فادي وكيلي: الشبيبة الاتحادية لعبت دورا بارزا في تمثيل المغرب في المحافل الدولية الشبابية
في أجواء تغمرها رمزية التاريخ وعمق اللحظة الوطنية، احتضنت مدينة الرباط، وفي معقل الاتحاد يعقوب المنصور» مسرح المنصور «فعاليات الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس الشبيبة الاتحادية، التنظيم الشبابي الذي شكّل على امتداد نصف قرن أحد أهم روافد العمل السياسي والتربوي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأحد أبرز مؤسسات التنشئة السياسية في المغرب المعاصر. وقد حضر الملتقى وفود رمزية من مختلف جهات المملكة، في لقاء جمع بين ذاكرة النضال وأمل المستقبل، وعكس استمرار الشبيبة كفضاء لإنتاج قيادات وكفاءات سياسية قادرة على حمل قضايا الوطن.
وفي كلمة الافتتاح، أكد إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في الملتقى الوطني ، بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس الشبيبة الاتحادية، أن الاحتفال بهذه المناسبة ليس مجرد محطة رمزية أو تقليد احتفالي عابر، بل هو وفاء لزمن طويل من التضحيات التي راكمتها الشبيبة الاتحادية والتي شكلت، منذ لحظة ميلادها، إحدى الدعامات الأساسية للمسار الديمقراطي والحداثي بالمغرب. واعتبر أن هذا اللقاء يشكل مناسبة لتثمين حضور شابات وشباب الحزب في الحياة العامة، واستحضار سيرورة تنظيمية ونضالية طبعت جزءاً كبيراً من الذاكرة السياسية للمغاربة.
أبرز لشكر في افتتاح الملتقي بمسرح المنصور بالرباط، أنّ تخليد الذكرى الخمسين يأتي متزامناً مع سلسلة من المحطات الوطنية الكبرى التي يحمل شهر نونبر رمزية عالية فيها، من قرار مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر، إلى ذكرى المسيرة الخضراء، وصولاً إلى عيد الاستقلال في 16 و17 و18 نونبر، وهي مناسبات تختزل البعد التاريخي والسياسي لنضالات الشعب المغربي، وتعيد إلى الواجهة قيم الالتزام الوطني التي شكلت أساس وجود الشبيبة الاتحادية منذ سنة التأسيس.
وأوضح أن الذاكرة السياسية التي نتقاسمها اليوم لا يمكن فصلها عن ذاكرة الشباب المغربي عامة، لأن أجيال الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، كانوا في نفس السن التي يوجد فيها شباب الشبيبة الاتحادية اليوم. فالذين قادوا معارك التحرر من الاستعمار، والذين واجهوا الاعتقال والمنفى، كانوا شباباً آمنوا بوطنهم ودافعوا عن قيم الحرية والكرامة والسيادة الوطنية.
وأشار الكاتب الأول إلى أن الشبيبة الاتحادية كانت دائماً مدرسة للتربية السياسية ولترسيخ قيم المواطنة والديمقراطية، وأنها ظلت عبر خمسة عقود حاضرة في مختلف المحطات الحزبية والوطنية، رغم ما عرفه الحزب أحياناً من لحظات صعبة أو تضييقات أو تجميد. ففي كل تلك المنعطفات، كانت الشبيبة الطلابية والمدرسية هي الصوت الذي يحافظ على جذوة الاتحاد الاشتراكي مشتعلة، سواء داخل الجامعات أو في الساحات العمومية، عندما كان كثير من القيادات معتقلاً أو في وضع تنظيمي معقد. وقال»لم تكن في يوم من الأيام مجرد جهاز حزبي شبابي، بل كانت إحدى الواجهات الأساسية للنضال الديمقراطي ولصون كرامة المغاربة»، مضيفاً أن أدوارها تراوحت بين الدفاع عن حقوق الإنسان، والمطالبة بالإصلاح السياسي، واحتضان الحركة الطلابية، ومرافقة التحولات الكبرى التي شهدها المغرب.
وأشار إلى أن الشبيبة كانت شاهدة على جميع التحولات السياسية التي عاشها المغرب منذ سبعينيات القرن الماضي، وأن حضورها ظل ثابتاً في اللحظات العصيبة التي مر بها الحزب. ففي أوقات الاعتقال أو التجميد أو الحصار السياسي، كانت الشبيبة «الحارس الأمين على صوت الاتحاد الاشتراكي»، ترفع الشعارات، وتؤطر الطلبة، وتقود الاحتجاجات السلمية، وتؤكد أن الحزب لم يفقد موقعه كقوة اقتراحية ونضالية.
