الأقاليم الجنوبية في صلب الشراكة المغربية الفرنسية: استثمارات استراتيجية برؤية إفريقية

منتدى الداخلة يطلق دينامية استثمارية بـ200 ألف طن من الصادرات بقيمة 590 مليون أورو

 

احتضنت مدينة الداخلة، أمس الخميس، فعاليات منتدى اقتصادي رفيع المستوى جمع نخبة من رجال الأعمال والمستثمرين المغاربة والفرنسيين، في حدث يشكل منعطفًا نوعيًا في مسار الشراكة الاقتصادية بين البلدين. ويأتي هذا المنتدى، المنظم بمبادرة من الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM) وحركة مؤسسات فرنسا (MEDEF) عبر نادي رؤساء المقاولات فرنسا–المغرب، تحت شعار «جهات الجنوب المغربي: نحو آفاق جديدة للشراكة الاقتصادية المغربية–الفرنسية”، بمشاركة أكثر من 300 من رؤساء المقاولات والمستثمرين، إلى جانب ممثلين عن الهيئات الحكومية والمؤسسات المالية والجهات الترابية.
ويهدف هذا اللقاء إلى تعميق العلاقات الاقتصادية بين الرباط وباريس، وتطوير نموذج جديد من التعاون يقوم على المشاريع المشتركة، والاستثمار المستدام، والانفتاح على آفاق التعاون الثلاثي بين المغرب وفرنسا وإفريقيا.
المنتدى الذي احتضنته الداخلة، يأتي امتدادا لمسار طويل من التنسيق بين الاتحاد العام لمقاولات المغرب ونظيره الفرنسي، إذ تجمع المؤسستين علاقات مؤسساتية عريقة منذ إنشاء مجلس رؤساء المقاولات المغرب–فرنسا سنة 1980، والذي تطور لاحقا ليصبح ناديا موحدًا يجمع أبرز الفاعلين الاقتصاديين من الجانبين، تحت مظلة شراكة دائمة ومؤطرة.
وخلال أشغال المنتدى، ناقش المشاركون مجموعة من المحاور الاقتصادية ذات الأولوية في التعاون الثنائي، منها الطاقات المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والبنيات التحتية، والأمن الغذائي، والسياحة المستدامة، والتحول الرقمي، والتكوين المهني. وقد شدد المنظمون على أن هذه القطاعات تمثل مجالات واعدة للتعاون بين البلدين، وتنسجم مع الرؤية الملكية الرامية إلى جعل الاستثمار محركًا أساسيا للتنمية ومصدرًا للفرص في مختلف جهات المملكة.
وفي مداخلة اقتصادية رفيعة المستوى، عبّر ممثلو الوكالة الفرنسية للتنمية وبنك الاستثمار العام الفرنسي عن عمق الشراكة التي تجمعهم بالمملكة المغربية، مؤكدين أن المغرب يُعد أول بلد تدخل للوكالة على مستوى العالم منذ عام 1992، وأن حجم المشاريع الجارية اليوم يفوق 3.2 مليار يورو، تم تطويرها بتأنٍ وبشراكة وثيقة مع السلطات المغربية. وقد تم التنويه بالتعاون المثمر مع صندوق الإيداع والتدبير، خاصة في مجالات التشغيل والتكوين المهني، حيث أبان المغرب عن تطلعات واضحة ومطالب دقيقة في ما يخص نوعية الاستثمارات المنتظرة، والتي يجب أن تنسجم مع النموذج التنموي الجديد الذي أطلقته المملكة سنة 2021.
