المنطقة في حاجة إلى اتحاد مغاربي قادر على مواجهة التحديات الجيوسياسية والأمنية

تأتي الذكرى الخمسون للمسيرة الخضراء المظفرة في سياق سياسي ودبلوماسي خاص، تميز بصدور القرار الأممي الأخير حول الصحراء المغربية، والذي جدد التأكيد على مركزية مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007، باعتبارها أساسًا واقعيًا وجدّيًا وذا مصداقية للحل النهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل.
وفي ظل هذا التطور، تتعزز مكانة الدبلوماسية المغربية، وتتعمق قناعة المجتمع الدولي بجدوى المقاربة المغربية المبنية على التنمية، والجهوية المتقدمة، واحترام الشرعية الدولية.
في هذا الإطار، نستضيف المحلل السياسي والأستاذ الجامعي الدكتور الموساوي العجلاوي، للحديث عن دلالات هذه الذكرى التاريخية، وقراءة القرار الأممي الأخير، واستشراف آفاق التسوية المستقبلية لقضية الصحراء المغربية.
– ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، كيف تقرأون رمزية هذا الحدث الوطني في ضوء المستجدات الدبلوماسية الأخيرة حول قضية الصحراء المغربية؟
– الحدث الكبير الذي وقع يوم 31 أكتوبر 2025 يشبه ما حدث يوم 16 أكتوبر 1975، فاصلين زمنيين يحصران خمسين سنة من التطورات. في 16 أكتوبر أعلنت محكمة العدل الدولية عن رأيها الاستشاري بشأن الإطار القانوني للصحراء في العام 1884، إثر طلب قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى المحكمة. في اليوم نفسه أعلن الملك الحسن الثاني عن مسيرة خضراء لصلة الرحم بمغاربة الصحراء، مستندا في ذلك إلى رأي المحكمة من أن أرض الصحراء لم تكن خلاء، وأن روابط البيعة كانت قائمة مع القبائل الصحراوية. إعلان قرار المسيرة حدث أساس في تاريخ المنطقة، وحول موازين القوى لصالح المغرب في زمن كان التنسيق قائما وبجدية بين الدولة الجزائرية وإسبانيا فرانكو من أجل تأسيس «دولة» تتوزع المصالح فيها بين إسبانيا والنظام الجزائري. وثائق الأمم المتحدة وأخرى مرتبطة بمذكرات فاعلين سياسيين وعسكريين، وما نشرته وكالة المخابرات الأمريكية في موقعها، كل هذه المتون كشفت عمق قرار المسيرة من حيث الربط بين الرؤية الاستراتيجية لملامح نزاع معقد ولعبة كانت تهدف محاصرة المغرب، قرار المسيرة الخضراء غير موازين القوى بشكل لافت في المنطقة. اللجوء إلى المحكمة كان مبادرة من الملك الحسن الثاني، الذي أعلن في ندوة صحفية بتاريخ 17 شتنبر 1974، عزم المغرب على عرض الخلاف مع إسبانيا حول الصحراء على محكمة العدل الدولية لتعطي رأيا استشاريا في وضعية الصحراء، هل كانت أرض خلاء حين وصول الاستعمار الإسباني إليها.
في تاريخ نزاع الصحراء كان المغرب سباقا للاقتراحات التي تروم الخروج من المنعرجات الإقليمية. عندما أنهت الأمم المتحدة قصة الاستفتاء عبر القرار 1309(2000)، وبعد سنوات من اللف الأممي حول النزاع الإقليمي، تقدم المغرب بمبادرة الحكم الذاتي في أبريل 2007، مما أتاح للمجتمع الدولي إعادة التفكير في صيغة جديدة للإشكال المطروح عليها رسميا منذ 1963. والقرار رقم 2797 الذي تبناه مجلس الأمن يوم 31 أكتوبر 2025 أقفل مرحلة الخمسين سنة من النزاع الإقليمي حول الصحراء، بالانتقال إلى مرحلة جديدة عنوانها حل هذا النزاع عبر مبادرة الحكم الذاتي كإطار وحيد واقعي وعملي وقابل للتطبيق، وانتهت بذلك قصة الاستفتاء المؤدي إلى الاستقلال. في 1975 انتقل نزاع الصحراء من اللجنة الرابعة إلى مجلس الأمن عبر طلب إسباني إلى مجلس الأمن بأن المسيرة الخضراء تشكل تهديدا للأمن الإقليمي، وصدرت عن مجلس الأمن حينها قرارات قاسية في حق المغرب، وبعد خمسين سنة يصدر مجلس الأمن قرارا يعترف فيه بسيادة المغرب على صحرائه، إنه إعلان لبداية مرحلة جديدة باعتراف دولي بارز.
