التهراوي يتنصّل من «مسؤولياته» ويحمّل المهنيين تبعات اختلالات المنظومة الصحية

تصريحاته المرتجلة والمتناقضة خلقت علامات استفهام واسعة عند الرأي العام الوطني 

 

كشفت الكيفية التي تم بها التعامل مع احتجاجات الشباب خلال الأيام الأخيرة عن ارتجالية كبيرة في صفوف الفريق الحكومي، وعلى رأس مكوناته وزير الصحة والحماية الاجتماعية، الذي أضحى كل تصريح يصدر عنه يخلق موجة سخط عارمة ويكشف عن عيوب واختلالات لا تنتهي حدودها، ضدا عن كل محاولات “مكيجته” و تقديمه في قالب المدبّر المثالي لإكسابه “شرعية” قيادة قطاع يعتبر العمود الفقري للمجتمع، الذي إذا ما اعتلّ تداعى سائر بسبب ذلك المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.
التهراوي، وبعد أن دعا مسؤولا إداريا إلى الاحتجاج في “الرباط”، رغم أن المعني بالأمر سبق وأن وجّه مراسلات للوزارة تكشف حجم الخصاص والعيوب وتطالب بما يجب توفيره لكي يستقيم أداء المستشفى في مكناس، إلا أنه لم يتلقّ جوابا، وذلك عوض أن ينكب على معالجة أعطاب الجسم الإداري الذي أصيبت مفاصله بالصدأ اختار الجواب الأقرب إلى لسانه، عاد لاحقا عند استضافته في برنامج تلفزي لكي يحاول تبرير ما صدر عنه بتقديم تفسير لم يكن مقنعا رغم كل محاولات “التأثير” التي تلت البرنامج، لأن الجميع تابع تلك اللحظة السابقة بـ “عفويتها” التي كشفت عن حجم الهواية والافتقاد للنضج السياسي.
هاته “الهفوة” لم تكن الوحيدة، فوزير الصحة والحماية الاجتماعية عاد مرة أخرى، في محاولة منه للتقليص من منسوب شرارة الاحتجاج السلمية الموجهة سهامها إلى قطاع الصحة، لتقديم تصريح يفيد بأنه أوقف الدعم العمومي عن المصحات الخاصة، لكن التهراوي لم يكن يتوقع أن تخرج الجمعية الوطنية الممثلة للسواد الأعظم من “الكلينيكات” والمؤسسات الصحية المشابهة، لتطالبه بالكشف عن لائحة هاته المصحات التي تستفيد من الدعم إن وجدت، وعن حجمه، وأساسه القانوني، وعلى نفس المنوال صارت المجموعة الصحية الخاصة الأخرى التي انتشرت مصحاتها في ظرف زمني وجير في عدد من المناطق المغربية التي أصدرت بدورها بلاغا تفيد بأنها غير معنية لا من قريب ولا من بعيد بالمال العام. هذا التصريح الوزاري وما تلاه من تداعيات خلقا لبسا عند المغاربة بشكل عام، مما جعل الجميع يتساءل عن موقع المصداقية في كلام الوزير، وهو ما دفعه إلى التصريح هذه المرة في ذات “الحوار” التلفزي غير المباشر، والقول بأن الأمر يتعلق بملفات تم وضعها من أجل الاستفادة من الدعم الموجه لتحفيز الاستثمار فما كان منه إلا أن دعا اللجنة المكلفة بالبث فيها لتوقف أي دعم يمكن ان يوجّه إلى تلك المصحات؟
تصريحان متناقضان يبيّنان شأنهما في ذلك شأن الخروج لوضع مهنيي الصحة أمام فوهة العقاب وتحمليهم مسؤولية الاختلالات التي تعرفها المستشفيات، وعلى رأسها ما وقع بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، وبشكل جلّي كيف أن التهراوي، الذي حاول الحزب الأغلبي تلميع صورته بأي شكل من الأشكال، يتنصّل من المسؤولية السياسية والأخلاقية والمعنوية، ويهرب إلى الأمام عبر محاولة تغيير دفّة المحاسبة وتوجيهها نحو الحلقة الأضعف التي تشتغل في ظل منظومة مثخنة بالجراح، وفي غياب حماية قانونية لعدد من مكوناتها، التي إذا ما أخلّ بالفعل أحد عناصرها بالمسؤولية الملقاة على عاتقه مع توفر ظروف الاشتغال المعيارية، فإن للنيابة العامة كامل الحق في تحريك المتابعة وتحديد الخلل واتخاذ ما يلزم في إطار قانوني، في حين أن المتتبعين للشأن الصحي وعموم المواطنين هم يريدون اليوم، معرفة موقع الوزارة الوصية على صحّة الجميع ومسؤوليتها في هذه الاختلالات، وهل عملت على علاجها خلال هاته الولاية الحكومية، في عهد الوزيرين معا، وبأي شكل من الأشكال بما أن أثر ذلك لا يلمسه الكثير من المتضررين من أعطاب القطاع؟ أم أن التهراوي الذي جاء ليتمم مسيرة القطاع يدبّر المرحلة بعقلية الشوط الأخير من الزمن الحكومي فقط، ولم يكن ينتظر أن تأتي احتجاجات لتبعثر كل الأوراق التي قد تتحول إلى حواجز في مضمار السباق الانتخابي المنتظر؟


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 10/10/2025