط بينهما وبين التنظيم الحزبي. كما أنهى كل وساطة بين الإدارة والمواطنين، خاصة في وقت الأزمات.
لكل ذلك، يدعو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى العودة لنظام الاقتراع الفردي بالنسبة للجماعات والمقاطعات بما يضمن المحافظة على وحدة المدن، وعلى تمثيلية النساء.
فبالنسبة للجماعات غير المقسمة إلى مقاطعات، فالرجوع للاقتراع الفردي لا يطرح أي إشكالات، مع تسجيل أننا ندعو للمحافظة على مكتسبات النساء، بل وتدعيمها لتحقيق تطلعات نساء المغرب التي دافعن ويدافع الاتحاد الاشتراكي عنها.
أما بالنسبة للجماعات المقسمة إلى مقاطعات، وبما أنه يتم انتخاب الصنفين معا في نفس اللائحة، يدعو الاتحاد إلى أن يكون الترشيح على مستوى المقاطعات فرديا، وبالتالي ينطبق عليه نظام الاقتراع الفردي؛ وأن يكون الترشيح على مستوى مجلس الجماعة لائحيا وفق الأسلوب الحالي. وهكذا، سيكون الناخب أكثر حرية في اختياراته: يختار مرشحا من بين مرشحي المقاطعة، ولائحة ضمن لوائح الترشيح لمجلس الجماعة.
إن هذا الأسلوب سيقوي العلاقة أولا بين المرشحين على المستوى الفردي لنيل مقعد في مجلس المقاطعة، وبين اللوائح التي سيدافعون عنها على مستوى مجلس الجماعة. وهو ما سيقوي الروابط بين الناخب والمنتخب من جهة، وبين المنتخب واللائحة الحزبية التي سيدافع عنها أو ينتمي للحزب الذي رشحها.
وهكذا، تصبح الجماعة، باعتبارها اللبنة الأساسية للتنظيم الترابي، جماعة قائمة على التعبير المباشر عن إرادة الناخبات والناخبين على مستوى كل الجماعات والمقاطعات، لتبقى فقط مجالس الجماعات المقسمة لمقاطعات، وحدها التي تنفرد بالاقتراع اللائحي.
المستند في ذلك أن دستور 2011 في فصله السابع، جعل الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وعلى تعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام. لكن، كيف يمكن أن يتأتى ذلك والأحزاب السياسية لا تمتلك سلطة قرب المنتخب من المواطنات والمواطنين، مادام أن نظام اللائحة يباعد بينهم؟ وكيف سيتم إقناع المواطنات والمواطنين بالانخراط في العمل السياسي، وهم بعيدون عن منتخبيهم؟ وكيف نقرب العمل الحزبي من المواطنات والمواطنين وهم يرون البعد الحاصل بينهم وبين منتخبيهم في الدائرة الانتخابية التي يقطنون بها؟
والأكثر من هذا، فإن الأحزاب السياسية وفق الفصل السابع من الدستور دائما، “تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين”، والحال أننا نفرض عليهم لوائح قد لا تضم أي مرشح قريب من محل سكناهم.
إن أسلوب الاقتراع الحالي على مستوى الجماعات والمقاطعات، لا يسمح عمليا للأحزاب السياسية بالتعبير الأمثل عن إرادة الناخبين، وأن الاقتراع الفردي كفيل بسد هذه الثغرة.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كان، وسيظل، مطالبا بالتطبيق السليم لمقتضيات الدستور؛ ويعتبر أن الفرصة مواتية في اللحظة الراهنة لفتح نقاش موسع حول كل المنظومة التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، سواء على مستوى المنظومة الانتخابية ككل، أو على مستوى القوانين التنظيمية الأربعة: القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء الجماعات الترابية، والقوانين التنظيمية لكل من الجهات، والعمالات والأقاليم، والجماعات والمقاطعات.
