الملكية التشاورية والصوت الاتحادي: إدريس لشكر وذكاء اللحظة الوطنية

محمد السوعلي

ليس من قبيل المصادفة أن يتجدد الحوار الوطني حول مبادرة الحكم الذاتي في لحظةٍ دقيقةٍ تتقاطع فيها السياسة بالدبلوماسية، والإصلاح بالمؤسسات. في هذه المرحلة الحاسمة، يبرز صوت الاتحاد الاشتراكي كصوتٍ للعقل والرصانة، متمسكًا بخيار الإصلاح في ظل الاستقرار، ومؤكدًا أن الوفاء للمؤسسة الملكية لا يتعارض مع الجرأة في التفكير، بل يمنحها معناها الحقيقي.
خلال ظهوره في برنامج «من نقطة إلى السطر»، قدّم إدريس لشكر خطابًا يتجاوز البلاغة إلى الموقف، قائلاً إن «المرحلة المقبلة، ما بعد 31 أكتوبر، سيكون لها ما بعدها على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية».
بهذه الجملة المكثفة، لخّص ادريس لشكر جوهر التحول الذي تعيشه البلاد: لحظةٌ تستدعي الانتقال من منطق التفاعل إلى منطق البناء، ومن الخطاب الدبلوماسي إلى الفعل الإصلاحي الملموس. فكما أوضح، «الانتصار في معركة السيادة يجب أن يُترجم إلى إصلاحٍ داخليٍ يرسخ المساواة ويقوّي مؤسسات الدولة».
ما بعد 31 أكتوبر: السيادة كمنطلقٍ للإصلاح

في قراءته العميقة للمشهد السياسي، لم يقدّمادريس لشكر تصورًا ظرفيًا، بل وضع معادلةً متكاملة: الحفاظ على الوحدة الترابية يمر عبر ترسيخ الديمقراطية الداخلية.
وقال بوضوح إن «الحكم الذاتي ليس مجرد مبادرة دبلوماسية، بل جزء من الإطار المؤسساتي للدولة، ومكانه الطبيعي هو الدستور».
هنا تتجلى نضج الرؤية الاتحادية التي ترى في مبادرة الحكم الذاتي فلسفة إصلاحٍ ممتدة، وليست مجرد ردٍّ سياسي على نزاعٍ خارجي.
فمن وجهة نظر القائد الاتحادي، المرحلة الجديدة تفرض الانتقال من الدفاع إلى البناء، ومن المركزية إلى التشاركية، لأن «الجهوية المتقدمة هي الطريق الواقعي نحو مواطنةٍ فاعلةٍ وعدالةٍ مجاليةٍ متوازنة».
الاجتماع الملكي يوم 10 نونبر 2025، الذي جمع ممثلي الأحزاب الممثلة في البرلمان، لم يكن إذنا طقسًا سياسيًا عابرًا، بل خطوةً في تأسيس منهجٍ جديدٍ للحكم: تشاوريٍّ في المنهج، تشاركيٍّ في المضمون، ومؤسساتيٍّ في الأفق.-
الملكية التشاورية وتجديد العلاقة بين الدولة والأحزاب
أوضح إدريس لشكر في تحليله أن هذا التوجه الملكي «يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والأحزاب على قاعدة المسؤولية المشتركة»، لأن اللحظة التاريخية تتطلب أحزابًا تفكر وتبادر، لا تكتفي بالتعليق.
وأضاف أن «القوى السياسية اليوم مطالَبة بتقديم رؤية محينة ومفصلة للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، مستندة إلى التجربة المغربية في ترسيخ الجهوية المتقدمة».
بهذا المعنى، يرى الاتحاد الاشتراكي أن المؤسسة الملكية لا تكتفي بتأمين الاستقرار، بل تمنح العمل الحزبي فضاءً لتجديد دوره كمشاركٍ فعلي في صناعة القرار.
الملكية التشاورية، في نظر الحزب، ليست مجرد أسلوبٍ في التدبير، بل إطارٌ لإعادة الاعتبار للسياسة نفسها. فهي تحوّل الحوار إلى آليةٍ للحكم، وتُخرج الفعل الحزبي من دائرة الخطابة إلى دائرة المشاركة المنتجة.
بهذا التصور، تصبح العلاقة بين القصر الملكي والأحزاب علاقة تكاملٍ مؤسساتي لا علاقة وصاية، ويستعيد العمل الحزبي مكانته كجزء من الهندسة الدستورية للدولة.-
إدريس لشكر: صوت العقل في زمن الالتباس
في زمنٍ يعلو فيه الضجيج على الرؤية، يقدّم إدريس لشكر نموذجًا للقيادة الهادئة التي تتكلم بلغة الدولة لا بلغة الانفعال.قال إن «قرار مجلس الأمن الأخير جاء تتويجًا لمسارٍ طويل من الدبلوماسية الملكية»، مبرزًا أن هذا النجاح لا يُقاس فقط بالتصويت أو الاعتراف، بل بالقدرة على تحويله إلى مشروعٍ وطنيٍّ داخليٍّ متكامل.
وبينما حذّر من «استمرار خصوم الوحدة الترابية في مناوراتهم»، دعا إلى «اليقظة والجاهزية الإعلاميةوالسياسية» لمواجهة الحملات المعادية، مؤكدًا أن المعركة اليوم لم تعد فقط على الأرض، بل على من يوفق في جعل الناس يتمثلون سرديته ، وعلى قدرة الدولة والأحزاب معًا على إنتاج خطابٍ وطنيٍ موحد.
من خلال هذا الخطاب، يُعيد ادريس لشكر تثبيت صورة الاتحاد الاشتراكي كحزبٍ وطنيٍ مسؤولٍ يرفض المزايدة، ويتعامل مع القضايا الكبرى من منطلق العقل المؤسساتي. فالوطنية، في نظره، ليست صراخًا في الفضاء العام، بل التزامًا ببناء مؤسساتٍ قويةٍ وديمقراطيةٍ تُترجم السيادة إلى استقرارٍ وعدالةٍ اجتماعية.

