هل وعد المحاسبة أخلف من عرقوب؟

إكرام عبدي

في كلمة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الثاني عشر، شدد إدريس لشكر على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مؤكدًا أن المغرب لا يحتاج حكومة شعارات بل حكومة تلتزم بالشفافية والنزاهة وتحاسب المسؤولين على الأخطاء. وأكد أن الاتحاد الاشتراكي سيواصل فضح الفساد الإداري والمالي ولن يقف مكتوف الأيدي أمام ما وصفه بـ»العبث». ذلك أن هناك انتقادات واسعة في الحكومة الحالية لوجود ضعف في تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مما دفع إلى تزايد الشعور بالإحباط والفشل في تدبير الشأن العام من قبل المعارضة وحركات المجتمع المدني وبشكل أوهن ثقة الشباب بمسؤوليهم.
ولطالما ابتهجنا بعد كل ملف فساد بعبارات يرددها الكثير من المسؤولين الحكوميين “فتح تحقيق في الموضوع”، ابتهاج ظل دائما مغلفا بنوع من الخوف أن تكون هاته العبارة: مجرد خطب رنانة مهدهدة تمارس تنويما مغناطيسيا على المغاربة من الحكومة الآنية، كعبارة تبدأ بالضجيج لتنتهي على الرفوف، تبدأ بإلهاء الناس وربح الوقت في انتظار قضية أخرى تطفو على السطح، وهكذا دواليك في جو من استهبال المغاربة واستغبائهم.
فتاريخ حكوماتنا هو تاريخ فتح تحقيقات ومحاكمات مجهولة الأفق والمصير، حتى صارت مجرد فعل تدبير لحرج سياسي في محطات معينة من أجل الهروب إلى الأمام، وإن عُقدت محاكمات في قضايا فساد فهي غالبا ما يرافقها توجس من أن تكون محاكمات أكثر مما هي عدالة مضبوطة وقوانين جارية، حتى غدت عبارة “فتح تحقيق” تُشبَّه بامتصاص لاحتقان شعبي لحظي، ليطول الأمد ويصير وعد التحقيق أمطل من عرقوب كما يقال، بدءا من اختلاسات صندوق الضمان الاجتماعي، انتهاء بحادثة حافلة طانطان وحادث الصويرة وواقعة المحتجين في قضية “كالفان”.
تحقيقات تفتح إلى أجل غير مسمى، أما المحاكمات، فهي لتكميم الأفواه وقمع النشطاء والحقوقيين، فتمضي، ويا للعجب، بسرعة البرق.
من كثرة ترداد هاته العبارة: “فتح تحقيق في الموضوع”، فقدت مصداقيتها، وصارت نكتة تضحكنا وتبكينا في الآن نفسه، والكل يتذكر كيف أن التحقيق في حادث بوقنادل بسلا كان أسرع من قطار بوقنادل، فالمتابع بتهم القتل والجرح الخطأ هو مواطن مغربي بسيط، وهو بالفعل يتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن الحادث بسبب الإفراط في السرعة، فأنا لست ضد هاته العقوبة، ولكن ضد المماطلة في محاكمات تمس الكبار والإسراع في تحقيقات تمس البسطاء، مع أن المفروض أن الكل سواسية أمام القانون.
آمل أن تتزيى كل التحقيقات والمحاكمات بزي المسؤولية والشفافية والصرامة، وتستتبع آليات المحاسبة كل وزير أو برلماني أو صحفي أو سائق على قدم المساواة، بدون أية انتقائية أو تصفية حساب خصوم سياسيين أو تمييز.
في 21 أكتوبر2025، أُودع ساركوزي الرئيس السابق في فرنسا بسجن «لاسانتي» لتنفيذ حكم بالسجن 5 سنوات نافذة بتهمة تورطه غير المباشر في فساد عالي الدرجة، بعد اتهامه بتلقي أموال من معمر القذافي ساعدته في حملته الانتخابية على الوصول إلى كرسي الرئاسة.
في كوريا الجنوبية تلقت الرئيسة “باك جون هاي” حكما بالسجن بمعية صديقتها، وهي أول سيدة تجلس على كرسي الرئاسة في بلادها، وحققت لبلادها مركزا مرموقا بين دول العالم المتقدم. لكن، في نهاية الأمر، سمحت لإحدى صديقاتها من سيدات الأعمال بالفساد واستغلال علاقة الصداقة برئيسة البلاد لتحقيق مكاسب مالية بمخالفات قانونية؛
نحن إذن أمام دول وحكومات تحارب الفساد بحق ولا تبرر وجوده بعالميته. المثير للاشمئزاز ما يحدث عندنا من سكوت عنه وملاحقته ظاهريا، دون أدنى درجة من درجات الجدية والحسم، فكفى من استغباء المواطن المغربي، فله الحق في معرفة مجريات كل المحاكمات وتفاصيلها ومآلاتها عوض دسها بين الرفوف بسحنات البراءة والطهارة والغموض إلى أجل غير مسمى.

الكاتب : إكرام عبدي - بتاريخ : 29/10/2025