مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي يحذر من تهديد نجاعة ورش التنمية الترابية المندمجة

​كشف تقرير تحليلي صادر عن مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، الذي يرأسه علي الغنبوري، عن خارطة طريق مفصلة لبرامج التنمية الترابية المندمجة التي أطلقها المغرب مؤخرا، مؤكدا أن هذه البرامج تمثل تحولا نوعيا في منطق إعداد التنمية وتستجيب للتوجيهات الملكية الداعية إلى تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية.
وقد خصص مشروع قانون المالية لسنة 2026 يقول التقرير، غلافا ماليا أوليا ضخما يقدر بـ 20 مليار درهم، سيتم توجيهه لدعم المجالات الترابية الأقل حظا، بهدف فك العزلة وتقليص الفوارق الصارخة بين الجهات، إلا أن التقرير حذر من مجموعة من الإكراهات البنيوية التي قد تعيق تحقيق الأهداف المرجوة، أبرزها ضعف التنسيق بين القطاعات العمومية، وهشاشة القدرات التدبيرية للجماعات الترابية، وصعوبة ضمان التمويل المستدام لهذا الورش الحيوي على المدى الطويل.
ويؤكد التقرير أن هذه البرامج تقوم على رؤية شاملة تتجاوز منطق المشاريع القطاعية المعزولة، لتربط بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفق مقاربة تصاعدية تنطلق من تشخيص دقيق لحاجيات الساكنة على المستوى المحلي، بما يعزز إشراك المواطنين في صياغة أولويات التنمية.
​ولضمان نجاعة التنزيل، اعتمدت الحكومة نظام حكامة يقوم على مبدأ «عقود الأهداف» التي تربط التمويل بالنتائج ومؤشرات الأداء القابلة للقياس، وذلك بالاستناد إلى دورية وزارية صدرت في 15 غشت 2025 موجهة للولاة والعمال، مع إحداث لجان قيادة جهوية وإقليمية مكلفة بالتتبع والتقييم، بالإضافة إلى إنشاء نظام معلوماتي جديد يهدف إلى تسريع معالجة المعطيات الميدانية والمالية.
وتأتي هذه الآليات ضمن مسعى أوسع لتنزيل سياسة اللاتمركز الإداري، التي تعد شرطا أساسيا لتحقيق اللامركزية الفعلية وجعل القرار التنموي ينبع من المجال الترابي نفسه.
وتشمل الإجراءات والتدابير المبرمجة حزمة من المشاريع الهيكلية ذات الأثر المباشر على حياة الساكنة، ففي قطاع التعليم، تركز التدخلات على التأهيل السريع للمدارس الابتدائية القروية، وتوفير النقل المدرسي، وتوسيع التعليم الأولي، وتطوير التعليم الرقمي المتنقل عبر وحدات مزودة بالإنترنت لفائدة المدارس المعزولة.
أما في قطاع الصحة، فيتم نشر وحدات طبية متنقلة (أطباء وممرضون وقابلات) في المجال القروي، وتنظيم حملات صحية وقائية، وتأهيل المراكز الصحية القروية وتزويدها بالمعدات الأساسية،كما تتضمن البرامج تدابير تتعلق بـالتدبير الاستباقي للموارد المائية، تشمل تأهيل وتوسيع شبكات الماء الصالح للشرب في الدواوير غير المرتبطة، وتنفيذ مشاريع تجريبية للاقتصاد في الماء عبر تقنيات الري الموضعي.
وفي إطار التأهيل الترابي المندمج، تشمل الإجراءات البرنامج الاستعجالي لفك العزلة (تأهيل المسالك القروية) والتزويد بالإنارة العمومية بالطاقة الشمسية.
​وفيما يخص التشغيل والإدماج الاقتصادي، تركز المبادرات على خلق فرص شغل آنية عبر أوراش على المستوى الترابي (صيانة المسالك، التشجير)، ودعم المشاريع الصغرى والمقاولات القروية الصغيرة جدا، وتثمين المنتجات المحلية كالعسل وزيت الزيتون، إضافة إلى دعم التعاونيات النسوية والفلاحية وتنظيم دورات تكوينية قصيرة في المهن المطلوبة محليا.
ورغم هذا الطموح، أشار التقرير إلى ضرورة التعامل بصرامة مع التحديات التي تعيق التنفيذ، مثل ضعف القدرة على قياس الأثر الميداني للمشاريع وغياب الالتقائية الكافية بين البرامج والسياسات القطاعية الأخرى.
ولتجاوز هذه التحديات، أوصى المركز بـتعزيز قدرات الفاعلين المحليين في التخطيط والتدبير، وتعميم الحكامة بالنتائج القائمة على مؤشرات واضحة للشفافية والمساءلة، وإرساء آليات تمويل مبتكرة ومستدامة عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى تفعيل المشاركة المجتمعية والمؤسساتية لضمان توافق البرامج مع الاحتياجات الفعلية.
وخلص التقرير إلى أن التنمية المندمجة تمثل مسارا إصلاحيا طويلا يتطلب إرادة سياسية للانتقال من منطق التوازن المالي إلى منطق النجاعة المجالية، حيث يكون المواطن هو محور كل سياسة عمومية.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 23/10/2025