جامعة مولاي إسماعيل… مناصب مالية على المقاس

تعيش جامعة مولاي إسماعيل هذه الأيام على وقع جدل واسع أثارته مباريات التوظيف الأخيرة، بعدما تفاجأ عدد من المرشحين بالإعلان عن مناصب مالية تحمل تخصصات غير مألوفة أو غامضة في توصيفها، إلى درجة تجعلها أقرب إلى عناوين أطروحات جامعية منها إلى تخصصات أكاديمية معترف بها.
هذا الغموض في تحديد التخصصات فتح الباب واسعا أمام التأويل، وأتاح للجان المباريات هامشا كبيرا في الانتقاء والإقصاء، بما يسمح بحصر التنافس في عدد محدود من المرشحين، بل وتهيئة الطريق أمام أسماء محددة سلفا، وفق ما يؤكده عدد من الأساتذة المحتجين.
أمام هذه الممارسات، سُجِّلت موجة من الطعون والاحتجاجات من طرف المرشحين الذين رأوا في هذه الطريقة مساسا بمبدأ تكافؤ الفرص. غير أن صرخاتهم، كما يقول بعضهم، لم تجد آذانا صاغية داخل إدارة الجامعة التي وُجهت إليها اتهامات بالسكوت عن “تواطؤ معلن” في تحديد التخصصات وانتقاء أعضاء اللجان على المقاس.
وبحسب شهادات متطابقة، جرى اختيار أعضاء هذه اللجان بعناية خاصة، مع استبعاد أساتذة معروفين بالكفاءة والنزاهة لمجرد أنهم لا ينسجمون مع «التعليمات»، أو يرفضون الانخراط في عمليات انتقاء مشوبة بعدم الشفافية. بعض الأساتذة، وفق المصادر ذاتها، آثروا الامتناع عن المشاركة في هذه اللجان لأنهم رأوا في ذلك مساهمة في «لعبة غير نظيفة» تفتقر إلى الحد الأدنى من الموضوعية.
ومن بين المباريات التي أثارت جدلا واسعا، تلك المتعلقة بمنصب مالي في تخصص Management responsable et entreprenariat، وهو عنوان بدا غريبا حتى على أهل الاختصاص. إذ يؤكد عدد من أساتذة الاقتصاد والتدبير أن هذا التخصص لا يوجد، بمعناه الحرفي، في أي جامعة مغربية أو أجنبية، وأنه لا يعدو أن يكون موضوعا بحثيا يصلح لأطروحة دكتوراه أكثر مما هو مسلك أكاديمي معتمد.
وعادة ما تتوزع مجالات هذا الحقل على تخصصين اثنين هما المالية والتدبير، ما يجعل موضوع المنصب المذكور يدخل ضمن اختصاص التدبير. غير أن لجنة المباراة، وبشكل مثير للاستغراب، أقصت منذ البداية جميع المرشحين المتخصصين في التدبير بدعوى أنهم خارج التخصص المطلوب!
هذا السلوك أثار تساؤلات عميقة حول المعايير التي اعتمدتها اللجنة:
هل جرى الاختيار بناء على التخصص الأكاديمي الفعلي أم على عناوين أطروحات الدكتوراه؟
يبدو الجواب واضحا، كما يقول المتتبعون، إذ إن اللجنة استندت إلى عناوين الأطروحات لا إلى الشهادات العلمية، وهو ما يعد ضربا لمبدأ العدالة الأكاديمية، بالنظر إلى أن شهادة دكتوراه في تخصص Management responsable et entreprenariat غير موجودة أصلا.
بهذه الطريقة، ضيّقت اللجنة مجال التباري إلى حد كبير، وهو ما جعل العملية برمتها موضع شك وتساؤل. فكم من رسالة دكتوراه أنجزت في المغرب حول هذا الموضوع تحديدا؟ المؤكد أن عددها قليل جدا، الأمر الذي يجعل الإعلان عن المنصب بتلك الصيغة بمثابة إغلاق مسبق للمنافسة وفتح الباب أمام «مرشح بعينه» أُعدّ له المنصب مسبقا.
وحتى إذا ما افترضنا وجود حسن نية في صياغة التخصصات، فإن طريقة الانتقاء المعتمدة تظل مثيرة للريبة، لأنها تفرغ مبدأ تكافؤ الفرص من مضمونه الحقيقي. أما في حال حضور نية مبيتة، فإن ما يجري لا يمكن تفسيره إلا بكون المناصب المالية مفصلة على المقاس، في غياب تام لروح الشفافية والنزاهة التي يجب أن تميز مباريات التوظيف في الجامعة العمومية، خصوصا حين يتعلق الأمر باختيار من سيشكلون أساتذة الغد، وحملة رسالة العلم والمعرفة في بلد يعوّل على كفاءاته للنهوض بالتعليم العالي.


بتاريخ : 10/11/2025