عبر خمسة عقود، استطاعت الشبيبة الاتحادية أن تتحول إلى مدرسة فكرية وتنظيمية خرّجت عدداً كبيراً من الأطر التي تقلّدت مسؤوليات مهمة داخل الحزب وفي مؤسسات الدولة. فقد كانت فضاءً لصقل الوعي السياسي، وتعميق ثقافة الديمقراطية، والدفاع عن الحقوق والحريات، والانفتاح على الفكر الحداثي والتقدمي.
وأكد أن وثائق هيئة الإنصاف والمصالحة تشهد على حجم حضور الشباب الاتحادي في قائمة شهداء ومعتقلي سنوات الرصاص، وهو ما يعكس ارتباط الشبيبة تاريخياً بالدفاع عن حقوق الإنسان وعن قيم الديمقراطية والإصلاح، ودورها الريادي في مواجهة سنوات الاعتقال والقمع.
وفي سرده لجوانب من ذاكرة النضال الحزبي، استحضر لشكر تضحيات شباب 23 مارس 1965 الذين واجهوا الرصاص دفاعاً عن كرامة الشعب، وشباب السبعينات الذين قدموا حياتهم وحريتهم من أجل انتصار المشروع الديمقراطي. وأكد أن الحاضرين اليوم في هذا الملتقى يمثلون امتداداً طبيعياً لأولئك المناضلين، وأن الذكرى الخمسين تحمل دلالات عميقة تجعل من الشبيبة الاتحادية رصيداً استراتيجياً لاستمرارية الحزب وقدرته على التجدد وإنتاج أجيال من الأطر السياسية الوطنية.
ونبّه الكاتب الأول إلى أن المرحلة الراهنة تفرض تطوير وتجديد آليات اشتغال الشبيبة الاتحادية، داعياً إلى الإسراع بعقد المؤتمر الوطني للشبيبة الاتحادية خلال السنة الجارية ومراجعة السن القانوني للعضوية ليصل إلى 35 سنة وتبني وسائل عمل أكثر حداثة وانفتاحاً على التحولات الرقمية وإطلاق منصات رقمية محلية تعزز تفاعل الشباب داخل أحيائهم وتمكين المنتسبين الجدد من فضاءات للإبداع والمبادرة.
واعتبر أن العالم تغيّر بشكل سريع، وأن الأجيال الحالية تحتاج إلى أدوات جديدة للتواصل والمرافعة والتأطير، وهي مسؤولية تقع على عاتق الشبيبة الاتحادية التي أثبتت عبر تاريخها أنها قادرة على التطور المستمر.
وختم لشكر كلمته بالتأكيد على أن الشبيبة الاتحادية كانت وستظل الضامن الحيوي لاستمرار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كقوة سياسية قائمة وفاعلة، مشدداً على أن الطاقة الشبابية الصاعدة داخل التنظيم قادرة على حمل مشعل النضال الديمقراطي لسنوات مقبلة، وأن تخليد نصف قرن من العمل الشبابي ليس مجرد احتفاء بالتاريخ، بل هو إعلان انبعاث جديد لشبيبة عازمة على مواصلة مسارها بروح أكثر قوة وتجديداً.
من جهته، اعتبر فادي وكيلي العسراوي، الكاتب العام للشبيبة الاتحادية أن الذكرى الخمسين ليست فقط استحضاراً للماضي، بل هي « وقفة تأمل واعتزاز بمسار طويل من النضال والعطاء والإيمان بقيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية «. وأكد أن الشبيبة الاتحادية كانت، وما تزال، منارة للتعبئة السياسية والفكرية، ومختبراً لإنتاج الأفكار الجديدة، وسنداً للمبادرات التي تستهدف تطوير المجتمع وربط الشباب بقضايا وطنهم.
وأشار المتحدث إلى أن الشبيبة كانت عبر تاريخها حاضرة في قضايا التعليم والتشغيل والحقوق، مكافِحة من أجل تمكين الشباب وتوسيع مشاركتهم السياسية والمدنية. كما لعبت دوراً بارزاً في تمثيل المغرب في المحافل الدولية الشبابية، مدافعة عن قضاياه الوطنية وعلى رأسها الوحدة الترابية.