من القضية الوطنية إلى مشروعٍ للإصلاح الديمقراطي

لم يكتفِ إدريس لشكر بقراءة القرار الأممي في بعده السيادي، بل ربطه بمستقبل الإصلاح الداخلي.قال بوضوح إن «الدفاع عن الصحراء هو في حد ذاته بناء للديمقراطية»، لأن السيادة لا تكتمل دون دولةٍ عادلةٍ تشرك مواطنيها في القرار، وتضمن لهم التنمية المتوازنة.
من هذا المنطق، تُصبح مبادرة الحكم الذاتي مختبرًا عمليًا للديمقراطية الترابية، وأداةً لتصحيح الاختلالات المجالية والاجتماعية. ويعتبرادريس لشكر أن نجاح التجربة المغربية لن يتحقق بالخطاب وحده، بل بترسيخ العدالة بين الجهات، وبإعطاء المجالس الترابية صلاحياتٍ فعلية تجعل من التنمية خيارًا وطنيًا مشتركًا.فالوحدة الترابية لا معنى لها إذا لم تُترجم إلى توزيعٍ منصفٍ للثروة، والجهوية لا قيمة لها إذا لم تفتح أبواب المشاركة المواطِنة.
خاتمة: من سيادة الدبلوماسية إلى سيادة الإصلاح
سنة 2025 ليست مجرد محطة في مسار الدولة، بل لحظة اختبارٍ للنضج السياسي الوطني.يذكّر إدريس لشكر بأن «الوفاء للثوابت الوطنية لا يتناقض مع الجرأة في الإصلاح، بل يمنحها شرعيتها»، لأن بناء المستقبل لا يكون بالدفاع فقط، بل بالفعل.ويضيف أن «الإصلاح السياسي اليوم لم يعد ترفًا، بل ضرورة لتجديد الثقة بين المواطن والدولة».
إن الرهان المقبل، في نظر الاتحاد الاشتراكي، هو ترجمة السيادة إلى مشروعٍ ديمقراطيٍ متكاملٍ يبدأ من النظام الانتخابي وقانون الأحزاب ويمر عبر تحديث القوانين الحزبية وتخليق التمويل السياسي ومحاربة الريع الانتخابي وتوسيع مشاركة الشباب.
فالاستحقاقات الانتخابية لسنتي 2026 و2027 لن تكون مجرد تنافسٍ على المقاعد، بل لحظة حقيقية لقياس مدى نضج التجربة السياسية المغربية، وقدرتها على تحويل القوة الدبلوماسية إلى قوةٍ ديمقراطيةٍ داخلية.
الاتحاد الاشتراكي، في هذا الأفق، لا يقدّم خطابًا معارضًا ولا تبريريًا، بل مقاربةً وطنيةً إصلاحية ترى أن المستقبل يُبنى بالشراكة، لا بالمواجهة، وبالوضوح لا بالالتباس.
إنه حزب المدرسة، الذي يربط الوطنية بالفعل، والسيادة بالإصلاح، والشرعية بالمبادرة.
الوطن أولًا، الإصلاح الآن، والديمقراطية دائمًا.
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… لفتح الطريق نحو مغربٍ عادلٍ، متوازنٍ، وسيّدٍ في قراره

الكاتب : محمد السوعلي - بتاريخ : 17/11/2025