سعاد الصباح.. حين يلتقي الشعر بالإنسان في ذاكرة المهرجان الدولي للسينما الناظور .. ندوة تحتفي بمسار شاعرة جعلت من الكلمة جسراً للمرأة والحرية

 

في أجواء احتفائية مؤثرة تناغمت فيها الثقافة مع قيم الاعتراف والوفاء، احتضنت فعاليات الدورة الرابعة عشرة للمهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة، ندوة فكرية موسّعة خصصت لقراءة السيرة الإبداعية والإنسانية للشاعرة والفنانة التشكيلية الشيخة سعاد الصباح، وذلك تزامناً مع تكريمها في حفل افتتاح الدورة الذي أقيم يوم السبت 15 نونبر 2025.
الندوة التي شارك فيها نخبة من الأدباء والباحثين والنقاد من المغرب وعدة دول عربية وأجنبية، تحولت إلى محطة اعتراف بمسار امرأة جمعت بين قوة العبارة وعمق الموقف، وبين جرأة الكلمة ونبل الالتزام الإنساني.

«وفاء للوفاء».. شعار يختزل علاقة المهرجان بالمحتفى بها

افتتح رئيس المهرجان عبد السلام بطيب أشغال الندوة بكلمة وُصفت بالمؤثرة، كشف فيها عن خلفيات اختيار شعار الدورة: «وفاء للوفاء»، موضحاً أن هذا الشعار لم يُصَغ من فراغ، بل نتج عن قناعة راسخة بقيمة المسار المتفرّد للشيخة سعاد الصباح، وبأهمية حضورها الثقافي والإنساني في المشهد العربي.
كما توقف بوطيب عند تفاصيل الزيارة التي قام بها وفد من إدارة المهرجان إلى دولة الكويت للقاء الشاعرة قبل أشهر، حيث كان الاستقبال، حسب قوله، «دافئاً يعكس أصالة امرأة تتعامل مع محيطها بحسّ إنساني رفيع». وأضاف أن هذا اللقاء كان الشرارة الأولى لفكرة تكريمها في افتتاح الدورة الرابعة عشرة، تقديراً لمسيرتها ولعطائها الإبداعي المتعدد.

مداخلات تعيد تركيب صورة شاعرة تجاوزت الحدود

توزعت المداخلات الفكرية والنقدية التي أثرت الندوة بين قراءة في تجربتها الشعرية، واستعراض لمسارها الفني التشكيلي، وتحليل لدورها الريادي في الدفاع عن حقوق المرأة العربية. وقد جمع المشاركون على أن سعاد الصباح ليست مجرد شاعرة أو فنانة، بل ظاهرة ثقافية عربية بصوت نسائي استثنائي.

الشعر.. لغة الذات والإنسان في تجربة سعاد الصباح

في مداخلة نقدية عميقة، تناول أحد الباحثين العرب التحول الذي أحدثته الشاعرة في القصيدة العربية الحديثة، خصوصاً على مستوى الخطاب النسوي. فقد استطاعت – بحسب المتدخل – أن تزاوج بين البساطة اللغوية والعمق الدلالي، وأن تمنح القصيدة النسائية بعداً جديداً قائماً على التعبير الحرّ عن الذات والمرأة والوطن.
وأشار إلى أن قصائدها تميزت بقدرتها على إدخال البعد الفلسفي والإنساني دون التفريط في الإيقاع الوجداني، ما جعل كتاباتها تحجز لها مكانة خاصة بين الأصوات الشعرية العربية المعاصرة.

الفن التشكيلي..
قصيدة بالألوان

أما الجانب التشكيلي في مسارها، فقد توقف عنده أحد المختصين معتبراً أن أعمال سعاد الصباح التشكيلية تمثل امتداداً بصرياً لشعرها، حيث يتحول اللون إلى أداة للكشف عن المرأة، الحلم، والحرية.
وذكّر بأن تجربتها الفنية تمتاز بالتجريب والانفتاح على خامات جديدة وتراكيب مبتكرة، ما يجعلها إحدى القلائل اللواتي جمعن بين الشعر والفن التشكيلي بروح واحدة ونبض إنساني مشترك.

صوت المرأة العربية في واجهة الإبداع

مداخلة أخرى سلّطت الضوء على الجانب الحقوقي في مسيرة الشاعرة، لا سيما دورها في الدفاع عن حقوق المرأة في التعليم والمشاركة العمومية والتمكين الاقتصادي.
وأبرز الباحث المتدخل أن خطاب سعاد الصباح، بعيداً عن الصخب، اشتغل على بناء الوعي وتصحيح الصورة النمطية عن المرأة العربية، مُعتبراً أن تأثيرها تجاوز حدود الكويت ليشمل الفضاء العربي كاملاً عبر المبادرات الثقافية والمؤسسات التي أسستها.

حين تتحول دار النشر
إلى مشروع إنساني

تميّزت الندوة بمداخلة الكاتب والباحث علي المسعودي، رئيس دار نشر سعاد الصباح، الذي قدّم شهادة خاصة عن قرب لمسيرة الشاعرة، مستعرضاً الجانب الإنساني الذي يطبع تعاملها اليومي وعلاقتها بالطاقم الثقافي.
واعتبر المسعودي أن الشاعرة لا ترى الكتابة مجرد إنتاج أدبي، بل مسؤولية إنسانية وأخلاقية، وأن دار نشرها ليست مؤسسة تجارية بقدر ما هي «ورش مفتوح لدعم الإبداع العربي» وفضاء لتشجيع الباحثين والشباب على خوض غمار الكتابة.
كما أكد أن ما يميزها هو قناعتها بأن «الثقافة فعلُ بناءٍ للإنسان، وأن المرأة لا تنال حريتها بالشعارات بل بالمعرفة وتمكين الذات».
وقد خرج المشاركون من الندوة بإجماع على أن تكريم الشاعرة سعاد الصباح في هذه الدورة هو تكريم لمسار فكري وشعري وإنساني يمتد لعقود، وأنها واحدة من الأصوات النسائية القليلة التي استطاعت أن تؤثث المشهد الثقافي العربي بإبداع متعدد الأبعاد.
وقد أكد العديد من المتدخلين أن ما يجمع بين قصيدتها ولوحتها ومواقفها هو الصدق، وأن السر في حضورها القوي يعود إلى انسجام تجربتها الفنية مع مشروعها الحقوقي، حيث الكلمة والفن والمعرفة تصبّ جميعها في خدمة الإنسان.
بهذه الندوة التي جمعت بين الشهادة والتحليل، أعاد المهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة الاعتبار لواحدة من أبرز رموز الإبداع العربي. وجاء الاحتفاء بالشاعرة سعاد الصباح ليؤكد أن الثقافة، حين تكون صادقة وملتزمة، تتحول إلى ذاكرة مشتركة تُصان وتُروى جيلاً بعد جيل.


الكاتب : عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 20/11/2025