مشروع قانون المالية 2026 يسعى لتحصيل مزيد من الضرائب دون تخفيف كلفة المعيشة

الحكومة تؤجل مراقبة سوق المحروقات إلى 2028 وتراهن على مضاعفة استيراد الأبقار

 

قررت الحكومة تأجيل تطبيق نظام المراقبة الجبائية على المحروقات إلى سنة 2028، بعدما كان مقررا دخوله حيز التنفيذ خلال السنة المقبلة. القرار، الذي ورد ضمن مشروع قانون المالية 2026، يعكس استمرار الغموض في تنظيم سوق المحروقات وتراخي الحكومة في تنزيل منظومة المراقبة التقنية والضريبية التي كانت تهدف إلى تتبع مسار المنتجات البترولية والحد من الممارسات غير القانونية داخل سلسلة التوزيع.
ويشمل التأجيل تمديد أجل تطبيق نظام الوسم الجبائي الذي كان مقررا أن يطال منتجات جديدة من بينها الكيروزين والفيول الصناعي والغازات الموجهة للاستعمال التجاري، وهو النظام الذي يروم تتبع مسار هذه المواد منذ خروجها من وحدات التخزين إلى غاية توزيعها النهائي. وتبرر الحكومة هذا التأجيل بصعوبات تقنية ولوجستية تتعلق بتركيب المعدات الضرورية لدى الفاعلين، في وقت تتزايد فيه التساؤلات حول كلفة الفوضى التي يعرفها القطاع وغياب المراقبة الفعلية للأسعار وهوامش الربح.
وبالتوازي مع هذا الإجراء، نص مشروع قانون المالية على مضاعفة حصة استيراد الأبقار الحية إلى 300 ألف رأس بدل 150 ألفا، بعد أن بلغ الاستيراد خلال السنة الجارية 99 في المئة من الحصة السابقة. ويأتي هذا القرار لمواجهة تراجع القطيع الوطني واستمرار ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، غير أن اللجوء المتكرر إلى الاستيراد يكشف محدودية السياسات العمومية في إعادة هيكلة القطاع، خاصة بعد الجدل الذي أثارته ممارسات الوسطاء المعروفين بـ»الفراقشية» واستمرار ضعف المراقبة البيطرية والإنتاجية في الأسواق المحلية.
ورغم مضاعفة الحصة المخصصة للاستيراد، فإن القطاع الوطني لتربية الأبقار لا يزال يعاني من اختلالات هيكلية واضحة، وهو ما يعكس محدودية السياسات العمومية في إعادة هيكلة الإنتاج المحلي. وتستمر فضيحة «الفراقشية»، المرتبطة بالممارسات غير القانونية للوسطاء الذين يتحكمون في أسواق الماشية، في ملاحقة الحكومة، إذ لم تتم معالجتها بشكل حاسم منذ الكشف عنها، مما يفاقم الخصاص في بعض المناطق ويرفع من أسعار اللحوم على المستهلكين. ويبرز هذا الواقع أن اللجوء المتكرر إلى الاستيراد يظل حلّا ظرفيا لا يعوض عن غياب استراتيجية شاملة لإعادة بناء الثروة الحيوانية الوطنية وتحسين مراقبة السوق الداخلية.
وفي الجانب الجمركي، تضمن مشروع القانون إجراءات تقنية متعددة، من بينها اعتماد تقنية البلوك تشين في عمليات التخليص الجمركي بشكل اختياري في مرحلة أولى، بهدف تعزيز الشفافية في المعاملات التجارية وتسهيل تتبع الوثائق والحد من التزوير. كما تم رفع رسوم الاستيراد على الألواح الشمسية من 2,5% إلى 10% لحماية الصناعة المحلية، وخفض الرسوم على مكونات آلات الغسيل نصف الأوتوماتيكية من 30% إلى 17,5% لتشجيع التصنيع الداخلي.
وشملت التعديلات أيضا إعادة هيكلة التعريفة الجمركية الخاصة بالأدوية لتفادي اضطرابات التوريد التي عرفها السوق خلال السنتين الماضيتين، مع مراجعة الرسوم بين 2,5% و40% وفق مستوى التصنيع المحلي. كما تم رفع الرسوم على الثلاجات وآلات الغسيل الجاهزة إلى 17,5% في خطوة تروم دعم تنافسية الصناعات الوطنية أمام المنتجات المستوردة.
أما على المستوى الجبائي، فقد وسع المشروع نطاق الاقتطاع عند المصدر ليشمل الإيرادات العقارية المهنية، إذ ستخضع الإيجارات المدفوعة للشركات والأشخاص الذاتيين الممارسين لأنشطة مهنية لضريبة بنسبة 5%، على أن تخصم من المبلغ الإجمالي المستحق للدولة. ويهدف هذا الإجراء إلى تعزيز مراقبة المعاملات الكرائية والحد من التهرب الضريبي..
كما نص المشروع على إلزام الملزمين بالتصريح بالمداخيل والأرباح المتأتية من الخارج قبل فاتح أبريل من كل سنة، في مسعى لتتبع حركة الرساميل وضمان الشفافية في المعاملات العابرة للحدود. وتم تعديل آجال أداء الضريبة على الأرباح المالية لتصبح خلال 30 يوما من تاريخ العملية بدل تأجيلها إلى السنة اللاحقة، لتسريع عملية التحصيل والحد من الثغرات.
ويقترح النص أيضا إحداث رسم إضافي بنسبة 2% على المعاملات العقارية والتجارية التي تتم خارج المراقبة البنكية أو المحررات الموثقة، بهدف تشجيع الأداء عبر القنوات الرسمية ومواجهة المعاملات النقدية غير المصرح بها.
ومن جهة أخرى، يمدد مشروع القانون العمل بالمساهمة الاجتماعية للتضامن إلى غاية 2028، لتستمر الشركات والأشخاص الذين يتجاوز دخلهم أو أرباحهم مليون درهم سنويا في أداء مساهمة تراوح بين 1,5% و5%، وذلك لضمان تمويل إضافي لصندوق الحماية الاجتماعية.
ولم يغفل النص القطاع الفلاحي، إذ وسع الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة ليشمل الأسمدة والمحاليل الزراعية، وقرر توحيد آجال الإعفاء على التجهيزات الاستثمارية في 24 شهرا لتبسيط المساطر وتشجيع الاستثمار. كما تم تعديل نظام دعم السكن لتمكين الملاك في وضعية الملكية المشتركة من الاستفادة من الإعانة، مع ضبط شروط استرجاع الدعم في حال الإخلال بالالتزامات القانونية.
مجمل هذه التدابير تعكس توجها حكوميا نحو تعزيز التحصيل الضريبي وتقوية المراقبة التقنية والإدارية، دون أن يواكبها تصور واضح لمعالجة التحديات المرتبطة بغلاء المعيشة والقدرة الشرائية، إذ تغيب ضمن النص إجراءات مباشرة لتخفيف الضغط الجبائي أو دعم الأسعار في القطاعات الحيوية. وبهذا يكرس مشروع قانون المالية 2026 مقاربة مالية حذرة تركز على تعبئة الموارد أكثر من تركيزها على الأثر الاجتماعي الفعلي على المواطنين..


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 23/10/2025