وبالنسبة للاستحقاقات النيابية التي سيحل أجلها في سنة 2026، فإن الاتحاد الاشتراكي، رغم دعوته إلى ضرورة فتح حوار صريح ونزيه حولها منذ مدة خلت، يستغرب عدم تجاوب الحكومة مع مطالبنا وحرصها على حصر المعلومة والإجراء بين مكوناتها، أي بين التغول، خاصة وأن التنسيقات التي تمت بالنسبة لبعض الانتخابات الجزئية أكدت أنهم ماضون إلى الانتخابات القادمة وكأنهم حزب واحد بمرشح واحد، وهو ما يهدد الديمقراطية في بلادنا، خاصة إذا ما ربطنا ذلك بتدبيرهم وتسييرهم لكل الجماعات الترابية: جهات وأقاليم وعمالات وبلديات وجماعات قروية، بل وحتى غرف مهنية. الشيء الذي سيمكنهم من امتياز كبير على باقي الأحزاب في المشهد السياسي.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية متمسك بمطلبه المتعلق بالعودة إلى خلق إطارات للمصاحبة وطنيا من خلال اللجنة الوطنية للانتخابات، ومن خلال اللجان الجهوية والإقليمية والمحلية المخصصة لهذا الغرض. ولذلك، فإن الإشراف على الانتخابات من طرف وزارتي العدل والداخلية فقط تأكد عدم جدواه، وشهد شاهد من أهلها في ما حكاه وزير العدل السابق حماية لمصالح حزبه آنذاك في الوقت الذي لم يستطع الاتحاد الاشتراكي أن يضمن حق ترشيح أحد أعضائه والذي أبلغ في شأنه كلا من وزيري الداخلية والعدل بأن الشكاية المقدمة في حقه شكاية كيدية الهدف منها إقصاء الاتحاد من الترشيح، وهو ما أكدته الأحداث باعتقاله أثناء فترة الترشيح لمنعه من حقه في الترشح، والإبقاء علية رهن الاعتقال طيلة الحملة الانتخابية وعدم الإفراج عنه إلا بعد انتهائها وانتخاب الرئيس والمكتب بحكم بالبراءة.
كما يوكد الاتحاد الاشتراكي على ضرورة الصرامة في وقف استغلال التحالف المتغول لوسائل الدولة من سيارات تابعة للإدارات العمومية والجماعات الترابية أو عربات وآليات لخدمة الأجندة الانتخابية.
أما بالنسبة للانتخابات المهنية، فإن الغرف المهنية الأربعة ببلادنا، تقوم بتأطير ستة (6) قطاعات تشكل جوهر الاقتصاد الوطني. ويتعلق الأمر بالصناعة، والتجارة، والخدمات، والفلاحة، والصناعة التقليدية، والصيد البحري. ولا يخفى أن هذه المجالات ينبغي أن تتظافر الجهود بخصوصها، قصد الاستفادة من مساهمات كل الأطراف.
لكن الملاحظ هو الإقصاء لهذه الغرف من المساهمة الفعلية في العملية التنموية؛ لا لشيء إلا لأنها – على غرار الجماعات الترابية – تضم منتخبين ومنتخبات، يتم اختيارهم بالاقتراع وليس عن طريق التعيين؛ منتخبين ينتمون إلى أحزاب سياسية في أغلب الحالات، وبالتالي يدافعون عن برامج سياسية حزبية.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يرى أنه من المستعجل إعادة النظر في المنظومة التشريعية والتنظيمية المؤطرة للغرف المهنية الأربعة.
فعلى مستوى تشكيل هذه الغرف المهنية الأربعة، ينبغي إدخال المزيد من الشفافية على العملية الانتخابية؛ وينبغي أن يتم ذلك بنفس المقتضيات التي تؤطر الاستحقاقات الأخرى.
إن القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات، رغم أنه قد أدخلت عليه تعديلات متعددة منذ سنة 1997 إلى الآن، إلا أننا في حاجة إلى نص منسجم ومتكامل يحل الإشكالات القانونية الواقعية التي ما زالت قائمة لحد الآن:
فكيف يمكن تصور أن كل ما يتعلق بالجماعات الترابية، بما فيها النظام الانتخابي، قد نظمها دستور 2011 بمقتضى قوانين تنظيمية؛ وأنه تم إلغاء كل المقتضيات المتعلقة بها من مدونة الانتخابات؛ في الوقت الذي ما زالت فيه هناك بعض المقتضيات المتعلقة بالجماعات الترابية سارية المفعول لحد الآن؟
وتكفي الإشارة إلى أن مدونة الانتخابات، ما زالت تحمل عنوانا فرعيا تحت اسم: “الأحكام المشتركة لتنظيم الاستفتاءات وانتخاب المستشارين الجهويين وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم وأعضاء مجالس الجماعات الحضرية والقروية ومجالس المقاطعات وأعضاء الغرف المهنية”.
