الشبيبة الاتحادية: ضمير نقدي ورافعة للتجديد الديمقراطي

محمد السوعلي *

يحتفل المغرب هذا العام بمحطتين شكلتا نقطتين فارقتين في تاريخ المغرب، الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، والتأكيد الدولي المتجدد على مغربية الصحراء من خلال قرار مجلس الأمن الأخير، ويتصادف هذا الاحتفال مع تخليد الذكرى الخمسين لتأسيس الشبيبة الاتحادية. لذا، تكتسي هذه اللحظة أهمية كبيرة في نظر الاتحاديات والاتحاديين الذين لم يدخروا جهداً في الدفاع عن مغربية الصحراء والتعريف بعدالة مطالب المغرب في مختلف المحافل والمنتظمات الدولية، وشكل ذلك جزءا من نضالهم الدؤوب عن قيم الديمقراطية والعدالةالاجتماعية، نضال يجسد وعيهم التاريخي وشعورهم بالمسؤولية السياسية، ويجعلهم يساهمون بالتالي في صناعة التاريخ.
والشبيبة الاتحادية وهي تخلد الذكرى الخمسين لنشأتها فالجيل لا تسعى فقط إلى استحضار ماضيها المليء بالعطاءات ، بل تؤكد بهذه المناسبة مواصلتها لتحمّل مسؤولية المساهمة في بناء مغرب العدالة والمواطنة. ومنذ نشأتها، لم تكن الشبيبة الاتحادية مجرّد ذراع تنظيمية للحزب، بل كانت ضمير الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وصوت الحرية في وجه القمع، ومدرسة الشجاعة الديمقراطية في أحلك العقود من ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. لقد دافعت، في الشارع كما في الجامعة، عن قيم الحرية والكرامة والمساواة، وأسهمت في حماية التماسك الوطني وفي بناء وعي سياسي جماعي صلب.
واليوم، وقد تغيّر المجتمع وتبدّلت أدوات التعبير، يبقى جوهر الرسالة واحدًا: ربط الذاكرة النضالية بالحاضر الديمقراطي، وتغذية المستقبل بروح النقد والمسؤولية.

الشبيبة الاتحادية مرآة
وطن يبحث عن المعنى

العلاقة بين الشباب والسياسة أصبحت المقياس الأصدق لصحة الحياة الديمقراطية. فعندما تسود اللامبالاة ويضعف الإيمان بالتغيير، يتقلّص النقاش العمومي وتُفرَّغ المواطنة من مضمونها. وقد حرصت الشبيبة الاتحادية، لعقود، للتصدي لهذه الحالة، كما حرصت على أن تكون فضاءً تُمارَس فيه السياسة كالتزام أخلاقي لا كمهنة.
لكن المشهد الشبابي تغيّر: جيلٌ جديد ولد في زمن المدرسة العمومية المتعبة، والاقتصاد المتقلب، والفضاء الرقمي المفتوح. لم تعد القضايا الكبرى وحدها تحركه، بل التفاصيل اليومية التي تمسّ الكرامة والفرص والعدالة.
إن عزوف الشباب ليس أزمة حماس، بل أزمة معنى وثقة.
ولذلك، لا يكفي أن نطلب من الشباب العودة إلى السياسة، بل علينا أن نجعل السياسة تستحق عودتهم. إن استعادة المصداقية تمرّ عبر الفعل الميداني لا عبر الخطاب، عبر الحضور في الجامعات والأحياء والمنصات الرقمية.
ومن هنا يمكن للشبيبة الاتحادية أن تستعيد دورها التاريخي كـ مدرسة للمواطنة الحرة ومختبر للضمير الجماعي.
لكن هذا الدور يقتضي فهمًا عميقًا لثقافة «الجيل الرقمي»، الذي يعبّر قبل أن ينتمي، ويحتجّ قبل أن يصوّت. إنّ جزءًا من هذه الحيوية الجديدة هو طاقة ديمقراطية هائلة تنتظر التأطير لا التوجيه. وعلى الشبيبة الاتحادية أن تصغي لهذه الأصوات وتحوّلها إلى وعيٍ نقديٍ منظم يربط الحرية بالمسؤولية والمواطنة بالفعل الجماعي.