-القرار الأممي الأخير أعاد التأكيد على أولوية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية. كيف تفسرون هذا الموقف، وما الذي يميزه عن قرارات سابقة لمجلس الأمن؟
– تجد عناصر الأجوبة في القرار 2797، فمجلس الأمن يعتبر النزاع إقليميا من حيث تحديد الدول المعنية بالنزاع في الفقرة الثانية، وهذا له أهميته البالغة في تحديد المسؤوليات، وهو الشيء الذي ترفضه الجزائر وتتحدث عن طرفين، في حين تذكر الأمم المتحدة الأطراف. وفي الفقرة الخامسة هناك التنصيص على «إيجاد حل لقضية الصحراء الغربية والمنطقة» وإضافة المنطقة له دلالاته الخاصة في توصيف النزاع بالإقليمي.. وتؤكد الفقرة الرابعة من القرار على قاعدة الحكم الذاتي أساسا لأي حل مستقبلي، « وإذ يؤكد أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر قابلية للتطبيق…». كما تطرق القرار 2797 إلى مصير «المينورسو»، إذ يطلب مجلس الأمن من الأمين العام «أن يقدم خلال ستة أشهر من تجديد الولاية، مراجعة استراتيجية بشأن مستقبل بعثة «المينورسو»، آخذا في الاعتبار نتائج المفاوضات».
– برأيكم، كيف أسهمت السياسة الإفريقية الجديدة للمغرب وعودته إلى الاتحاد الإفريقي في ترسيخ الموقف الدولي الداعم للوحدة الترابية للمملكة؟
– للمغرب سياسات إفريقية واضحة منذ الاستقلال، بيد أن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017، أثرت على توظيف الجزائر لقضية الصحراء في أروقة الاتحاد الإفريقي، واستطاع المغرب سنة ونصف بعد ذلك سحب الملف من الاتحاد الإفريقي في يوليوز 2018، وحصر معالجته فقط داخل الأمم المتحدة، ثم انطلقت قرارات فتح قنصليات لدول إفريقية في العيون والداخلة تجاوز عددها العشرين من 53 دولة إفريقية إلى جانب المغرب. هذه الأمور تحولت إلى أوراق دعم للملف الوطني على المستوى الدولي.
– إلى أي مدى ساهمت الدينامية التنموية بالأقاليم الجنوبية، من خلال النموذج التنموي الجديد، في تغيير نظرة المنتظم الدولي لطبيعة النزاع؟
– كان هذا الموضوع محور الخطاب الملكي يوم 31 أكتوبر 2025، حين تحدث عن السيادة الاقتصادية في الأقاليم الجنوبية، من خلال مبادرات الدول الكبرى بالاستثمارات الوازنة في الصحراء، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وسبق أن أكد الملك في عدد من خطبه في السنوات الأخيرة على البعد الجيوسياسي للاستثمارات في الأقاليم الجنوبية، وتحويلها إلى منصة للإنماء الاقتصادي والاستقرار والأمن نحو إفريقيا جنوب الصحراء، « ويؤهلها لتصبح قطبا للتنمية والاستقرار، ومحورا اقتصاديا بمحيطها الجهوي، بما في ذلك منطقة الساحل والصحراء». ونعرف ما أثارته المبادرات الملكية الثلاث من نقاش وخطوات عملية في العالم وفي إفريقيا بصفة خاصة: أنبوب الغاز الأطلسي وإفريقيا الأطلسية والواجهة الأطلسية للدول الحبيسة في الساحل والصحراء.
– كيف يمكن قراءة المواقف الأخيرة للدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا، في سياق دعمها المتزايد لمقترح الحكم الذاتي؟ وهل يمثل ذلك تحولًا استراتيجيًا دائمًا في مقاربة الملف؟
– اقتنعت الدول الكبرى في نهاية المطاف استحالة قيام دولة بعدد ضئيل من السكان في مساحة جغرافية كبيرة جدا، أي أنها لا ترى أسس قيام دولة، إضافة إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي باشرها المغرب في الصحراء، وتشبث الشعب المغربي بمغربية الصحراء، وسبق المغرب بمبادرة الحكم الذاتي في 2007، كل هذا دفع الدول الوازنة إلى الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، علما أن دعم دول مجلس التعاون الخليجي والدول الإفريقية الشقيقة والصديقة، وبالخصوص اعتراف ترامب بمغربية الصحراء، كل هذا خلق دينامية دولية للانتصار للحق المغربي.