إن هذه الثغرة القانونية لا يمكن أن تستمر، وبالتالي ينبغي سحب هذا العنوان من هذا النص القانوني؛ ثم بعد ذلك إعادة تنظيم التسجيل في اللوائح الانتخابية لكل غرفة، وإعادة النظر في تشكيل اللجنة الإدارية التي يرأسها العامل وتعويضه بقاض على غرار الجماعات، وإلزامية تسليم اللوائح الانتخابية للأحزاب السياسية، إلى غير ذلك مما ينبغي فتح النقاش حوله.
أما على مستوى الصلاحيات، فإن الديمقراطية التشاركية لا تقتضي الاستماع لهذه الغرف، وجعل مهامها الرئيسية قائمة على أساس تقديم الاستشارة على مختلف المستويات الوطنية والجهوية والإقليمية والمحلية، بل يجب إشراكها في العمل التنموي، نظرا لأهمية مختلف المجالات التي تشتغل فيها. وهو ما يستدعي تجاوز فكرة التعامل مع الغرف المهنية على أنها هيئات لتمثيل الفئات المهنية المعنية؛ ولذا، وجب تجاوز ما يتعلق بالمهام التمثيلية، والمهام الاستشارية، أو حتى مهام الدعم والترويج والتوجيه، لجعل المنتخبين في صلب العملية التنموية الشاملة لبلادنا بتمكينهم من كل الاختصاصات والصلاحيات كما هو شأن نظرائهم في الغرف المهنية للدول المتقدمة.
إن التنظيم الترابي لبلادنا، وفق الفصل الأول من الدستور، “تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة”؛ ولذا، وجب اعتماد كل آليات اللامركزية: سواء كانت لامركزية ترابية على صعيد الجماعات والمقاطعات، أو العمالات والأقاليم، أو الجهات؛ أو كانت لامركزية على صعيد المؤسسات العمومية التي تعتبر الغرف المعنية الأربعة أحد مكوناتها.
وسيبقى الاتحاد الاشتراكي مدافعا عن التوازن المنشود بين التدخلات المركزية للدولة والتي يتم التخفيف منها عن طريق اللاتمركز، وبين الهيئات اللامركزية بمختلف أصنافها. ولذلك، يدعو الاتحاد إلى إقامة التوازن بين البنيات الإدارية التي تعتمد على مبدأ التعيين لتمثيل الدولة، والهيئات التي تقوم على أساس الانتخاب لتمثيلية المواطن.
إن الاتحاد الاشتراكي سيواصل معركته ضد الفساد الانتخابي داعيا إلى ضرورة وضع الضمانات الكافية لمحاربة المفسدين الانتخابيين، والتصدي لاستعمال المال بشكل غير قانوني في الحملات الانتخابية، وزجر استغلال الأموال والممتلكات العمومية في الحملات الانتخابية.
- حقوق الإنسان والحريات العامة، بين التشريعات والسياسات والممارسات:
يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن المسألة الحقوقية تُعد من صلب المعارك السياسية التي خاضها من أجل وضع أسس الديمقراطية ودولة الحق والقانون في بلادنا. وقد أسس توجهاته الفكرية وبرامجه السياسية ومواقفه المبدئية وشعاراته العملية على القيم والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان من حرية وكرامة إنسانية ومساواة وعدالة اجتماعية ومشاركة سياسية وغيرها. وقد ظل حزبنا حاملا لراية الإقرار بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعارف عليها كونيا وجعلها واقعا معاشا بالنسبة لكل فئات الشعب المغربي، بالدفاع المستميت عن الحق في الحياة والأمان الشخصي والحماية القانونية والعدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة الإنسانية وعن حرية التعبير والتفكير والوجدان، وعن الحق في التربية والتعليم والصحة والشغل والسكن وغيرها من الحقوق الأساسية المتأصلة في الإنسان.
