عزوف الحكومة عن تضريب الثروة مقابل تكثيف الضغط الجبائي على الأجراء وصغار المقاولين

تمرير الجزء الأول من مشروع قانون المالية بمنطق الغلبة العددية وتغييب العدالة الجبائية

ما فائدة النقاش البرلماني ومساهمة الأحزاب إذا كان الرفض يطال 320 من أصل 350 تعديلا؟

رفض الحكومة لجميع مقترحات رفع الضرائب على السجائر الإلكترونية والتبغ والمشروبات الكحولية

 

 

صادق مجلس النواب بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026، خلال جلسة برلمانية استمرت حتى ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة، بحضور وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، ووزير الدولة المكلف بالميزانية فوزي لقجع، حيث حصل المشروع على 165 صوتا مقابل معارضة 55 نائبا دون أي امتناع. وأوضحت اللجنة المكلفة بالمالية والتنمية الاقتصادية أن مجموع التعديلات المقدمة على المشروع بلغ 350 تعديلا، تم تبني 30 تعديلا فقط في الجزء الأول، شملت تعديلات الحكومة وفرق الأغلبية وبعض التعديلات المقترحة من المعارضة، في حين تم رفض 320 اقتراحا.
ورغم المصادقة، لا يحمل القانون تغييرا جذريا في فلسفة الإصلاح الضريبي، حيث ما تزال العدالة الضريبية غائبة بسبب عزوف الحكومة عن فرض ضرائب على الثروات الكبرى، في حين تظل الضريبة على الدخل التي يساهم الأجراء في 90 في المئة منها المورد الأساسي للميزانية العامة. ونفس المنطق يطبق على الاستهلاك عبر الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الداخلية على بعض المنتجات، بينما بقيت رسوم المحروقات مرتفعة دون مراجعة. ويستمر الأداء الجبائي ضعيفا مقارنة بالدول الصاعدة الأخرى التي تحقق معدلات نمو مرتفعة رغم الظروف العالمية المماثلة، فيما تكشف حصيلة 125 مليار درهم المحصلة نهاية العام الماضي عن تهرب ضريبي بمليارات الدراهم، مع بقاء مبالغ أخرى خارج خزائن الدولة.
وتؤكد البيانات الرسمية أن صافي مناصب الشغل بين 2022 و2024 سجل نقصا قدره 99 ألف منصب، فيما فقد القطاع الفلاحي 554 ألف منصب، ما جعل الحكومة أكثر إنتاجا للبطالة منذ أكثر من عقدين، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 13,3 في المئة سنة 2024، و38,4 في المئة بين الشباب، و21,6 في المئة بين النساء. كما لم تنجح الحكومة في تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات العمومية والخاصة لإحداث 500 ألف منصب شغل كما كان مقررا، ولم يصل القطاع الخاص إلى الهدف المعلن بزيادة حصته في الاستثمار إلى 50 في المئة.
وفي القطاع العمومي، لم يتم الإصلاح الهيكلي للمؤسسات، وتحويلها إلى شركات مساهمة وإلغاء المؤسسات غير الفعالة لم يتحقق، بينما بقي المخزون الاستراتيجي للقمح يغطي ثلاثة أشهر فقط رغم إنفاق 13,05 مليار درهم على الدعم بين 2022 و2025، فيما توقفت مشاريع كثيرة كالتكرير وإنتاج اللقاحات الوطنية عن التقدم. كذلك، لا يعكس التوظيف في قطاعي التعليم والصحة الواقع، حيث تراوحت الأرقام المعلنة بين 16 ألف و27 ألف منصب، في حين لم تستغل وزارة الصحة سوى 42 في المئة من المناصب المحدثة بين 2022 و2024، ما يعكس ضعف التخطيط في الموارد البشرية الحيوية.
وسجلت القدرة الشرائية للمواطنين تراجعا ملموسا، إذ ارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك من 103,9 سنة 2021 إلى 118,7 سنة 2024، مع زيادات في أسعار الزبدة والزيت والقهوة والدجاج والبيض، بينما بلغت مديونية الأسر 427 مليار درهم مع ارتفاع التعثر إلى 10 في المئة والقروض المتعثرة إلى 44,5 مليار درهم، يمثل الموظفون أكثر من 40 في المئة منها. التفاوتات الجهوية بقيت حادة، مع استحواذ ثلاث جهات على أكثر من 58 في المئة من الناتج الداخلي الخام، واعتمادات ضئيلة للجماعات الترابية لا تتجاوز 22,5 مليار درهم سنة 2026، في حين يظل النموذج التنموي الجديد على الورق دون إجراءات ملموسة، ما انعكس على معدل الخصوبة الذي تراجع إلى 0,85 في المئة، مع 1,97 طفل لكل امرأة، مهددا التوازن الديموغرافي والمستقبل الاقتصادي والاجتماعي للمملكة.
كما أبرزت المعطيات الصادرة حول المقاولات الصغيرة جدا استمرار وضعية الاختناق، حيث يفرض القطاع البنكي ضمانات تفوق ثلاثة أضعاف مبلغ القرض المطلوب ويطبق أسعار فائدة مرتفعة، في حين يصنف هذه المقاولات ضمن خانة “عالية المخاطر”، ما يحرمها من الاستفادة الفعلية من برامج الدعم الحكومية. على الجانب الجبائي، ارتفعت الضريبة على هذه المقاولات من 10 في المئة سنة 2023 إلى 17,5 في المئة، وستصل إلى 20 في المئة سنة 2026، ما يزيد من كلفة النشاط الاقتصادي لهذه الفئة التي تشكل العمود الفقري للنسيج الإنتاجي الوطني.
ومن بين أبرز التعديلات الضريبية والجمركية، سجلت زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية على الزجاج الأمامي للسيارات من 2,5 في المئة إلى 17,5 في المئة لدعم الإنتاج المحلي وتحفيز خلق فرص الشغل، في حين تم رفض اقتراح رفعها إلى 30 في المئة. كما فرضت رسوم جمركية بنسبة 17,5 في المئة على 22 نوعا من الاختبارات الطبية السريعة لتعزيز الإنتاج المحلي والصناعة الصحية، رغم تحفظ المعارضة على احتمال استفادة مختبر واحد بشكل غير متناسب. وتم تبني تعديل لإعفاء أندية كرة القدم المحولة إلى شركات رياضية من الضريبة على الشركات لمدة خمس سنوات، بهدف دمجها في النسيج الاقتصادي الرسمي، بينما رفضت الحكومة جميع مقترحات رفع الضرائب على السجائر الإلكترونية والتبغ والمشروبات الكحولية، كما لم يتم تبني اقتراح فرض رسوم إضافية على النفايات والإطارات المستعملة المستوردة، بحجة احترام الإجراءات القانونية والتنسيق مع القطاعات المعنية.


الكاتب : n عماد عادل 

  

بتاريخ : 15/11/2025