معاناة المواطنين معهما متعددة .. الصحة والتعليم عائقان كبيران في مسيرة دائرة إيغرم بتارودانت

 

تعتبر دائرة إيغرم بإقليم تارودانت من المناطق التي تعاني من العديد من المشاكل منذ عقود، فرغم السنوات التي تمر بتعدد المسؤولين الذين يتعاقبون على عدد من القطاعات فإن حال المنطقة لا يزال نفسه، من حيث عدم توفير ضروريات الحياة من تعليم، وصحة، وشغل، وماء شروب، مما أفرغ القرى من ساكنتها، علما بأن دائرة إيغرم تتوفر على ستة عشرة جماعة قروية وبلدية واحدة، وكانت تتوفر على مركز صحي واحد بمركز إيغرم، الذي تم هدمه لإعادة بنائه حسب ما صرح به المسؤولون، لكن ليترك بقعة أرضية جانب بناية الدائرة.
هذه البقعة لا يعلم المتتبعون إن كان قد تم تفويتها لمن لديه إمكانيات مادية لبناء عمارة فعمال منجم تيزيرت وغيره من مناجم المنطقة بحاجة إلى شقق للكراء، أما السكان بالنسبة لمن لديهم إمكانيات فقد ألفوا أن يحملوا مرضاهم إلى مستشفى المختار السوسي بتارودانت ليحصل المريض على ورقة الذهاب إلى مستشفى الحسن الثاني بأكادير ليمنحوه رخصة الدفن… أخذا بعين الاعتبار بأن هناك مستوصفات في بعض الجماعات لكن كل مستوصف تشتغل فيه ممرضة تمنح بدورها ورقة الذهاب إلى مستشفى المختار السوسي ليرسل إلى مستشفى الحسن الثاني أي أن نفس الدوامة يعيشها الجميع.
ولأن المشاكل هي متعددة في هذه المنطقة فإن هذا يحيلنا على وضع ىخر يتعلق بواقع الممارس للتعليم في عالمنا القروي الذي يدرك عن ممارسة وعن تجربة أن التعليم في أقسام متعددة المستويات، كل قسم يحتوي على أربع إلى خمس مستويات، ليس بتعليم فعندما يشرح المعلم لهذا المستوى يتحدث تلامذة المستويات الأخرى، والحال طبعا معروف لدى وزارة التربية الوطنية ولدى مديريتها بتارودانت وغيرها، وبالتالي فالحل يكمن في تعميم المدارس الجماعاتية، واحدة لكل جماعة على الأقل. حاليا توجد مدارس جماعاتية بدون مدير للسنة الثانية، وتم تكليف مدير مجموعة مدرسة تابعة لجماعة والقاضي يقوم بزيارتها بداية السنة الدراسية ونهايتها، في حين أن مؤسسة كهاته بحاجة إلى مدير دائم وإلى مساعديه. وبجماعة النحيت التابعة لدائرة إيغرم توجد مدرسة جماعاتية لأكثر من ثمان سنوات وتعتبر مدرسة نموذجية من حيث نتائجها ومن حيث محاربة الهدر المدرسي ودور النقل المدرسي وجمعية التمدرس المخلصة لمسؤوليتها وأنها حاليا بدون مدير يديرها للسنة الثانية ما ذكرنا. وهي كما أشرت مدرسة جماعاتية واحدة في هذه الدائرة التي تتوفر على ستة عشرة جماعة قروية وبلدية واحدة مما يستوجب تعميمها في هذه المنطقة خاصة وفي العالم القروي على الصعيد الوطني بصفة عامة.
أما بالنسبة للتعليم الإعدادي، فقد أشرنا في أكثر من تحقيق إلى شراكة بين ثلاثة جماعات وبين مديرية التعليم بتارودانت منذ 2015 هي جماعات النحيت والقاضي تيسفان، حيث وفر أحد المحسنين وعاءا عقاريا من هكتارين، لكن ونحن في 2025 لم يتحقق شيء من الشراكة المشار إليها مما جعل ساكنة هذه الجماعات يهاجرون لإنقاذ أبنائهم قدر المستطاع مع العلم أن إعدادية الأرك التأهيلية لإيغرم لا تستوعب أكثر من ألف تلميذ وتلميذة من حيث التغذية ولا من حيث ندرة ماء الشروب ولا من حيث عدم توفير الأمن والهجوم الليلي المتكرر على الطالبات بدار الطالب، وقد أشرنا إلى ذلك في حينه لعدم توفر المنح الأغلبية الساحقة غير ممنوحين مما يجعل بناء إعدادية والقاضي وغيرها من الضروريات الملحة.
هذا الوضع تترتب عنه هجرة السكان لعدم توفير التعليم والصحة والشغل، وكنموذج سنة 1992 قبل التقسيم الجماعي كانت تتوفر الجماعات الثلاث على 9000 نسمة، بينما حاليا بعد إحصاء 2024 فإن ساكنة الجماعات الثلاثة تبلغ فقط 4377 نسمة، والسؤال الذي يفرض نفسه هو هل هذا العدد كاف لثلاثة جماعات، لثلاثة رؤساء وعشرات الأعضاء والسيارات والبنزين؟ أم إعادتها إلى ما قبل التقسيم إلى جماعة واحدة، فالعدد المتوفر حاليا غير كاف ولو لجماعة واحدة في نظرنا، وهذا ناتج عن العزوف عن الزواج، وندرة الولادة، وانعدام الشغل، والجفاف المستمر، وعدم توفير الماء الشروب حيث تباع هذه المادة الحيوية لمن يملك لغة الأرقام.
ولابد من الإشارة بمناسبة هذا الحديث إلى معضلة مؤلمة تتشخص في تعيين مدرسات في سلك التعليم الابتدائي، هذا التعيين لا يراعي مصلحة هذه وتلك، وكنموذج هناك معلمة بين منزل أسرتها وبين المدرسة الجماعاتية للنحيت ثلاثة كيلومترات وتم تعيينها في جماعة تيندين التابعة لدائرة إيغرم، بدون سكن وظيفي، حيث وبصعوبة تم العثور لها على الكراء، لكن بدون ماء الشروب، وبصعوبة تم العثور على مطفية، وبعدها تم التوجه نحو شراء الماء بواسطة ناقلة، ولا وسائل نقل، فلماذا لا تقوم وزارة التربية الوطنية بتوفير ضروريات الحياة لهؤلاء الجنود، ذكورا وإناثا، فدون توفير استقرار نفسي للمدرس لا يمكن أن يتحقق ما نريده منه وما يراد تحقيقه؟
وأخيرا قادني هذه التحقيق إلى مأساة الطالبات اللواتي حصلن على الباكالوريا في ثانوية ايغرم وأرسلن إلى الجامعة بناحية أزرو بأيت ملول، ليقف الكراء ومتطلبات المتابعة وفقر الأسر دون مواصلة التعليم الجامعي، ليعود الجمعي، ذكورا وإناثا، إلى منازلهم يبكيهم الوطن قبل أسرهم. هذا الموضوع الذي هو بحاجة إلى دراسة إحصائية جامعية مستقلة على صعيد العالم القروي شمالا وجنوبا، شرقا وغربا والتفكير في ايجاد الحلول المؤدية إلى محاربة الضياع.


الكاتب :   محمد مستاوي

  

بتاريخ : 03/11/2025