ولم يتوقف الحزب عند رفع الشعارات المبدئية، بل عمل على خلق الآليات التأطيرية لتمكين كل الفئات الشعبية من التعبير الفعال والمسؤول عن همومها والدفاع عن مطالبها العادلة والمشروعة وذلك بتأسيس العديد من المنظمات الحقوقية والمركزيات النقابية وجمعيات الدفاع عن الحقوق الإنسانية لبعض الفئات كالنساء والشباب والفئات المعوزة، والعديد من جمعيات المجتمع المدني في مختلف المجالات الاجتماعية والتنموية والثقافية. هذه التنظيمات المدنية التي لعبت على مدار عقود من الزمن دورا محوريا في تناسق وانسجام مع النضالات السياسية التي خاضها حزبنا. بل انخرط مناضلاته ومناضلوه ميدانيا، وبقوة، في كل المعارك التي شهدتها الساحة السياسية والاجتماعية والحقوقية، وأدى الحزب في سبيل ذلك ضريبة في شكل تضحيات بلغت حد استهداف حياة قادته ورموزه وشن حملات الاعتقالات التعسفية والمحاكم الصورية في حقهم، والزج بهم في غياب المعتقلات السرية والعلانية، وتعريضهم للتعذيب الوحشي أو محاولات الاغتيال، وشن حملات من الطرد التعسفي وفرض النفي الاضطراري في حق العديد من قادة الحزب ومناضلاته ومناضليه، وتشريد أسرهم وعائلاتهم، وهي الانتهاكات الجسيمة التي أقرت بها كل من الهيئة المستقلة للتحكيم وهيئة الإنصاف والمصالحة في تقاريرها.
وإذا كانت بلادنا اليوم تنعم بقدر هام من الحقوق والحريات الأساسية بعد عقود من الصراع المرير والنضال المتواصل والتي قدم خلالها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية التضحيات الجسام، فإنه كحزب وطني تقدمي مؤمن بقيم ومبادئ الحرية والمساواة والعدالة، لا يدعي بلوغ الكمال في ما تحقق من مكاسب رغم أهميتها، وهو ما يفرض عليه المزيد من النضال والتضحية من أجل توسيع هوامش الحريات والحقوق الأساسية الإنسانية.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يثير الانتباه للموجة الشعبوية المعادية لحقوق الإنسان، والتي أصبحت تتبنى خطابا يناهض المؤسسات الأممية، ويهاجم الاتفاقيات الدولية، ويدعو للتمييز والعنصرية، ويشيد بالإبادة والمعاملات غير الإنسانية… وما يقع في فلسطين خير دليل على ذلك، حيث أصبحت المنظومة الحقوقية الدولية دون جدوى.
ويسجل الحزب بإيجابية التفاعل الإيجابي للمملكة المغربية مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان، كما نسجل تطور مجال الحقوق المدنية والسياسية خصوصا بعد مسار العدالة الانتقالية الذي جسدته هيئة الانصاف والمصالحة والتوصيات الوجيهة المضمنة في تقريرها الختامي، وأيضا المكتسبات المهمة في مجال الحقوق والحريات التي تضمنها دستور 2011 والذي نص على مجموعة من المبادئ المتعارف عليها دوليا في مجال حقوق الإنسان، كما نص على عدد كبير من الحقوق بما فيها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
لكن على الرغم من كل ما تم تحقيقه في مجال الحقوق والحريات، فإن الاتحاد الاشتراكي يسجل عدم ضمان فعلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعدم التفعيل الكامل للطابع الرسمي للأمازيغية. كما يسجل تدهور القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وتزايد نسبة الفقر والهشاشة، خصوصا في ظل سياسة ليبرالية تركز على التوازنات الماكرو-اقتصادية أكثر من تركيزها على التوازنات الاجتماعية، وفي ظل ارتفاع نسبة التضخم وغلاء الأسعار، وعدم قدرة السياسات الحكومية المعتمدة على تحسين وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من قبيل الصحة والتعليم الجيد والسكن اللائق والماء الشروب… فعدد الأطباء بالنسبة لعدد الساكنة لا يرقى للحد الأدنى في المعايير الدولية، ومؤشرات التعليم الجيد في تراجع كبير، والعديد من المناطق لا تتوفر على الماء الصالح للشرب، والسكن غير اللائق في توسع كبير، ونسبة البطالة في تزايد مستمر …
واستنادا إلى مواقفه المبدئية في اعتبار حقوق الإنسان حقوق كونية غير قابلة للتجزئة، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يؤكد على ضرورة وضع سياسة حقوقية ناجعة وقادرة على ضمان فعلية جميع الحقوق والحريات الدستورية بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. ويشدد على أهمية اعتماد المقاربة الحقوقية في جميع السياسات العمومية وفي مختلف المراحل بما فيها الإعداد والتنفيذ والتتبع والتقييم، وتعميم مقاربة النوع الاجتماعي في كل السياسات القطاعية، وتحقيق العدالة المجالية ضمانا لحقوق المرتفقين في الحصول على خدمات ذات جودة، وتخصيص الموارد اللازمة للنهوض بمنظومة حقوق الإنسان.
