تأطير الاحتجاج بحقائق السياسة والدستور

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لا يمكن قراءة الخطاب الملكي أمام البرلمان بمعزل عن شرطين اثنين:
الشرط الدستوري الذي يضبط خطب افتتاح البرلمان، وشرط السياق الاحتجاجي الذي سبق الخطاب ووضع له أجواءه السيكولوجية المتوترة.
يمكن القول إن الاحتجاج قد خلق أفق انتظار عام، ليس لدى المحتجين فقط بل في الأوساط المغربية العامة.
لا يمكن لأي كان أن يحسم بأنه خطاب بدون سياق احتجاجي.أو نص بدون سياق(un texte sans contexte)..
بالنسبة للشرط الأول، وهو الشرط الدستوري، الذي تغير منذ 2011. لا يمكن القفز عليه، مهما كانت استعجالية المطالب ودقتها ومعقوليتها الاجتماعية ..
لقد كان المدخل الدستوراني دوما المدخل أو العتبة الرئيسة في كل معارك الإصلاح. وبعدها مباشرة المفتاح السحري المتمثل في الانتخابات.. بما هي آلية التوافق الإنساني في بناء الشرعية.
الحديث تحت قبة البرلمان يحيل على مركزية المؤسسة، وما تمثله في السيادة. وفي هذا الإطار نذكر أن دستور 2011 حسم بوضوح لا لبس فيه أين توجد السيادة، حيث ينص الفصل الثاني فيه على «أن السيادة للأمة، تمارسها مباشرة، عن طريق الاستفتاء، وبشكل غير مباشر، من خلال ممثليها (الفقرة 1 من هذا الفصل )..بالتالي الملك خاطب ممثلي السيادة كما حددها الدستور.
من هذه السيادة ينبثق إكراه دستوري يلزم الملك نفسه، وهو أن هاته الانتخابات تلزمه بأن يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي حصل على الترتيب الأول، وتشكيل حكومته، وهو ما كان حاضرا.
الملك، إذن، كان يتحدث وفي ذهنه الاحترام التام للدستور، عكس كل التطلعات، بعضها مشروط وبعضها مشروع، التي كانت تنتظر »لحظة توقف«pause politique يتوقف المسار السياسي فيها..
ولكن الملك كان يدافع عن إعادة تأطير الأجندة التشريعية على قاعدة استمرار الحديث عن استكمال المخطط التشريعي، سواء في ما يخص السياسات العمومية أو ما يخص الحياة السياسية ومنها مدونة الانتخابات التي دعا إلى التشاور بخصوصها في خطاب العرش، وهي من الأوراق الأساسية في هذا المخطط المتحدث عنه إلى جانب التقاعد والقوانين القطاعية موضوع تجادبات سياسية.
وهنا لا بد من أن تلتقي إرادة الاحتجاج على النخبة في شطرها الفاسد مع آفاق المدونة.
إن شرط السيادة مرتبط ارتباطا جوهريا بشرط أخلاق الدولة كما تنظمها الفقرة الثانية من الفصل الثاني المذكور أعلاه..وتقول:إن «الأمة تختار ممثليها في الهيئات المنتخبة بتصويت حر ونزيه ومنتظم» .
وشرط احتكار التمثيل الديموقراطي الشرعي مرتبط بها ارتباط الولادة congénital، ذلك أن وضع الملكية المغربية في الحداثة السياسية بشكل حاسم..من خلال التأكيد على الدور الأساسي للانتخابات، لا يستقيم إلا بما تم وضعه في الفقرة 1 من المادة 11 على أن تكون الانتخابات «حرة ونزيهة وشفافة» .
الشرط الاحتجاج في الفعل الملكي والخطاب المعبر عنه…
الشبيبة باعتبارها كتلة أخلاقية حققت حضورها من حيث إن القيم التي طالبت بها من أجل جعل الدولة فاعلا أخلاقيا اخترقت الخطاب من بدايته إلى نهايته…
لقد ورد الاحتجاج في الحديث عن التقابل بين المشاريع الكبرى وبين المشاريع التنموية، سواء بواضح العبارة عندما دافع عن التوازن عوض التنافس وبين التكامل عوض التناقض: وكان العبد الفقير لرحمة ربه قد كتب عن الموضوع بنفس المعنى، وبنفس الروح قبل الخطاب بعشرة أيام : وفيه وردت تدوينة بالحرف» معادلة وضعها جيل Z أمام أعيننا…. المونديال ضد…الدولة الاجتماعية:
المنطق يقضى أن الواحد يخدم الآخر…ولا يتناقضان عندما يسير المغرب بسرعةواحدة(صدق ملك البلاد )« وفي. السياق ذاته أضفت بأن التدبير التواصلي حول الموضوع فيه خلل .

