كلمة .. المقاولة الصغرى… الحلقة المنسية في مشروع العدالة الاقتصادية

محمد الطالبي

في كل موسم مالي، تتجدد الوعود الحكومية بدعم المقاولات، وتُرفع الشعارات حول تشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل، لكن الواقع يصرّ على أن المقاولة الصغرى ما زالت تعيش على الهامش، محاصَرةً بالضرائب، ومخنوقةً بالإجراءات، ومنسيةً في السياسات العمومية.
هذه الفئة التي تشكّل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وتستوعب أعداداً كبيرة من اليد العاملة، لا تزال تواجه بيئة قاسية لا تراعي خصوصياتها ولا تعترف بدورها الحيوي. فبينما تتجه الامتيازات والتحفيزات نحو المقاولات الكبرى، تُترك الصغرى لتصارع وحدها أمام البيروقراطية، وشح التمويل، وارتفاع الأعباء الجبائية.
إن العدالة الجبائية ليست مجرد شعار، بل ركيزة أساسية لأي نهضة اقتصادية حقيقية. ولا يمكن تصور اقتصاد متوازن دون نظام ضريبي منصف يُميز بين من يملك الإمكانات ومن يكافح للبقاء. فالمقاولة الصغرى لا تطلب دعماً مجانياً، بل تطالب فقط بإنصافها، وبأن تُعامل كفاعل اقتصادي شريك في التنمية، لا كعبء على الخزينة.
لقد آن الأوان لإحداث رجة حقيقية في التفكير الاقتصادي، تُعيد ترتيب الأولويات وتضع الإنسان والمقاولة المواطِنة في قلب السياسات العمومية. المطلوب اليوم ليس مزيداً من الوعود أو الإعلانات الموسمية، بل إرادة سياسية صادقة تُترجم إلى إجراءات ملموسة تتطلب تخفيف الضغط الجبائي، تسهيل الولوج إلى التمويل، تبسيط المساطر الإدارية، وتخصيص نسبة من الصفقات العمومية للمقاولات الصغيرة.
من دون هذا التحول، ستبقى المقاولة الصغرى الحلقة الأضعف في دورة الاقتصاد الوطني، وسنواصل فقدان آلاف فرص الشغل سنوياً بسبب إفلاس وحدات إنتاجية لم تجد من يسمع صوتها.
الرهان الحقيقي ليس في بناء اقتصاد الأقوياء، بل في تمكين الصغار من البقاء والنمو. فحين تزدهر المقاولة الصغرى، يزدهر معها الوطن.
وفي كل القطاعات لا نرى غير ارادة حكومية جشعة تعمل لاغتيال اركان الوطن وهو المواطن.

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 13/11/2025