وأوضح الكاتب العام أن واقع الشباب اليوم يطرح تحديات صعبة تتعلق أساساً بالإدماج المهني، وتراجع فرص الاندماج السياسي، معتبراً أن “ضمان الولوج إلى سوق الشغل وخلق مسارات مهنية مستقرة شرط أساسي للتمكين الاجتماعي والاقتصادي”. وشدّد على أن الاستثمار في الشباب ليس ترفاً، بل “رهان على مستقبل الوطن”.
ودعا إلى جعل قضية الشباب محوراً للسياسات العمومية، مؤكداً أن الاتحاد الاشتراكي كان دائماً رافعة لدعم المبادرات الشبابية وتوفير فضاءات للتأطير والإبداع، وأن الشبيبة الاتحادية ستظل حاملة لهذا الإرث ومسؤولة عن تطويره.
وأكدت قيادة الشبيبة الاتحادية، خلال اللقاء، أن المرحلة المقبلة ستعرف دينامية تنظيمية واسعة محلياً وإقليمياً ووطنياً، بهدف إعادة تجديد البنيات الداخلية، وتعزيز المشاركة الفاعلة للشباب في مختلف القضايا العمومية.
ووجّهت القيادة رسالة واضحة مفادها أن الشباب الاتحادي “لم يكن يوماً متفرجاً على الأحداث، بل كان دائماً في قلبها”، وأن الجيل الحالي مسؤول عن الحفاظ على هذا الخط النضالي، وتطوير حضوره في صياغة السياسات العمومية والدفاع عن القضايا المصيرية للوطن.
اختتم اللقاء بتجديد العهد مع قيم الاتحاد الاشتراكي ومبادئه، والتشديد على أن الشبيبة الاتحادية ستواصل رسالتها كمدرسة للتربية السياسية، وفضاء لنحت قيادات شبابية قادرة على صناعة التغيير. وأكدت الكلمات الرسمية أن خمسين سنة من النضال ليست نهاية مسار، بل بداية لمرحلة جديدة ترتكز على التجديد، والانفتاح، والارتباط الوثيق بقضايا الوطن والمواطن.
وقدم حفل الافتتاح طارق بوبكري عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية بمناسبة الذكرى الخمسين للشبيبة الاتحادية، رحب فيها بالضيوف وبالحدث الذي يحمل في طياته عبق التاريخ ووهج الحاضر وأمل المستقبل، نحن اليوم أمام محطة مميزة من مسار ممتد نصف قرن من الزمن، نصف قرن من النضال الشبابي والسياسي والفكري الذي خطت الشبيبة الاتحادية معالمه بثبات وإيمان، خمسون سنة من العمل الدؤوب، من النقاش الفكري الخلاق، من الحضور الميداني والمواقف المبدئية، من الرهان على الشباب باعتباره طاقة التغيير وعماد المستقبل، فهذه الذكرى ليست مجرد احتفال رمزي، بل هي استحضار لمسيرة أجيال تعاقبت على حمل المشعل، مؤمنة بأن العمل السياسي فعل نبيل، وأن الوطن يستحق دائمًا الأفضل.
إن الشبيبة الاتحادية، يقول بوبكري، ومنذ تأسيسها، كانت ولا تزال مدرسة في الوطنية الصادقة، وفضاء لتكوين أطر فكرية وتنظيمية نذرت نفسها لخدمة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، كانت صوت الشباب الطامح إلى مغرب أكثر عدلا وإنصافا، وسندا للمجتمع في لحظات التحول، وجسرا بين الفكر الاتحادي الأصيل وروح العصر المتجددة، وهي اليوم، في ذكراها الخمسين، تجدد العهد على مواصلة المسار بنفس الإرادة والعزم، مستلهمة من تاريخها ما يقويها، ومن طموحات الشباب ما يدفعها إلى الأمام، لتبقى دائما منارة للالتزام والفكر الحر، وحاضنة لكل الطاقات المؤمنة بالمستقبل الديمقراطي الذي نحلم به جميعا.
إن الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس الشبيبة الاتحادية لم يكن فقط مناسبة لاستحضار ماضٍ زاخر بالعطاء، بل أيضاً مناسبة لفتح نقاش هادئ ومسؤول حول مستقبل المشاركة السياسية للشباب، وتطوير دورهم في بناء مغرب الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية. وقد برز خلال الملتقى أن الشبيبة الاتحادية، بما تمتلكه من تراكم نضالي وفكري، مؤهلة لقيادة مرحلة جديدة، تُعيد فيها الاعتبار للعمل السياسي الجاد، وتمنح للشباب فضاءات أرحب للمشاركة والاقتراح والإبداع.