– في ضوء القرار الأممي الأخير حول الصحراء المغربية، كيف ترون مستقبل العلاقات المغربية-الجزائرية؟ وهل يمكن أن يشكل هذا التطور الأممي فرصة لإعادة بناء جسور الثقة وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين الجارين؟
– نتيجة لظروف داخلية في الجزائر وللضغط الأمريكي على النظام الجزائري الذي يعرف عزلة دبلوماسية قل نظيرها، يحاول الأمريكان استمالة الجزائر، عن طريق حزمة من الاستثمارات في مجال النفط والغاز، لمحاصرة روسيا، وأكد مستشارا ترامب، غير ما مرة ، أن حل نزاع الصحراء يمر من تصالح بين الجزائر والمغرب، ولذلك حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على إضافة كلمة «المنطقة « في الحيثية الخامسة من القرار 2797. ويهم الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون الجزائر طرفا رئيسا في المفاوضات. وفي 48 ساعة التي تلت قرار مجلس الأمن استقبل عطاف مسؤولا في البوليزاريو، للتنسيق في المرحلة المقبلة، وبادر وزير الخارجية الجزائرية إلى إجراء حوار بالعربية والفرنسية مع القناة الجزائرية AL24 ، فاجأ فيه الجميع بالحديث أن الجزائر كادت أن تصوت على القرار لولا الديباجة التي تذكر سيادة المغرب، أي أن الجزائر لها تحفظات فقط حول القرار 2797. بيد أن الأمر يتعلق في استهلال القرار بذكر الجزائر طرفا في النزاع وبسيادة المغرب على الصحراء. وسارع مسعد بولوس عبر قناة فرانس24 بالتقاط تصريح عطاف، وتبناه لفتح الفرصة أمام الجزائر للدخول في مفاوضات مصالحة مع المغرب، على أساس أن القرار 2797 لا تعارضه الجزائر. بيد أن ما طرحه عطاف من تعليل يقابله منطق التصويت بالامتناع، لكنها قررت عدم المشاركة في التصويت، وهذه قصة أخرى. الأمريكان براغماتيون ويريدون الانتقال إلى المرحلة جديدة وفي وقت سريع، ولذلك كان اقتراحهم الأولي في مشروع القرار إعطاء مهلة ثلاثة أشهر « للمينورسو «، وفي نسخة ثانية رفعوا المهلة إلى 6 أشهر قبل أن يوافقوا في المسودة الثالثة على إعطاء مهلة «للمينورسو» لمدة سنة، شريطة أن يقوم غوتيريس في فترة 6 أشهر بتقديم « مراجعة استراتيجية بشأن مستقبل بعثة «المينورسو»، آخذا في الاعتبار نتائج المفاوضات».
– هل أنتم متفائلون، أستاذ الموساوي، بخصوص مسار تسوية قضية الصحراء المغربية في ظل هذه التطورات الأخيرة؟ وكيف يمكن أن ينعكس أي تقدم في هذا الملف على مستقبل الاتحاد المغاربي وإحياء مشروعه الوحدوي؟
– في عالم السياسة يجب أن نبقى متفائلين، خاصة وأن ملف الصحراء انتقل إلى مرحلة جديدة من المعالجة بقاعدة إقرار مجلس الأمن بسيادة المغرب على الصحراء، لكن الأمور تبقى رهينة بتدبير التنافس والصراع في هرم السلطة الجزائرية، لأن الكثيرين هناك يقرون بهزيمة دبلوماسية كبيرة للجزائر في ملف الصحراء وفي ملفات أخرى، ويحملون المسؤولية لعطاف وتبون بالخصوص. أي أن الأمر مرتبط ببقاء تبون وشنقريحة في هرم السلطة، ومع كل هذا لنبقى متفائلين لبناء اتحاد مغاربي قادر على مواجهة التحديات الجيوسياسية والأمنية في المنطقة.