المداخلة ركزت على ثلاثة محاور استراتيجية: تنمية الرأسمال البشري، تطوير البنية التحتية، وتعزيز الرأسمال الطبيعي. ففي ما يخص الرأسمال البشري، تم التأكيد على أهمية التكوين المهني والمساواة بين الجنسين، مع الإشارة إلى أن المغرب يُعد رائداً في هذا المجال، خاصة من خلال إنشاء معاهد للتدبير المفوض بالشراكة مع القطاع الخاص، في قطاعات حيوية كالصيدلة، الطيران، والنقل، بهدف إعداد الكفاءات التي ستقود التنمية الاقتصادية في المغرب وفي إفريقيا جنوب الصحراء. أما في مجال البنية التحتية، فقد تم تسليط الضوء على مشاريع النقل، ومنها خطوط الترامواي في أكادير، التي تم تمويلها من طرف الوكالة الفرنسية، ونفذتها شركات مغربية وفرنسية. وفي ما يتعلق بالرأسمال الطبيعي، تم التطرق إلى مشاريع إدارة الموارد المائية والغابات والمحميات الطبيعية، مع التأكيد على أهمية نقل الخبرات إلى دول أخرى في حوض المتوسط، بل وحتى إلى فرنسا، نظراً لتغير المناخ في جنوبها.
وبهذه المناسبة تم الإعلان عن منح قرض بقيمة 100 مليون يورو للوكالة الوطنية للموانئ، لتمويل مشاريع في موانئ الأقاليم الجنوبية، تشمل إزالة الكربون، تحديث البنية التحتية، وتحسين التجهيزات، ابتداءً من عام 2026. كما تم التطرق إلى مشاورات جارية مع الجهات المحلية لدعم قطاعات التعليم، الماء، والطاقة، مع الإشارة إلى أن الأقاليم الجنوبية تُعد مختبراً مثالياً لتجريب وتطوير الطاقات المتجددة والتكنولوجيا الناشئة، خاصة في مجالات الهيدروجين والطاقة النظيفة، وهو ما يثير اهتمام الشركات الفرنسية الرائدة في هذه المجالات.
من جهته، أبرز ممثل بنك الاستثمار العام الفرنسي أن دور البنك يتجاوز التمويل ليشمل الربط بين رواد الأعمال، مشيراً إلى تجربة ناجحة مع مجموعة OCP، حيث تم تنظيم لقاءات بين عشرات المقاولين الفرنسيين والمغاربة، نتج عنها صفقات وتمويلات فعلية. كما تم التنويه بالتعاون مع مجموعة التجاري وفا بنك في تنشيط النظم البيئية للمقاولات، مؤكداً أن جوهر عمل البنك يتمثل في تسهيل الربط، التمويل، والتأمين على المبادلات التجارية، مع التركيز على دعم رواد الأعمال. وقد تم التعبير عن إعجاب خاص بالنموذج المغربي، الذي وصف بأنه في طليعة الدول التي تحتضن هذا النوع من التعاون.
بدوره ثمن الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM) إبرام الاتفاق الجديد بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، والذي يُعد خطوة استراتيجية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الطرفين، وضمان استمرارية دينامية التصدير نحو الأسواق الأوروبية.
في قلب هذا التحول، تبرز الأرقام لتُجسد حجم التأثير الاقتصادي المنتظر. فالمبادلات التجارية الثنائية بين المغرب والاتحاد الأوروبي تقدر بأكثر من 640 مليار درهم سنويا، أي ما يعادل 60 مليار أورو، مما يجعل المغرب أول شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في إفريقيا والعالم العربي. ويُتوقع أن تشهد هذه المبادلات نموا ملحوظا في السنوات المقبلة، خاصة في ظل التسهيلات الجديدة التي يوفرها الاتفاق.
أما على مستوى الأقاليم الجنوبية، فقد شمل الاتفاق أكثر من 200,000 طن من المنتجات الموجهة للتصدير نحو أوروبا، بقيمة إجمالية تناهز 6.41 مليار درهم، أي ما يعادل 590 مليون أورو. هذه الأرقام تعكس ليس فقط حجم النشاط التجاري، بل أيضا الأثر الاجتماعي، إذ يقدر عدد مناصب الشغل المرتبطة بهذه الدينامية بحوالي 140,000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة.


الكاتب : عماد ع

  

بتاريخ : 10/10/2025