تنافس الأغلبية على حكومة المونديال وإخراج الموضوع من المعادلة الثلاثية التي تحكم الاستثمار العمومي!
وعليه ما علقت به هو أن «الواقع السياسي أعطانا العكس:
– المونديال مازال بعيدا ولكنه سرعان ما تحول من مكسب لحشد الهمم إلى شعار سياسي للعجرفة،
والدولة الاجتماعية: حالة استعجال لكنها مازالت تتعثر وتحولت بدورهاإلى شعار دعائي للعجرفة أيضا… وللافتراس النيوليبرالي.» جلالة الملك لم ينف التناقض فحسب بل وضع الترابط العضوي بينهما بالإشارة إلى «الاستثمار العمومي»، ونبه إلى أنه لا يمكن القبول بالتهاون في عرقلته وجعل الحسم ضروريا في التعامل مع من يفعل ذلك.
ونحن نعرف بأن ركائز هذا الاستثمار البالغ 340 مليار درهم هي التنمية، والعدالة المجالية والمشاريع الرياضية الكبرى.. إذن الخارطة واضحة، والتنزيل هو المعضلة وسبب الاحتجاج..
وللمغرب تجربة ملموسة في تطوير التنمية والعدالة من خلال المشاريع الكبرى في ميناء طنجة، أو من خلال المشاريع السكنية والطرق السيارة وغيرها..
ولعل الشعارين الأساسيين فيه، التعليم والصحة: مركزيتين للدولة الاجتماعية، حضرا من زاوية الاستعجال، وكان تناولهما من زاوية الامتداد ..
في السياق ذاته يطرح الاحتجاج أزمة تنزيل التوافقات الكبرى… ولعله من سوء حظ دستور 2011 والدولة الاجتماعية..أن أحد مظاهر أزمة السياسة في بلادنا هو الفشل، النسبي أو الكلي ..في تنزيل التوافقات الكبرى التي تمت منذ 2011على الأقل:
– دستور 2011 كان سقفه الإصلاحي مرتفعا، لكن رافقته سياسيا، من موقع الشراكة الدستورية على رأس الحكومة، قوى محافظة في جوهرها كما رافقه سياق محدد كانت الأولوية فيه. بالنسبة للفاعلين الأساسيين «تطبيع» الفاعلين الجدد في حقل وطني كان مبنيا على تعاقدات محددة لم يكونوا واردين فيها، علاوة على علاقة توتر لا تخفى على أحد .. وعشنا بشكل ما «تعايشا» تحت سقف الدستور لكنه سرعان ما انفجر…
– الدولة الاجتماعية بدورها كانت توافقا كبيرا، على قاعدة نموذج تنموي شكل محور شراكة مجتمعية واسعة، لكن للأسف تولى تنزيلها..، من موقع الشراكة الدستورية كذلك على رأس الحكومة، تيار ليبرالي منفلت حتى لا نقول متوحشا، لا توجد في جيناته مفاهيم الدولة الاجتماعية.. وعشنا «تعايشا» آخر بين حراك الدولة من أجل تنزيل الدولة الاجتماعية والترسانة التي قدمتها المؤسسة الملكية وبين «التأويل» النيوليبرالي في التنزيل..
فكان ذلك وجها آخر في أزمة تنزيل التوافقات الكبرى..
وقد سرني أن هذا التصور ورد ضمنيا في أرضية «جيل زيد.» الأخيرة. وكان العبد الفقير لرحمة ربه قد رافع عن هاته الزاوية منذ سنتين على الأقل (ما كتبته على صفحات جريدتنا وما تدخلت به في ندوات حزبية وغير حزبية منذ 2023)..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 13/10/2025