إن الاتحاد الاشتراكي يدعو إلى ضرورة التحيين المنتظم للخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان بناء على مقاربة تشاركية تقوم على إشراك جميع المعنيين والفاعلين بما فيهم المنظمات النسائية والجمعيات الحقوقية، وذلك إعمالا للحقوق والحريات كما هي مكرسة في الوثيقة الدستورية والالتزامات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية.
- الدولة الاجتماعية واقع ملموس، وليست شعارا للاستهلاك:
لقد شكل مطلب الدول الاجتماعية أحد أهم المطالب التي بادر إلى طرحها وتطويرها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. فمنذ تأسيس الحزب، وعبر مختلف المحطات التاريخية والسياسية التي مر منها، ظل الحزب حاملا لمشروع الدولة الاجتماعية ومدافعا عن مقوماتها.
ولأهمية دعامات ومقومات الدولة الاجتماعية خصوصا بعد الإصلاحات والتراكمات التي عرفتها بلادنا في هذا المجال، والتي بدأت مع حكومة التناوب التوافقي التي ترأسها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، واعتبارا لأهميتها أيضا بالنسبة لأجيال الحاضر والمستقبل، فإن الاتحاد الاشتراكي يدعو إلى التقييم الدوري لواقع تفعيل مجموع أوراش الدولة الاجتماعية، وتجميع الخلاصات والتوصيات التي من شأنها تعزيز وتجويد هذه الأوراش وترصيد مكتسباتها وتطويرها لضمان استجابة فعلية للحاجيات الاجتماعية الرئيسة لكافة المواطنات والمواطنين.
لقد تبين بالملموس أن الحكومة تجعل من الدولة الاجتماعية مجرد شعار للاستهلاك، لأنها خلال مختلف القوانين المالية التي اعتمدتها، انحازت لإجراءات وسياسات عمومية تقع على النقيض من طموح الدولة الاجتماعية، وفضلت – بحكم المرجعيات السياسية للمكونات المشكلة لها – فرض سياسات ليبرالية، محافظة وإقصائية.
فعن أية دولة اجتماعية، نتحدث في ظل تفاقم اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ وازداد ﺗﺪهور اﻷوﺿﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ، حيث ارﺗﻔﻊ ﻣﻌﺪل اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ إﻟﻰ 13,6 % ﺳﻨﺔ 2024، وﺑﻠﻎ 39,5 % ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﺸﺒﺎب، و20,8 % ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺴﺎء؟
لقد كشف الاتحاد الاشتراكي استسلام الحكومة أمام التوازنات المالية التقنية على حساب التوازنات الاجتماعية الإنسانية مما يؤكد غياب الوعي السياسي بأولوية البعد الاجتماعي في الأداء الاقتصادي، واعتبار النفقات الاجتماعية استثمارا استراتيجيا حقيقيا، وليس استهلاكا غير منتج يزيد من الإنفاق العمومي ويثقل كاهل الميزانية العامة للدولة.
