خصصت الحكومة 8 آلاف منصب مالي لقطاع الصحة ضمن مشروع ميزانية 2026، منتقلة بذلك من 4 آلاف منصب مالي سنة 2019 إلى 6500 فيما يتعلق بالسنة الجارية وصولا إلى هذا الرقم، الذي قد يبدو أنه مهم لكنه ومع ذلك يبقى بعيدا عن كل الانتظارات بما أن الخصاص في القطاع ما بين أطباء وممرضين وتقنيين للصحة هو يقدّر بأكثر من 96 ألف مهني، يتوزعون ما بين ما يفوق 32 ألف طبيب وطبيبة وأزيد من 64 ألف ممرض وممرضة، الذين تحتاجهم المنظومة الصحية لتصبح في وضعية تتوافق مع المعايير التي يتم السعي لتحقيقها حتى تستجيب للانتظارات الصحية الكبيرة للمواطنات والمواطنين.
مناصب مالية يطرح عدد من الفاعلين النقابيين في القطاع والمهتمين بالشأن الصحي علامات استفهام عديدة بخصوص توزيعها، إذ وفقا لتصريحات استقتها «الاتحاد الاشتراكي» من عدد من المهتمين بهذا المجال، فإن فكرة الرفع من المناصب المالية تبقى خطوة مهمة وتعكس إرادة للتصحيح، لكن هذا لا يعني بأنه سيكون لها وقع كبير على المنظومة، خاصة إذا لم يتم تدبيرها بشكل عقلاني وفي إطار حكامة فعلية، من أجل الاستفادة منها على مستوى التخصص من جهة وعلى مستوى المجال من جهة ثانية، فضلا عن أن الإعلان عن تخصيص أكثر من 27 ألف منصب مالي لقطاعي التعليم والصحة لم ينعكس إيجابا عدديا على هذا الأخير بالنظر لحجم الانتظارات والمشاكل التي يتخبط فيها بسبب ندرة وقلّة الموارد البشرية.
ونبّهت عدد من التصريحات للجريدة إلى أنه من أجل معالجة الأعطاب التي تعاني منها المنظومة في ارتباط بالشق المتعلق بالخصاص في الموارد البشرية يجب أن يكون التوظيف متوافقا مع التكوين أي مع حجم الخريجين، سواء تعلق الأمر بالممرضين وتقنيي الصحة أو بالأطباء. وأوضح عدد من الفاعلين بأن القطاع يحتاج إلى حوالي 20 ألف منصب مالي في السنة من أجل القدرة على مواجهة التحديات التي تعترض طريق المنظومة الصحية، مبرزين كيف أن عددا مهما من خريجي المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة هم في وضعية عطالة، وبالتالي تطرح علامات استفهام حول نوعية المناصب المالية التي ستفتح بخصوصها المباريات، وهل ستهمّ الممرضين أو التقنيين، أو الإداريين، أخذا بعين الاعتبار تعدد الفئات المصنفة ضمن خانة كل مهنة من المهن المتحدث عنها، أم أنها ستشمل الأطباء، وهنا يجب التأكيد على أن الخصاص في أطباء الطب العام يعتبر كبيرا، ومن المهم تزويد المراكز الصحية الأولية بهم وبالعدد الكافي للتكفل بالبرامج وتطوير الصحة الوقائية.
وفي السياق ذاته دعا فاعلون صحيون من خلال تصريحاتهم للجريدة إلى أن يكون الرقم المخصص للمناصب المالية معطى فعليا يتوافق مع عدد الخريجين بمختلف تصنيفاتهم، محذرين من فتح مباريات وعدم تقدم المعنيين بها مما يهدد بتوجيهها نحو قطاع آخر، ومن بين الأمثلة على ذلك المناصب التي تخص مدراء المستشفيات، على سبيل المثال لا الحصر، خاصة في ظل غياب التحفيز وضعف شروط المزاولة المهنية في عدد من المؤسسات الصحية، ولاسيما تلك التي تتواجد في مناطق بعيدة ونائية، مشيرين بالمقابل إلى أن عدد الخريجين، لاسيما في المجال التمريضي، يكون في كثير من الحالات أكبر من عدد المناصب المالية المفتوحة، وهو ما يؤشر على سوء تدبير في التكوين، خاصة حين لا تشمل المباريات مجموعة من التخصصات.
وشددت عدد من التصريحات التي استقتها «الاتحاد الاشتراكي» وزارة الصحة والحماية الاجتماعية حين وضعها للتقديرات المرتبطة بالمناصب المالية إلى ضرورة استحضار أعداد المتقاعدين الذي يجب أخذه بعين الاعتبار من أجل تعويض المغادرين لمراكزهم في المؤسسات الصحية المختلفة، ونفس الأمر بالنسبة لما يتعلق بهجرة الأطباء وحتى الممرضين، سواء نحو القطاع الخاص أو صوب دول أخرى، التي تقدم لهم العديد من الإغراءات، التي يفضّلون في ظلها وأمام ضعف بنيات العمل في المغرب وغياب شروط مزاولة مهنية سلمية الهجرة. وأكد المتحدثون على أن الوزارة الوصية على القطاع مدعوة للعمل على ضمان نوع من التوازن، بتعويض «الغائبين» وبتوظيف أطر جديدة تعزز صفوف القطاع، وهو ما يتطلب جهدا كبيرا لا يرتبط فقط بعدد المناصب التي ترد كل سنة في مشروع قانون المالية، وإنما كذلك بتجويد شروط وظروف الاشتغال المادية والمعنوية وبتحصين المهنيين قانونيا وغيرها من التدابير التي تسمح للعاملين في قطاع الصحة العمومي بالقيام بواجبهم المهني على النحو الذي ينتظره منهم المواطنون.