سطات تودع أحد رموزها النضالية.. عبد السلام أبو إبراهيم

ودعت مدينة سطات، يوم الأربعاء 5 نونبر 2025، أحد أبنائها البررة وأحد رموز الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المناضل الصلب عبد السلام أبو إبراهيم، الذي شكل جزءا من ذاكرة النضال الوطني والديمقراطي بالمغرب، ورمزا من رموز الصمود في وجه سنوات الرصاص.
فقد عاش الفقيد زمنا من التضييق والملاحقة على يد السلطة آنذاك، فقط لأنه آمن بمبادئ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وسار إلى جانب رفاقه في الاتحاد الاشتراكي على درب المقاومة المدنية، في زمن كان فيه الاختلاف جريمة، والانتماء لليسار شبهة لا تغتفر.
ولأن مدينة سطات كان يراد لها أن تكون مدينة خاضعة لمنطق وزير الداخلية القوي الذي ينتمي إليها، فقد واجه الاتحاديون والاتحاديات هذا الواقع المرير بالثبات والوضوح، ومن بينهم عبد السلام أبو إبراهيم، الذي ظل شوكة في حلق المستبدين.
كان الرجل أيضا مناضلا نقابيا بامتياز، أحد مؤسسي النقابة الوطنية للتجار والمهنيين، ورجل توافقات لا يعرف الإقصاء. عاش من أجل مصلحة مدينته ووطنه، وكرس حياته لخدمة القيم الكبرى التي تربى عليها داخل المدرسة الاتحادية.
اضطر عبد السلام أبو إبراهيم رحمه الله ذات يوم، تحت ضغط الحاجة، بعدما انتقمت منه السلطة بسبب قناعاته، وعملت على التضييق عليه في لقمة عيشه، بحكم اشتغاله في التجارة الحرة ومحاولة «تتريكه»، إلى الهجرة مؤقتا نحو الديار الأوروبية لتأمين لقمة العيش لأسرته، لكنه عاد بعدها إلى الوطن ليواصل نضاله كما بدأه، صلبا، نظيفا، لا يساوم ولا ينكسر.
وقد شكلت جنازته حدثا استثنائيا في سطات، إذ حج إلى المقبرة عدد كبير من المناضلين والمواطنين البسطاء من مختلف الأجيال والانتماءات السياسية، ليودعوا رجلا عاش بشرف ورحل بسلام. كان المشهد مؤثرا، والكلمات التي ألقيت في حقه أكثر من أن تعد.
في وداع المناضل الاتحادي الكبير عبد السلام أبو إبراهيم، انحنت الكلمات أمام قامة استثنائية ظلت راسخة في ذاكرة مدينة سطات والاتحاد الاشتراكي على السواء.
في لحظة وداعه المهيبة، تليت كلمة تأبينية في بيت عبد السلام أبو إبراهيم للكاتب والناقد شعيب حليفي، أحد تلامذة الرجل في المدرسة الاتحادية، كلمة مؤثرة بعنوان «عبد السلام أبو إبراهيم.. كجندي قديم يعبر إلى السماء آمنا»، أعادت للذاكرة صورة رجل عاش صامدا ورحل شامخا.
قال حليفي في مستهل كلمته، لأجل الموت، تنحني الكلمات لتعدل من معانيها الصعبة وتتخلى مؤقتا عن مراوغاتها التي لا تنتهي. من أجل الأصدقاء تصبح الحياة جسرا خرافيا للعبور إلى السماء عبر الأرض (وتلك من حيل الموت)، وها هو واحد من جنود مدينة صغيرة نزلت من السماء واسمها سطات، يعبر الجسر عائدا إلى الأعلى متحررا من كل آثار الدهر التي حملها قيد حياته.
بهذه اللغة المفعمة بالحنين، رسم شعيب حليفي ملامح الراحل عبد السلام أبو إبراهيم، الذي عبر بسلام الحياة بعدما حرثها أملا في دروب طويلة، رجل لم يعرف الكلل ولا الضجر، ظل يسير في شوارع سطات مرفوع الرأس، محاطا بنظرات التلاميذ والتجار والطيور والأشجار، شاهدا على حضور دائم في تفاصيل المدينة الصغيرة.
في هذا النص المؤثر، يستحضر حليفي صورة المناضل الذي عاش تحت الرقابة والملاحقة، لكنه لم يلتفت يوما إلى الحقد أو الانتقام، بل ظل مشغولا بما هو أسمى، خدمة الوطن والناس. ويضيف شعيب حليفي، كل إنسان في مسار حياته يخلق صورة ويراكم رصيدا، وعبد السلام أبو إبراهيم له صورة واحدة بأصوات وعيون متعددة. لم يسع أبدا إلى مراكمة العقارات أو الدخول في مراهنات الدنيا، لكنه خلق رصيدا موزعا بيننا من العفة والإيثار والكرامة وحب الوطن.
لقد كان الفقيد، يقول شعيب، صبورا في الشدائد، لا يشتكي إلا لما يصيب الفقراء والفلاحين والعمال، ولم نسمعه يوما يشكو ضررا مسه رغم ما تعرض له من تضييق، بل كان مؤمنا بمدينته، مؤمنا بأبنائها، يرى فيها نموذجا كان يمكن أن يكون لمدينة قوية ورائدة تليق بتاريخها وتاريخ نسائها ورجالها.

 


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 10/11/2025