إن الدولة الاجتماعية، كما هي في الأدبيات الأصيلة للاتحاد الاشتراكي، بمرجعيته الاشتراكية الديمقراطية، تعدا بالفعل خيارا سياسيا استراتيجيا يقترن بالسياسة العامة لبلادنا للارتقاء بالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية وتطوير مسارها الديمقراطي والتنموي. وهي السياسة العامة التي أطلقها جلالة الملك على إثر التداعيات السلبية لجائحة كوفيد 19، والتي أعادت تموقع الدولة من جديد للقيام بأدوارها العمومية الكاملة في المجالات الاجتماعية الأساسية.
- سيادة القانون ومواصلة إصلاح منظومة العدالة:
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعتبر أن تحقيق دولة الحق والقانون يعد إحدى ركائز المجتمع الديمقراطي، وبالتالي فإن سيادة القانون كفيلة بضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، والحد من جميع أشكال العنف، وإرجاع الثقة للمواطنات والمواطنين في تطبيق القانون في مواجهة الدولة نفسها. وهو ما يستلزم تطبيق المقتضيات الدستورية المتعلقة بسيادة القانون، وعدم رجعيته، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الفساد، وكل أشكال الشطط في استعمال السلطة واستغلال مواقع النفوذ.
ويعتبر الاتحاد أنه ينبغي العمل بكل حزم على اعتماد آليات حقيقية لمحاربة الفساد بكل مظاهره وعلى جميع مستوياته، وخاصة فصل سلطة المال والأعمال والنفوذ عن السياسة وفضاءاتها، ورفع إيقاع تفعيل السياسة الجنائية عبر تقوية الآليات القانونية في محاربة الفساد المالي. وفي هذا الصدد، يظل الاتحاد الاشتراكي متشبثا بإخراج هيئة قضايا الدولة إلى حيز الوجود من أجل وقاية مختلف مرافق الدولة من المخاطر القانونية والتوفر على آليات مركزية في مجال محاربة الفساد وهدر المال العام، وهي الهيئة التي ضمنها الفريق الاشتراكي بمجلس النواب ضمن مقترح القانون المتكامل الذي تقدم به خلال ثلاث ولايات نيابية متواصلة دون أن يجد أي تفاعل معه من طرف الحكومة.
إن مبدأ سيادة القانون يعد أحد المرتكزات الأساسية في ما يتعلق بمواصلة ورش الإصلاح الشمولي لمنظومة العدالة وفق رؤية مندمج ومقاربة تشاركية تضمن مساهمة الجميع في هذا الورش الاستراتيجي. فالأمر يهم ترسيخ قواعد السلطة القضائية المستقلة، والتي تتطلب بدورها ملاءمة وإصلاحا للمنظومة بأكملها، سواء على مستوى التنظيم القضائي، والحق في المحاكمة العادلة، والمراجعة الشاملة للقوانين الموضوعية والمسطرية التي أصبحت مُتجاوزة، أو على مستوى المهن القانونية والقضائية.
ولذلك، ما زال الاتحاد الاشتراكي يعتبر أن ورش إصلاح منظومة العدالة سيظل مفتوحا، وسيستمر في الدفاع بخصوصه عن بدائل تتجاوب وانتظارات المواطنات والمواطنين بخصوص عدالة مستقلة ونزيهة، وقوانين عادلة ومُنصفة، تعود بشكل إيجابي على التنمية الشاملة المستدامة ببلادنا.
وعلاوة على الإصلاحات القضائية المؤسساتية، يؤكد الاتحاد الاشتراكي أن إصلاح منظومة العدالة ينبغي أن يمس الجانب المرفقي، المرتبط بتقديم الخدمات للمواطنات والمواطنين، والتي تشمل كل مراحل التقاضي. فضمان حق الولوج للقضاء، وحُسْن تدبير الزمن القضائي، وإصدار الأحكام في آجال معقولة، وإرسال وتسلم الوثائق المرتبطة بالملفات القضائية، وتبليغ وتنفيذ الحكام القضائية، كلها عناصر تتطلب إصلاحا يتماشى مع المستجدات الدستورية، ويتطلب استمرار المقاربة التشاركية في وضع وتعديل النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. وبهذا الخصوص، يسجل الاتحاد الاشتراكي بأن مختلف الوظائف والمهن القانونية والقضائية تقوم بدور محوري، وهو ما يتطلب ضرورة فتح قنوات التشاور بين العاملين فيها والمشرفين على تدبيرها.
