50 سنة، الشبيبة الاتحادية ورهانات المرحلة

 

تعيش بلادنا مرحلة دقيقة من تاريخها السياسي والوطني، تتقاطع فيها التحولات الإقليمية والدولية مع حراك شبابي لافت، ومع تطورات نوعية في ملف قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الصحراء المغربية، التي دخلت اليوم مرحلة جديدة من ترسيخ مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره الإطار الواقعي والنهائي لتسوية هذا النزاع المفتعل.
حساسية المرحلة لا تقتصر على بعدها الدبلوماسي أو المؤسساتي، بل تمتد لتفتح أمامنا، دولة ومجتمعا، نقاشا سياسيا واسعا، وكذلك دستوريا، حول طبيعة الإصلاحات التي يتعين خوضها لترسيخ مفهوم الجهوية الموسعة وضمان العدالة المجالية وتوسيع المشاركة المواطنة. فهذا النقاش لا يمكن أن يظل حكرا على النخب أو المؤسسات، بل يجب أن يتحول إلى ورش وطني مفتوح يشارك فيه الجميع، وفي مقدمتهم الشباب، بوعي ومسؤولية، لأن بناء المستقبل لا يكون إلا بحوار صادق يعبر عن تطلعات المواطنين ويعكس روح المشاركة الفعلية التي يقوم عليها أي إصلاح حقيقي.
فبينما تصر بعض النخب والمؤسسات على اتهام الشباب بالعزوف عن الشأن العام وعدم الاهتمام بالسياسة، يكشف الواقع الميداني والحركية الواسعة في العالم الافتراضي – من النقاشات الساخنة إلى الحملات التضامنية والمبادرات المدنية – أن هذا الجيل، لم ينسحب من السياسة، بل تمرد على نمط من الممارسة في الحقل السياسي. إن الشباب لا يرفض الفعل السياسي في حد ذاته، بل يرفض شكلا من الفعل سياسي حيث غابت المصداقية والمسؤولية، ويريد بدلا عند ذلك فضاءات جديدة للتعبير، والنقاش، والمبادرة. إن الشباب اليوم يمارس السياسة بأسلوبه الخاص، فهو ينتقد ويتفاعل مع كل القضايا التي تعنيه بشكل مباشر، القضايا المرتبطة بالتعليم والصحة والشغل وحتى القضايا الاممية، لكن بعيدا عن لغة الخشب التي استهلكت وضد الوصاية التي رفضها من خلال الهروب الى العالم الافتراضي فهو جيل الفيسبوك والتيليغرام والديسكفر جيل شكل وعيه في العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي.
في هذا السياق، تبرز أهمية ودور المنظمات الشبابية ومنها منظمة الشبيبة الاتحادية، التي لا ينبغي أن تكتفي بدورها كقطاع حزبي ينظم الأنشطة ويجدد هياكله بشكل دوري، بل أن تتجاوز ذلك نحو أدوار نوعية تفرضها الظرفية الوطنية والسياسية الراهنة. فالتحديات المطروحة اليوم تستدعي من الشبيبة أن تكون جسرا حقيقيا بين الدينامية الشبابية والممارسة المسؤولة، وأن تساهم في إعادة بناء الثقة بين الأجيال الجديدة والعمل الجمعوي والسياسي المنظم، في زمن تتراجع فيه جاذبية الانخراط الحزبي لصالح أشكال تعبير فردية ورقمية.
إن الرهان اليوم يتمثل في أن تشكل الشبيبة الاتحادية مدرسة للتكوين السياسي والفكري، وتعمل على تأطير الشباب وإكسابهم أدوات التفكير النقدي وروح المبادرة، في أفق تشكل جيل جديد يؤمن بأن السياسة فعل جماعي مسؤول لخدمة الصالح العام، وليست وسيلة للترقي الشخصي أو تدبير اللحظات الانتخابية. هذا المسار ليس جديدا عن الشبيبة، حيث راكمت فيه على مدى خمسين سنة تجربة متميزة في التأطير والتكوين، من خلال أوراشها وجامعاتها الصيفية وملتقياتها الوطنية. فقد ظلت الشبيبة الاتحادية مدرسة موازية ساهمت في صقل وعي أجيال من التلاميذ والطلبة، وغرست فيهم قيم الالتزام، والعمل الجماعي، والإيمان بقدرة وجدوى الفعل السياسي الديمقراطي على صناعة التغيير.
في ظل التحولات التي تعرفها البلاد، ينتظر من الشبيبة الاتحادية أن تواكب وتنخرط بشكل فعال في النقاش الوطني حول الجهوية المتقدمة ومشروع الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، من خلال مبادرات للتوعية والتعبئة، تشرح أبعاده الديمقراطية والتنموية، وترسخ الوعي بوحدة التراب الوطني في اطار التكامل والتضامن بين الجهات. كما ينبغي أن تساهم في بلورة رؤى واقتراحات جريئة ومسؤولة تعبر عن انتظارات جيل يسعى إلى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية في مغرب ديمقراطي حداثي.
إن اللحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا تتطلب نفسا شبابيا جديدا في الفعل السياسي، شبابا يؤمن بالعمل المؤسسي وبالإصلاح من الداخل، وبالانخراط النقدي والواعي. إن المرحلة لا تحتاج شبابا ساخطا متدمرا يراقب من بعد بل تحتاج شبابا متمكن من المعرفة وواعيا ومؤمنا بقدرته على الفعل. هنا بالضبط تكمن مسؤولية المنظمات الشبابية، وعلى رأسها الشبيبة الاتحادية، في أن تكون قاطرة الوعي الجديد المؤطر بمفهوم الوطنية التقدمية.
بعد خمسون سنة، تجد الشبيبة الاتحادية نفسها أمام لحظة تستدعي منها تجديد وتوسيع دائرة الفعل. فكما كانت بالأمس مدرسة لتخريج أجيال من المناضلين المؤمنين بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فهي اليوم مدعوة إلى أن تكون فضاء مفتوحا للتفكير في مغرب ينشد الإصلاح والاستقرار، وأن تكون جريئة في التفكير ومبادرة في الفعل ومسؤولة في الممارسة. إن استمرارية الشبيبة الاتحادية تمر عبر استعادة هذا النفس الشبابي المتجدد، القادر على تحويل القيم إلى مبادرات، والذاكرة إلى قوة دفع.


الكاتب : رضوان لمسودي

  

بتاريخ : 14/11/2025