الشبيبة الاتحادية في زمن
الرقمنة وصراع الأفكار

لقد قلب الفضاء الرقمي العلاقة مع الحقيقة والسياسة. فالإعلام الجديد حوّل الرأي إلى سلعة، والمعلومة إلى سلاح. وفي هذا المشهد المضطرب، لا بد للشبيبة الاتحادية أن تستعيد دورها كفاعل فكري وإيديولوجي، قادر على إنتاج قراءة تقدمية للعالم، في مواجهة التيارات الشعبوية وخوارزميات العاطفة.
لم يعد الصراع اليوم بين السلطة والمعارضة فحسب، بل بين العقل والارتباك، بين الوعي والتلاعب. وفي هذه المعركة من أجل الوضوح، يجب أن تكون الشبيبة الاتحادية في طليعة الفضاء العمومي الرقمي، تستثمره كمنصة للتفكير والتربية والنقاش، لا كفضاء للفرجة والانفعال.
كما قال إدريس لشكر في كلمته بالمؤتمر الوطني الثاني عشر:
«لا يمكن لأي مشروع اشتراكي أن ينجح ما لم يُعِد الثقة إلى الشباب باعتبارهم طاقة التغيير وأفق الديمقراطية».
إن المناضل اليوم لا يُقاس بانضباطه، بل بقدرته على التفكير النقدي والمسؤول.
والتقدم ليس شعارًا يُرفع، بل أسلوب في الجمع بين العدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية والحداثة السياسية. ومن هنا، على الشبيبة الاتحادية أن تُحدّث آلياتها التنظيمية، وأن تنتقل من التعبئة العمودية إلى التواصل الأفقي، القائم على الإنصات والإبداع والتفاعل، وأن تتحدث بلغة زمنها: لغة المشاركة والشفافية والوضوح.

الشبيبة الاتحادية…
شريان الحزب وذاكرته المتجددة

لقد أثبت تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن كل تحولٍ جوهري انطلق من شباب الحزب. فكل جيل اتحادي جدّد الفكر والممارسة، وأعاد للحزب روحه النقدية وديناميته الجماعية.
واليوم، بعد المؤتمر الوطني الثاني عشر، يواجه الحزب فرصة جديدة للانبعاث، والشبيبة الاتحادية في قلب هذه الدينامية. فهي التي أعادت سؤال التجديد السياسي إلى الواجهة، وأكدت أن الإصلاح لا يكون إلا من الداخل.
لكن هذا الطموح لن يتحقق دون إعادة تأسيس فكرية وتنظيمية عميقة تجعل من الشبيبة ضمير الحزب ومختبر أفكاره ومصهر قياداته. فدورها ليس تكرار الماضي، بل ابتكار توازن جديد بين الوفاء للتاريخ والانفتاح على المستقبل.
إنها الجسر الذي يربط الذاكرة بالنقد، والنضال بالفعل، والحلم بالبرنامج.

الشبيبة الاتحادية
والدبلوماسية المواطِنة

يتعزز إشعاع المغرب اليوم بتقاطع استقراره الداخلي مع حضوره الدولي الفاعل. وفي هذا الإشعاع، تضطلع الشبيبة الاتحادية بدور محوري من خلال دبلوماسية شبابية مواطِنة ومنفتحة وإنسانية.
حضورها داخل الهياكل الدولية – من مجلس الشباب الإفريقي إلى الاتحاد الدولي للشباب الاشتراكي – يجسّد وعيًا ناضجًا بقضية الوطن، وقدرة على الدفاع عنها بالحجة لا بالصدام، وبربط السيادة بالكرامة والديمقراطية بالاستقرار.
ففي مواجهة الحملات المغرضة التي تستهدف صورة المغرب، تؤكد الشبيبة الاتحادية أن الدفاع عن الصحراء المغربية ليس شأنًا رسميًا فحسب، بل فعل وطني يومي يمارسه الشباب في المنتديات والمنصات الدولية.
إنها تبرهن أن الوطنية ليست انغلاقًا، بل انفتاحًا تضامنيًا يربط العدالة الاجتماعية بالعدالة العالمية.