- الجهوية المتقدمة ومسار اللامركزية واللاتمركز:
لقد عرفت بلادنا خلال العقود الأخيرة إصلاحات جوهرية في التنظيم الترابي للمملكة، حيث تمت دسترة نظام الجهوية المتقدمة، وصدرت قوانين تنظيمية جديدة خاصة بالجهات ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات، كما صدر ميثاق اللاتمركز، وصدرت العديد من المراسيم، كما وضعت برامج التنمية الجهوية وبرامج تنمية العمالات والأقاليم وبرامج عمل الجماعات… لكن على الرغم من أهمية الإصلاحات التي عرفتها بلادنا في هذا الخصوص، يسجل الملاحظ التأخر الكبير في تسريع تفعيل ورش الجهوية المتقدمة، والبطء في تفعيل ميثاق اللاتمركز ونقل الصلاحيات من المركز إلى المستويات الجهوية، والتأخر الكبير في تفعيل برنامج التنمية، وغياب العدالة المجالية… وهو ما نبه إليه الاتحاد الاشتراكي في العديد من المحطات والمناسبات، داعيا الحكومة إلى الكف عن هدر الزمن السياسي والحكومي وتداركه بالإسراع في تفعيل الجهوية المتقدمة.
إن الاتحاد الاشتراكي راهن، ويراهن دائما على أن إعطاء دينامية نوعية جديدة للفعل التنموي الشامل، يقتضي اعتماد سياسة فعالة لإدارة التراب الوطني بالشكل الملائم، الذي يسمح بالمساهمة الإيجابية للساكنة في تدبير شؤونها. ومن هذا المنطلق، اعتبر الحزب، أن المستوى الجهوي، مجال واعد بامتياز، استنادا على الدراسات والأبحاث التي تمت في إطار الحوار الوطني لإعداد التراب، وعلى المنظور الخاص للحزب، المرتكز على اعتبار الجهوية، عنصر أساسي لتصريف المشروع الاقتصادي التنموي.
وإذا كان الدستور، قد وضع أسسا مهمة لإقامة نظام للجهوية المتقدمة، فإن تطبيقه عبر القوانين التنظيمية ذات الصلة بالجماعات الترابية، ما زال لم يُحقق المرجو منه، لأنه تم اختزال الجهات في حدود مستوى معين من هذه الجماعات الترابية، رغم أنها تحتل مكان الصدارة بين هذه الجماعات.
إن الجهة ليست مجرد مؤسسات مُنتخبة بالاقتراع العام المباشر، ذات صلاحيات مُحددة حصريا بالنصوص التشريعية والتنظيمية، بل هي أبعد من ذلك، إذ ينبغي تطويرها من خلال جعل اختصاصات الجهات قاعدة عامة، وتدخل الدولة هو استثناء فقط. فالاتحاد الاشتراكي، يعتبر أن الجهة ليست مجرد مجموعة مشاريع منفصلة عن بعضها البعض، بل مشروع وطني استراتيجي يندرج ضمن الرؤية الوطنية للجهة التي عليها أن تقوم على أساس إبراز عنصر التضامن والاستغلال الأمثل لكل ثروات الجهات لما فيه مصلحة الجميع.
ويتطلب هذا الأمر، إعادة النظر في علاقة الدولة وممثليها بالمجالس الجهوية بشكل لا يجعل من الطرف الأول وصيا ومراقبا ومسؤولا عن تطبيق القانون، بل شريكا ومواكبا ومساعدا للثاني في إنجاز مهامه، مع ما يتطلبه الأمر مرحليا من تدخلات لصندوق التضامن بين الجهات لتمكين الجهات الناقصة التجهيز والبنيات التحتية، من وضع برامجها استنادا على هذا البرنامج الوطني. وبالموازاة مع ذلك، يعتبر الحزب أن تسريع مسلسل اللاتمركز ضروري لفتح علاقة مباشرة بين المصالح الخارجية لمختلف الوزارات والمجالس الجهوية، وجعل هذه المصالح في خدمة التنمية الجهوية.