الشبيبة الاتحادية والبُعد الأخلاقي والفكري للالتزام الحزبي

المعركة الاشتراكية اليوم تُخاض في العقول قبل المؤسسات.
في زمنٍ تفقد فيه السياسة معناها، تبرز مسؤولية الشبيبة الاتحادية في إعادة إحياء البُعد الأخلاقي والفكري للالتزام الحزبي. لم يعد الدفاع عن الماضي كافيًا؛ بل المطلوب إعادة ابتكار اليسار المغربي ليصبح قوة أملٍ لا مجرد شاهدٍ نقدي. وهذا يستلزم عملًا متواصلًا على ثلاثة محاور:
تكوين فكري وإيديولوجي متجدد يربط الاشتراكية بالتحولات الرقمية والبيئية والاجتماعية؛
ديمقراطية داخلية حقيقية تجعل من الكلمة التنظيمية فعلًا جماعيًا مسؤولًا؛
انخراط في النضالات الميدانية حول التعليم، والسكن، والعمل، والبيئة، والعدالة المجالية.
فالاشتراكية المغربية لن تتجدد بالحنين إلى الماضي، بل بالعقلانية والجرأة والابتكار. والشجاعة اليوم أن نرفض الاستسلام للجمود، وأن نؤمن بأن السياسة ليست إدارة للواقع، بل وسيلة لتغييره.

خاتمة: الشبيبة الاتحادية… المستقبل المفكر للمغرب

خمسون سنة من النضال ليست سطرًا في التاريخ، بل نداءً للمسؤولية والأمل.
في لحظة يحتفل فيها الوطن بالمسيرة الخضراء والانتصار الدبلوماسي في قضية الصحراء، يتجدد المعنى الاتحادي: أن تكون الذاكرة رافعةً للمستقبل، لا مزارًا للماضي.
الشبيبة الاتحادية ليست هيكلًا تنظيميًا فحسب، بل ضمير وطني متحرك، يجمع بين الوفاء والإصلاح، بين الإيمان بالفكرة الاشتراكية والإرادة في تجديدها.
وفي زمن تتآكل فيه القناعات، تبقى الشبيبة الاتحادية من بين الفضاءات القليلة التي تُمارس فيها السياسة كخدمةٍ وطنية وكأملٍ إنساني.
وخلال نصف قرن من العطاء، لم تكن الشبيبة الاتحادية مجرد مدرسة للتأطير السياسي، بل كانت جسرًا بين الحزب والمجتمع، وبين الوطن وشبابه.
حملت هموم الأجيال، ودافعت عن قضايا التعليم والشغل والعدالة الاجتماعية، وساهمت في ترسيخ قيم المواطنة والمساواة والكرامة.
ومن خلال حضورها الميداني والنقابي والطلابي، أثبتت أن العمل الشبابي الاتحادي ليس ترفًا تنظيميًا، بل ركيزة في معركة بناء الدولة الاجتماعية والديمقراطية.
لقد كانت دائمًا وما تزال، في قلب التحولات، صوتًا للمستقبل، وذاكرةً للوطن، وضميرًا نقديًا يذكّر بأن الإصلاح لا يتحقق إلا بالفعل الميداني والفكر المستنير.
إن الشبيبة الاتحادية لا تكتفي بأن تحلم بمغرب جديد، بل تعمل كي تستحقه،
لأن المستقبل لا يُمنح… بل يُنتزع بالإيمان والفكر والعمل.

* الكاتب الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتطوان

الكاتب : محمد السوعلي * - بتاريخ : 10/11/2025